مناسبة هذا الكلام التسريبات في الأوساط السياسية والإعلامية بأنه تجري الآن الترتيبات لعودة نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء السابقين إلى مجلس النواب بعدما استقالوا منه غداة اختيارهم مناصبهم التنفيذية التي فقدوها أخيراً في إطار حزمة إصلاحات طالبت بها الحركة الاحتجاجية الشعبية وتبنّتها الحكومة وصادق عليها مجلس النواب بالاجماع تقريباً.
في بريطانيا ودول ديمقراطية أخرى يحتفظ النائب المكلّف بمهمة وزارية بعضويته في البرلمان، لكنه لا يمارس دوره كنائب وإنما يُمكنه فعل ذلك بعد العودة الى مقاعد النواب، إذا ما استقال أو أُقيل من الحكومة، ولا يمكن لأحد ان يشغل مقعده النيابي طيلة مدة استيزاره.
نحن ليس لدينا هذا النظام، ودستورنا لم يتضمن أي مادة تكفل لأعضاء مجلس النواب المستقيلين، لأي سبب، العودة إلى المجلس متى شاءوا، والنظام الداخلي لمجلس النواب ينصّ في مادته الخامسة عشرة على أنه ” يُعدُّ عضو المجلس الذي يصبح عضواً في مجلس الرئاسة أو في مجلس الوزراء مستقيلاً من عضوية المجلس ولا يتمتع بإمتيازات العضوية”، وأعضاء مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء المعفوون من مناصبهم السابقة مستقيلون من مناصبهم النيابية بارادتهم وليس رغماً عنهم، وعليه فان عودة المسؤولين التنفيذيين السابقين إلى المجلس ستكون بدعة أخرى وسابقة خطيرة في الحياة السياسية لأنها ستتسبب في فوضى لا نهاية لها.
إذا عاد نواب رئيسي الجمهورية والحكومة إلى البرلمان فسيكون من المنطقي، تأسيساً على هذه القاعدة – البدعة، أن يُعطى هذا “الحق” لأي عضو مستقيل من مجلس النواب لسبب آو لآخر ثم يقرّر أن يعاود عضويته في البرلمان، وسيشمل هذا “الحق” أيضاً كل وزير كان نائباً واستقال من منصبه الوزاري تجنباً للمساءلة مثلاً أو سُحبت منه الثقة في البرلمان، وعليه يمكن للوزراء المتهمين بالتقصير والفساد الإداري والمالي أن يضمنوا عودتهم الى مقاعدهم في مجلس النواب معزّزين مكرّمين بعد سحب الثقة منهم وإقالتهم!
المحاولات الهادفة لإعادة المسؤولين التنفيذيين الفائضين عن الحاجة إلى مراكز السلطة والقرار من الشباك بعدما أُخرجوا من الباب، إذا كانت الغاية منها أو الذريعة لها حفظ كرامة زعماء سياسيين فان الزعامة السياسية لا يقتصر حفظ كرامتها على الوجود في الكرسي التنفيذي أو النيابي، فالعمل السياسي الوطني السليم والنزيه هو في حدّ ذاته كرامة. أمّا اذا كانت الغاية والذريعة تأمين الحصانة للمسؤولين التنفيذيين من المساءلة، فهذا ما لا يجب القبول به أبداً، والحركة الشعبية المتواصلة المطالبة بالاصلاح يتعيّن أن تتنبه إلى هذا وتعمل للحؤول دون وقوعه، فما من أحد من مسؤولي الدولة وموظفيها محصّن ضد المساءلة عن مسؤولياته.
عن جريدة المدى البغدادية