الروابط بين إسرائيل ودول «مجلس التعاون الخليجي» بعد خمسة وعشرين عاماً من حرب الخليج الأولى ( سايمون هندرسون)
كيف يمكن للمرء أن يكتب 2000 كلمة عن الروابط بين إسرائيل والدول الست الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي»، وهي علاقات لا يستعد أي مسؤول من هذه البلدان السبعة للاعتراف بوجودهاعلناً؟ الجواب هو: “بصعوبة”. وكيف يمكن للمرء ترتيب تلك الصلات من حيث الأهمية من دون كشف الأسرار؟ إن السبيل لذلك يكمن في الاعتماد على التقارير المنشورة بالفعل، ولكن في الوقت نفسه الحكم على أهميتها.
العلاقات السرية
يتجلى الجواب القصير على هذه الأسئلة في أن هذه الروابط واسعة النطاق، لا بل جيدة جداً في بعض الحالات. إلا أنها في غالب الأحيان بعيدة عن الأنظار. لذا، على الرغم من القلق المشترك من برنامج إيران النووي ونوايا طهران المخربة والذي شكّل عامل ترابط بين الطرفين، إلا أنه لا بد لإسرائيل أن تكون قد شعرت بخيبة أمل من رد فعل دول «مجلس التعاون الخليجي» – المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان – على هذه الدبلوماسية التي شهدها فصل الصيف هذا العام. فعندما تم الإعلان عن الاتفاق النووي في فيينا في 14 تموز/ يوليو، لم يلقَ سوى معارضة إسرائيل. فالدول العربية الست، على الرغم من أن بعضها أعربت عن قلق واضح حيال التفاصيل، إلا أنها عبّرت عن تأييدها للحل الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فقد تكون هذه الدول ضمن نفس الإطار الذي تفكر به إسرائيل إلا أنها من الواضح لم ترد أن تتخذ نفس الموقف، على الأقل علناً. وفي هذا تذكير آخر لإسرائيل بالقيود التي تحد أي صلة لها بهذه الدول.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه الروابط دبلوماسية واقتصادية على حد سواء. ومن المؤكد أن الاتصالات السياسية تخضع لحركة مد وجزر، فمن الصعب أن نتصور أن اغتيال جهاز “الموساد” الإسرائيلي للقيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح في دبي عام 2010 كان مجرد حدث بسيط. لكن الروابط التجارية وتلك الخاصة بالأعمال تنمو باطراد، وهي علاقات هامة على الأقل مع بعض الدول (وأنا لا أعني مصر والأردن اللتان تربطهما بإسرائيل علاقات رسمية)، إذ إن إحدى الإحصائيات التي أطلعني على نتائجها أحد المسؤولين الخليجيين هذا العام كانت مدهشة.
سأروي حكاية شخصية عن حادث جعلني أدرك أن القصص حول انتشار التجارة الإسرائيلية مع العالم العربي تستند إلى الوقائع بدلاً من الشائعات التآمرية. ففي أوائل عام 2004، أي بعد مرور عام على غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة وقبل أن تُعتبر خطوتي هذه غير مسؤولة تماماً، قمت برحلة إلى العراق على طول البلاد مع بعض الزملاء من “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”. التقينا في تركيا وعبرنا الحدود إلى شمال العراق. أمضينا ليالٍ في أربيل والسليمانية وبغداد قبل أن نتوجه جنوباً نحو البصرة، لنصل في نهاية المطاف إلى الكويت. وخلال توجهنا جنوباً، توقفنا ليلة واحدة في الناصرية، وهي مدينة تقع على نهر الفرات، حيث أقمنا في الفندق الوحيد، وبالتالي الأفضل، على بعد نحو 90 متراً عن المقر المحلي لميليشيا “بدر” الشيعية الموالية لإيران. ومن على وجبة عشاء، سألْنا النادل إذا كان لديه أي نوع من البيرة. وبعد أن ظهرت علامات الصدمة على وجهه (فجنوب العراق منطقة محافظة دينياً)، عرض علينا أن يجد لنا البيرة شرط أن نشربها في غرفنا. تفاوضنا على سعر وبعد ساعة وصلتنا بسرية. دُهشنا لاكتشاف أن علب البيرة كانت من نوع “غولد ستار” الإسرائيلي، ولكن خلافاً للعلب في إسرائيل لم تحمل أي تلميح مطبوع على جانبها حول مكان تخميرها. ولم تكن صدمتنا فقط لأننا كنا قادرين على شرب “غولد ستار”، ولكن لأن البيرة المحلية المختارة، كما رأينا، كانت أيضاً علامة تجارية إسرائيلية يمكن التعرف عليها بسهولة.
