الذين يلومون ويشتمون الشباب العراقيين المهاجرين الى أوروبا، والذين يخرجونهم من الملّة والدين والمذهب، والذين ينزعون عنهم وطنيتهم، والذين يجردونهم من إنسانيتهم، والذين يتهمونهم بالضلوع في مؤامرة أو بتنفيذ مشروع من إعداد أياد خفية.. هؤلاء جميعاً ليس عليهم غير حرف اتجاه إصبع الاتهام بزاوية 180 درجة ليشير إلى أنفسهم هم.
لماذا كان يتعيّن على هؤلاء الشباب ألا يركبوا مركب المغامرة والخطر وألا يهاجروا الى الغرب أو حتى الى أرض الشيطان؟.. لماذا يتوجب عليهم أن يثبتوا ويرابطوا والا يستمعوا الى نداءات القلب والعقل الحاثّة على الهجرة؟
نعم، لماذا ولماذا ولماذا؟
ألم نسبقهم منذ أكثر من ثلاثة عقود بالهجرة الى سوريا ولبنان واليمن الديمقراطية وإيران والكويت، قبل أن نتطشر في أربع جهات الأرض؟ لماذا فعلنا ذلك؟ ألم يكن طلباً للأمان والحرية والكرامة وفراراً من الدكتاتورية وحروبها الغاشمة؟. أليس شباب اليوم يفعلون الشيء نفسه سعياً وراء الحصول على الأمان والكرامة والحرية؟
قبل ثلاثة عقود تسرّبنا بالعشرات وبالمئات وبالآلاف خوفاً من الموت في زنازين الأمن وأقبية المخابرات أو على جبهات الحروب العدوانية العبثية.. شباب اليوم يتسربون لدواعي وأسباب عدة بينها أسباب ودواعي هجرتنا.
شباب العراق الذين يندفعون لركوب البحر برغم احتمال الموت غرقاً وعدم الوصول الى شواطئ الحياة، كانوا قد فعلوا على مدى إثنتي عشرة سنة ما طلبه منهم الذين يشتمونهم الآن ويخرجونهم من الملّة والدين والمذهب وينزعون عنهم وطنيتهم، ويجردونهم من انسانيتهم، ويتهمونهم بالضلوع في مؤامرة أو بتنفيذ مشروع من اعداد أياد خفية.. وقفوا في وجه الإرهاب، وذهبوا لانتخاب الجمعية الوطنية، وللاستفتاء على الدستور ولانتخاب مجلس النواب ومجالس المحافظات والبلديات عدة دورات غير آبهين بالتفجيرات الإرهابية. بل انهم انتخبوا هؤلاء الذين يشتمونهم الآن ويخرجونهم من الملّة والدين والمذهب ويتهمونهم بالضلوع في مؤامرة دبرتها أياد خفية، وسلّموهم رقابهم، وعهدوا إليهم بمهمة تعويضهم عمّا كابدوه طولاً في عهود الكتاتورية، وتوفير الأمن والحرية والكرامة، وتحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية، لكنّ هؤلاء الذين انتخبوهم قد قلبوا لهم منذ اللحظة الأولى ظهر المجن، فأقاموا نظاماً يستند الى المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، ويرتكز على كل ما يتناقض مع الأمن والحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديمقراطية.. الشباب انتظروا إثنتي عشرة سنة لاصلاح العملية السياسية وتعديل مسارها الأعوج، لكنّ الذي حدث أن الذين يشتمون الشباب المهاجر اليوم، تمادوا في غيّهم وحوّلوا حياة ناخبيهم وسائر أهل هذي البلاد الى كوارث متصلة وجحيم لا يُطاق.
الشباب العراقيون يفرّون الآن بعدما ضاقت بهم السبل حدّ اللعنة، وانغلقت أمامهم أبواب الحياة الآمنة، الحرة والكريمة، فلماذا تلومونهم وتشتمونهم وتخرجونهم من الملّة والدين والمذهب والوطنية؟.. انظروا في المرايا جيداً، المرايا النظيفة الصافية، لتروا وتدركوا مَنْ ذا الذي يستحق اللوم والشتيمة والنبذ من الملّة والدين والمذهب والوطنية والانسانية!