القتال من أجل البحر..(تحليل لأسباب التدخل الروسي في سوريا).. (المستشار ضياء الوكيل)
(ما الذي استفز الدُب الروسي وأفقدَهُ صبرَهُ المعتاد وأحالَهُ إلى نَمرٍ غاضبٍ شرس..؟؟ أن تداعيات الأحداث في سوريا بدأت تلامس صميم مصالح موسكو وخطوطها الحمراء وأمنها القومي ومستقبل تواجدها في المنطقة، ويرى الكرملن أن المجال الحيوي للأمن القومي الروسي بات الآن عرضة للتهديد وهذا الموقف ينسحب على القاعدة البحرية في طرطوس ومشروع ميناء (جبلة- 32 كم جنوب اللاذقية) الذي قطع شوطا مهما في إعادة بناء مرسى ومنصة الغواصات السوفيتية السابق مع ملاحظة أن تواجد القوات الروسية في قاعدة باسل الأسد الجوية هو أيضا بات هدفا استراتيجيا للإرهاب…
ضياء الوكيل*
مع احتدام الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية حول الدوافع الحقيقية للتدخل الروسي المباشر في الأراضي السورية الملتهبة.. ورغم كثرة التحليلات والمعلومات والتكهنات التي تصدت لهذا الملف الخطير… تبقى أمام المراقب علامات استفهام كثيرة وأسئلة مهمة تحتاج إلى إجابات موضوعية محايدة وتفسيرات غير مسيسة،.. ومنها على سبيل المثال:
- هل التدخل العسكري الروسي يسعى لحماية نظام الرئيس بشار الأسد أم جاء لمحاربة داعش والتصدي للإرهاب ؟؟؟
- هل أرسلت روسيا طيرانها وجنودها وعتادها لتدافع عن مصالحها الحيوية وأمنها القومي أم أنها تبحث عن دور في المنطقة تُقيمهُ على أنقاض الفشل الأميركي ..؟؟
- ما الذي استفز الدُب الروسي وأفقدَهُ صبرَهُ المعتاد وأحالَهُ إلى نَمرٍ غاضبٍ شرس..؟؟ وللإجابة على تلك التساؤلات سنحاول تقديم تحليلي أولي وقراءة للمشهد السوري ببعديه السياسي والعسكري وكالآتي…
شهدت المناطق السورية المحاذية للحدود التركية في الأشهر الأخير تطورات متسارعة تمثلت في سقوط مدينة إدلب بالكامل في أيدي التنظيم الارهابي المسلح ( جيش الفتح ) وهو الفصيل المنشق عن (جبهة النصرة) الذراع العسكري لتنظيم القاعدة في سوريا ويضم خليطا من الجيش الإسلامي والجيش الحر والسلفيين وجبهة النصرة وهو مدعوم من تركيا ، وللتوضيح فأن التنظيمات المسلحة تسيطر منذ ربيع العام 2012 على جبل الأكراد الاستراتيجي وعلى معظم الحدود مع تركيا وصولا إلى قرية كسّاب الأرمنية التي اقتحمتها تلك الجماعات في عام 2014 ودمرت الرادارات والمعدات الروسية المنصوبة على (قمة جبل الأقرع) وما لبثت أن انسحبت منها بعد أن فشلت في التقدم جنوبا، وقد يكون من المفيد هنا التذكير أن هناك امتدادا جغرافيا بين جبل الأكراد ومناطق المتمردين في شمال غرب وصولا الى جسر الشغور مما يشكل تهديدا خطيرا لمدينة اللاذقية ذات الغالبية العلوية ، وهذا الموقف دفع بالرئيس السوري إلى تشكيل قوة مسلحة من أهالي المدينة وبالتحديد (فئة الشباب العلوي) الذين رفضوا القتال خارج مدنهم أسماها ( لواء درع الساحل ) وترتبط بالجيش العربي السوري من ناحية العمليات والتجهيز والتدريب ومهمتها حماية الساحل السوري والتصدي لأي تهديد محتمل..