دبلوماسية واشنطن
وفر الصيف الماضي حصاداً وافراً نسبياً من حيث الأمثلة الأخرى عن العلاقات ما بين إسرائيل والعالم العربي الأوسع، بما في ذلك منطقة الخليج. إذ إن فقرة من كتاب “حليف: رحلتي عبر الانقسام الأمريكي-الإسرائيلي” للسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين تكشف ما يلي: “من بين الامتيازات الخاصة بسفير إسرائيل لدى واشنطن القدرة على لقاء شخصيات عربية ودبلوماسيين عرب بشكل غير رسمي، وبعيداً عن الأنظار. وبغض النظر عن السفير السعودي الذي شكّل استثناءً ملحوظاً، كان كل نظرائي العرب تقريباً على استعداد للتحدث. وقد كان هؤلاء الأشخاص استثنائيين، وتم تعيينهم فقط لقدرتهم على التفوق في الدوائر الأمريكية”. ولا يدل مؤشر الكتاب على تهور مؤلفه السفير السابق أورين، وعليكم قراءة الكتاب لاكتشاف ذلك (وقد ورد هذا في الصفحة 301). ومع ذلك، فإن صراحة أورين تسمح لي بإخبار (نسخة مقتطعة من) حكاية ثانية. ففي خلال لقاء على إفطار عمل في فندق في وسط واشنطن العاصمة، أتى ما قاله لي سفير خليجي كشكوى تقريباً، إذ أوضح أن أورين استمر في إرسال الدعوات للمشاركة في احتفالات العيد الوطني الإسرائيلي!
في أوائل أيلول/ سبتمبر، نشر موقع “هافينغتون بوست” لمحة طويلة عن السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، بعنوان “مدينته”. وقد أشار كتّاب المقالة إلى التداخل ما بين وجهة نظر بلاده المشككة بإيران والمواقف التي اتخذتها إسرائيل و”لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” موضحين أن: “مسؤولاً أمريكياً رفيع المستوى أضاف أن العتيبة والسفير الإسرائيلي [الحالي] رون ديرمر قريبان جداً. إذ رأى أنهما ‘متفقان على كل شيء تقريباً’ (موضحاً أن ذلك لا يشمل الفلسطينيين)”. ويضيف المقال أن: “مسؤولاً رفيع المستوى في السفارة الإسرائيلية يؤكد على قيمة هذا التحالف الاستراتيجي معتبراً أن ‘وقوف إسرائيل والعرب معاً يشكل الورقة الرابحة الأكيدة. لأنه يتخطى السياسة والإيديولوجية، فعندما تقف إسرائيل والدول العربية إلى جانب بعضها البعض، تصبح قوية’ “.
ووفقاً لـ “هافينغتون بوست”: “هذا العام، دعا ديرمر العتيبة لحضور خطاب [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتنياهو حول إيران أمام الكونغرس، لكن السفير الإماراتي رفض بسبب الحساسيات السياسية في وطنه. ومن خلال متحدث باسمه، نفى العتيبة أن يكون على علاقة صداقة شخصية مع السفير الإسرائيلي. كما وبرزت حدود لتلك العلاقة من الجانب الإسرائيلي أيضاً، فعندما التقى نتنياهو بوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في تموز/ يوليو لمناقشة موضوع إيران، تذمر من كيفية حشر الولايات المتحدة نفسها في الزاوية عبر بيع أنظمة أسلحة متطورة لدول الخليج العربية، وذلك فقاً لتقارير إسرائيلية أكدها مسؤول أمريكي بارز. وبالتالي فإن الشك متواجد من الطرفين. إذ قال هذا المسؤول، ‘ إن هذا الانفراج في العلاقات ما بين دول الخليج وإسرائيل ليس حقيقياً. إذا كان الطرفان أصدقاء مقربين، ربما يمكن أن يبدآن بالاعتراف بإسرائيل ‘ “.
الروابط بين اسرائيل والسعودية
أما الحدث الرئيسي الآخر خلال الصيف فقد تجلى في “فضح” الاتصالات السعودية الإسرائيلية في “مجلس العلاقات الخارجية” في واشنطن في أوائل حزيران/ يونيو. فدوري غولد، أحد المقربين من نتنياهو الذي هو على وشك أن يصبح مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، أدلى ببيان إلى جانب الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي. وقد كشف الإثنان عن عقدهما سلسلة من الاجتماعات تبادلا خلالها وجهات نظرهما حول الشرق الأوسط. أما شرح سياق الكشف عن هذه اللقاءات فقد تُرك للصحفيين الحاضرين. وفي ظل هذه الظروف، بدا أن الأمر عبارة عن رسالة لإدارة أوباما بأن إسرائيل والمملكة العربية السعودية لهما اهتمامات مشتركة حول قضية إيران ويجب على واشنطن أن تدرك ذلك. وعلى الرغم من أن أن دوري غولد هو شخصية أكثر أهمية في إسرائيل بشكل واضح من عشقي في المملكة، إلا أن هذا الأخير لم يكن باستطاعته أن يتحدث علناً من دون علم آل سعود. ومن العوامل الإضافية الهامة في هذا الإطار أن هذه الاتصالات بدأت في عهد الملك عبد الله (الذي توفي في كانون الثاني/ يناير) واستمرت في ظل العاهل الجديد الملك سلمان، مما يعني تجدد الموافقة ضمنياً. إن عشقي، الذي التقيت به في ذلك الحدث في “مجلس العلاقات الخارجية”، هو شخص ظريف أخبرني أنه لم تكن هناك أي تداعيات ضده في بلده بسبب نشاطاته.
