مَلَكِيوّن أكثر من المَلك
حسين الصدر
-1-
قد تبلغ الحماسة لدى البعض في تمثيل مسرحيات الولاء الشخصي لهذا الزعيم أو ذاك، درجةً تفوق حدود الخيال ..، وعندها يقال لأصحاب هذا المنحى انهم ملكيون أكثر من الملك ..!!
انهم يتظاهرون بأنهم الذائبون في حُبّ سيّدهم ، وانهم على قناعةٍ تامة بصواب آرائِهِ ،وصحةِ قرارته ومساراته ،وانهم يرونه قد تربع على قمة الفضائل ،وهو على حالة من النزاهة والسمو بحيث لا ترقى اليه الشبهات..
-2-
انّ التمثيل البارع من الفنون التي لا يتقنها الاّ القليلون .
وهؤلاء قادرون على ايقاع كثير من الزعماء والرؤساء في أفخاخهم، ليكونوا من المقربيّن لهم ،والمستفيدين منهم سياسيا واجتماعيا ومالياً، بحيث أنهم يُقدّمونهم على كثير من الخبراء اللامعين ،وذوي الكفاءة والقدرة المرموقين .
انّ بطانات السوء المحيطة بالملوك والرؤساء قديماً وحديثاً هم من هذا النمط في الغالب ،وتلك ظاهرة مؤسفة .
وهذه الشريحة بالذات هي اول الشرائح التي تنقلب على الاعقاب بمجرد أنْ يفقد صاحبهم ما كان فيه من سلطة وسطوة ونفوذ …
انهم انتهازيون بامتياز ..!!
الاّ انّ بعض الملكيين الأكثر ملكيةً من الملك ، ليسوا من هذا النمط وانما هم من نمط آخر …
انه ينطلقون من خَلْفِيّةٍ لا يشوبها كذب وتضليل ، ولا تعرف أيَّ لونٍ من ألوان المكر والغش والخديعة …
انها العلاقة المتينة الصادقة الراسخة المتأصلة العامرة بالحب الحقيقي الذي لا يعروه الفتور ، ولا يخضع للتذبذب مهما كانت الأحوال.
-4-
وقد قرأتُ مؤخراً قصةً مثيرة لواحدٍ من هؤلاء، أراها جديرة بالذكر خلاصتها :
ان الراحل الملك فيصل الأول التقى بالعاهل السعودي عبد العزيز آل سعود عام 1930 فقدّم له الملك السعودي سيفا في غاية الروعة والنفاسة، بحيث انّ (فيصلا) أعدّ له خزانةً خاصة في مكتبه بالبلاط الملكي في مرأى منه عند جلوسه ، ويتحدث عن نفاسته الى بعض زُوّاره..!!
ثم انّ هذا السيف اختفى فجأةً .
ودلّتْ التحقيقات على أنّ (سنداح)- وهو من عبيد البيت الهاشمي في الحجاز ، وكان يعد القهوة الحجازية – وقد اختاره الملك فيصل لهذه الغاية، انه كان وراء هذا الاختفاء .
لقد أخذ السيف ودفنه وأبعده عن الملك ..!!
والسؤال الآن :
كيف تجرأ على ذلك ، وما هي الأسـباب ؟
والجواب :
انه من فرط تأثره من الملك، ومدحه الزائد لهذا السيف، ولعبد العزيز آل سعود الذي أخرج والده من عرش آبائه وأجداده، وطرد أخاه (علياً) من الحجاز على أسوأ صورة ، وجعله يبحث عن ملجأ له ..، لم يتحمل ان يسمع عن (عبد العزيز) ما سمع ، فقام بابعاد السيف عن الملك فيصل..!!
مذكرات رؤوف البحراني 280-282
-5-
كم تمنيتُ أنْ يحمل السلطويون في العراق الجديد (2003 – 2015) شيئاً مما حمله (سنداح) من مشاعر ولاء صادقه، لكنْ لا لشخص معين أو أسره مُعيّنة، بل لوطنهم وشعبهم الذي أوصلهم الى مناصبهم، بَدَلَ أنْ ينصرفوا الى الانشغال بصراعاتهم وامتيازاتهم ، بعيداً عن معاناة الشعب وهمومه ..!!
انّ (سنداح) – العبد المحدود للغاية في ثقافته وآفاقِه وامكاناتهِ – استطاع أنْ يتفوق بمشاعره المرهفة، وأحاسيسه المضمخة بعطر الوفاء لأسياده، على كثير ممن يعتبرون أنفسهم كبار الأحرار ممن تنكروا لمتطلبات الوفاء للدين والشعب والوطن .
وسيكتب التاريخ انّ المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف هي التي انتصرت للعراقيين المكروبين من السلطويين الذين انغمسوا في بحار المحاصصات الحزبية والطائفية فأرهقوا البلاد والعباد .
وانها وضعتهم أمام خيارين :
اما الانطلاق نحو الاصلاح والتغيير المنشود، وبذلك يحظون بمساندتها القوية …
والاّ فانهم سيواجهون أبشع العواقب ، ولا سيما بعد ان هاج الشعب العراقي ولن يهدأ الاّ حين يرى حقه المضاع قد عاد اليه
وهكذا ابتدأت المرحلة الجديدة ..