لماذا اللاذقية وليس طرطوس؟؟
في شهر تموز 2015 هدد هجوم للمسلحين في (منطقة سهل الغاب) مدينة اللاذقية والقرى العلوية قليلة السكان شمال غرب جبل الأنصارية وهذا الموقف دقّ جرس الإنذار لدى السلطات السورية محذرا من احتمالات التحرك السني المتواجد في منطقة (الرمل الفلسطيني) والنازحين من أدلب وحلب يقدر عددهم ( 200000) وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وغالبيتهم من الطائفة السنية ويخشى النظام من إمكانية تمردهم على الحكومة في لحظة فاصلة… وهناك أسباب أخرى تضع اللاذقية والساحل في دائرة الاهتمام والصراع نذكر أهمها:
- حاجة الجماعات المسلحة الى ميناء رئيسي على البحر دفعها للتخطيط والحشد باتجاه الساحل.
- وقع الاختيار على اللاذقية نظرا لموقعها الحيوي المطل على البحر المتوسط وباتت تشكل الآن هدفا استراتيجيا ورمزيا للجماعات المسلحة…
- اللاذقية أقرب لخطوط الإمداد والتموين والمناطق الخاضعة لنفوذ التنظيمات المسلحة…
- الطريق إليها أقل تعقيدا من طرطوس خاصة بعد إحكام الجيش السوري وحزب الله سيطرتهما على الحدود مع لبنان وتعقّدت خطوط التواصل مع المناطق السنية اللبنانية في ( عكار وطرابلس).. وقد اتضحت هذه الإستراتيجية في معركة القصير عام 2013…
- طرطوس مدينة علوية والطريق بينها وبين حمص تقطنه أغلبية علوية وهذا يعقد المشهد العسكري مع وجود بيئة مضادة أمام المتمردين…
- لدى (جبهة النصرة) تجربة قتالية ومعرفة بجغرافية وطبيعة الأرض أوصلتهم في العام الماضي إلى البحر بعد سيطرتهم على قرية كسّاب شمال غرب اللاذقية قبل انسحابهم منها لاحقا..
كل تلك العوامل إضافة إلى الضعف الذي أصاب القوات السورية في شمال وشمال غرب البلاد والتهديدات المحدقة بدمشق العاصمة وريفها والتهديدات في الجنوب وسيطرة داعش على أجزاء واسعة في الشرق.. دفعت روسيا إلى الخروج عن صمتها ومغادرة سياسة النفس الطويل والانتقال إلى التدخل العسكري المباشر بعد أن وجدت أن تداعيات الأحداث بدأت تلامس صميم مصالحها وخطوطها الحمراء وأمنها القومي ومستقبل تواجدها في المنطقة، وترى موسكو أن المجال الحيوي للأمن القومي الروسي بات الآن عرضة للتهديد وهذا الموقف ينسحب على قاعدتها البحرية في طرطوس ومشروعها في ميناء جبلة (32 كم جنوب اللاذقية) الذي قطع شوطا مهما في إعادة بناء مرسى ومنصة الغواصات السوفيتية السابق مع ملاحظة أن تواجدها في قاعدة باسل الأسد الجوية هو أيضا بات هدفا استراتيجيا للمسلحين…
هذا الموقف بمجمله يقدم إجابات على الأسئلة المثارة حاليا حول أسباب التدخل الروسي في سوريا (مصلحة وأمن روسيا تتقدم أي عاملٍ آخر) وقد وجد الكرملين أن الفرصة سانحة لتحويل الأنظار عن قضية أوكرانيا ولو مؤقتا مستفيدا من الإخفاق الاميريكي في التعامل مع الملف السوري والقلق العالمي من تفاقم خطر الجماعات الارهابية المسلحة عموما وداعش على وجه الخصوص … أما نظام الرئيس الأسد فأنه يجد في هذا التدخل نجدةً تتيحُ له التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراق اللعبة الدموية بانتظار انفراج سياسي ينهي محنة سوريا وشعبها الجريح…
*مستشار وخبير في شؤون الأمن القومي