اختلاف بيّن في الشعارات المكتوبة والهتافات المدوية سُجِّل في مظاهرات الجمعة الأخيرة في بغداد وسائر المدن المُحتجّة للأسبوع السادس على التوالي، على الخراب الشامل المتواصل للعام الثالث عشر على التوالي…. اختلاف يؤذن بتحوّل في مسار العملية الاحتجاجية يُنذر بدوره بعواقب غير حميدة.
بعد أول جمعة ارتفعت شعارات وهتافات تُشيد برئيس الوزراء حيدر العبادي عن تجاوبه السريع مع المطالب الشعبية، وعن تحدّيه الطبقة السياسية المتنفذة بتأييده الحركة الاحتجاجية وتقديمه برنامجاً إصلاحياً أُضطرت هذه الطبقة مرغمة إلى إعلان القبول به. لكن في الجمعة الأخيرة شاهدنا وسمعنا شعارات وهتافات تعاتب السيد العبادي أو تلومه أو تشكك في قدرته على تحقيق ما وعد به مرات عدة.
من الواضح أن ما لا يقلّ عن ثمانين بالمئة من الطبقة السياسية المتنفذة لا يؤيد الحركة الاحتجاجية، ولا يرغب في تحقيق أي من مطالبها، ولم يحبّ أن يتبنى العبادي هذه المطالب وأن يعد بتحقيقها. ومن الواضح أن هذا القسم الأعظم من الطبقة السياسية المتنفذة يعمل الآن على مدار أربع وعشرين ساعة في سبيل إجهاض الحركة الاحتجاجية وإظهار العبادي في صورة السياسي الفاشل ورئيس الحكومة غير القادر على تحقيق أي شيء للناس. ومن الواضح أيضاً أن هذا القسم الأعظم من الطبقة السياسية المتنفذة يتّخذ هذا الموقف لأنه هو المسؤول عن كل عوامل الفشل والتقصير والخراب في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو منبع الفساد الاداري والمالي وبؤرته، وأنه بالتالي من سيتحمل تبعات ضرر البرنامج الإصلاحي وضراره، بما في ذلك المساءلة والمحاسبة وخسارة مناصب السلطة ومواقع النفوذ وإعادة الثروات المنهوبة.
الاصلاحات التي تضمّنها البرنامج الحكومي وبرنامج مجلس النواب المكمّل كانت مُستحَقة منذ مطلع 2011، وقد ضرب رئيس الحكومة السابق نوري المالكي يومها على صدره متعهداً بتحقيقها نزولاً عند مطالب المحتجين الذين نزلوا الى الساحات والشوارع على مدى أسابيع متتالية منذ 25 شباط من ذلك العام. وتبيّن للناس فيما بعد أن السيد المالكي قد ضرب على صدره إنما تعهداً بنكث العهود، فالفساد الإداري والمالي تفاقم في السنوات اللاحقة بسرعة صاروخية وأفرغ خزينة الدولة من محتوياتها وتركها عاجزة لسنوات عدة لاحقة، والخدمات العامة تردّت ومعدلات الفقر والبطالة ارتفعت بمستويات غير مسبوقة، فيما الارهاب بلغ الذروة باحتلال ثلث مساحة البلاد وتهديد العاصمة بغداد.
هذا كله وغيره كان في أساس انفجار الحركة الاحتجاجية الحالية.. إنها الصرخة المدوّية الأخيرة لشعب أُنتهكت حقوقه وكرامته على نحو مروّع، في وجه طبقة سياسية لا ذمة ولا ضمير لثمانين بالمئة منها في الأقل.
هذه الصرخة إذا ما تبددت وهذه الحركة إذا ما أُجهِضت هذه المرة، فلا يتعيّن على الطبقة السياسية أن تراهن على عدم تجدّدها إلا بعد سنوات.. هذا تفكير واهم وعقيم، فثمة ملامح لانفجار رهيب يُغرق المركب بمن فيه جميعاً.. عدم تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية وعدم تنفيذ البرنامج الاصلاحي سيؤديان إلى كفر الناس بكل شيء.. هذا الكفر يمكن أن يعبّر عن نفسه في صيغة عنف وجماعات عنفية لها أول وليس لها آخر… فحذارِ ثمّ حذارِ.