إلا أن هذه الروابط، وبالتأكيد مع المملكة العربية السعودية، تعود إلى زمن بعيد حتى قبل إنشاء «مجلس التعاون الخليجي» في عام 1981. لقد كتبت ذات مرة أنه تم تأسيس قناة خلفية سعودية إسرائيلية في الثمانينات عندما ألقى العاهل السعودي الملك فهد هذه المهمة على عاتق رئيس المخابرات السعودية آنذاك، الأمير تركي الفيصل. (مصدري في ذلك كان صديقاً للأمير تركي الذي يبدو أنه أشار إلى عدم رغبته بهذا الدور). ولكن جهة اتصال إسرائيلية صححت لي ذلك. فهذه القناة السرية كانت قائمة بالفعل وعُهدت إلى الشيخ كمال أدهم عندما كان رئيساً لـ “مديرية المخابرات العامة” السعودية ما بين عامي 1965 و1979، قبل تولي الأمير تركي هذا المنصب. وتم تحريض بعض الاتصالات الدبلوماسية من قبل الولايات المتحدة، ويستند ذلك على ما يبدو على المنطق القائل أنه إذا كانت واشنطن ودية مع كلا الطرفين، يجب على هؤلاء التحدث مع بعضهما البعض على الأقل في بعض الأحيان. وقد قال لي مسؤول إسرائيلي ذات مرة إنه زار عاصمة خليجية لعقد اجتماعات أعطى خلالها كل جانب وجهة نظره حول مجموعة متنوعة من المواضيع. ولم يكن هناك دائماً اتفاق على نطاق واسع ولكن كان الأمر عبارة عن تبادل لوجهات النظر، كما وأن الدول المعنية سمحت للزوار باستخدام جوازات السفر الإسرائيلية لدخولها ومغادرتها.
مفهوم المصلحة الذاتية كحافز
على الرغم من ذلك، يبدو أن القوة الدافعة تتجلى في تداخل المصالح الذاتية. إن فترة النمو الأكثر وضوحاً في الاتصالات الإسرائيلية، والتي تؤخذ من المستوى الاستخباراتي إلى المستوى الدبلوماسي، تعود إلى التسعينات وإلى اتفاقيات أوسلو التي سمحت على الأقل لبعض الدول الخليجية بتخطي ترددها السابق بسبب غياب السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي عام 1994، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين إلى عُمان والتقى بالسلطان قابوس. وبعد ذلك بعام، بعد اغتيال رابين، أتى وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى القدس للاجتماع بالقائم بأعمال رئيس الوزراء في ذلك الحين شمعون بيريز. وفي عام 1996، وقعت الدولتان اتفاقاً يفتح بموجبه كل منهما مكاتب تمثيل تجارية. وفي العام نفسه، اتفقت قطر وإسرائيل على فعل الأمر نفسه.
وقد زار بيريز العاصمتين، وتم إنشاء المكتبين التجاريين وضم كل منهما ثلاثة دبلوماسيين. لكن عمان أغلقت المكتب الإسرائيلي في عام 2000 في حين استمر المكتب القطري حتى عام 2009. كما أن مسقط والدوحة لم تنفذا جهتهما من الاتفاق القائمة على إنشاء مكاتب في إسرائيل. ربما على العكس من ذلك، يُعتقد أن استمرار علاقات إسرائيل الهادئة مع سلطنة عمان أفضل من صلاتها بقطر. هذا ويواصل العلماء الإسرائيليون التعاون مع سلطنة عمان في تقنيات تحلية المياه. وفي الأصل بدأت الدوحة تتقرب من إسرائيل كوسيلة لتحسين علاقاتها مع واشنطن، وذلك عن طريق التماس الدعم من الكونغرس. لكن في هذه الأيام يبدو أن العائلة المالكة القطرية تفكر في أن الموجة التي يجب عليها ركوبها تتجلى في دعم جماعة «الإخوان المسلمين»، وهو رأي معادٍ لإسرائيل.
وبغض النظر عن اغتيال المبحوح، يبدو أن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم المشاكل في تنافس الإسرائيليين في الأحداث الرياضية، استضافت دولة الإمارات في عام 2013 مؤتمراً للطاقة المتجددة كانت إسرائيل ممثلة فيه. وعلى الرغم من كلمات مايكل أورين، فإن الكويت هي الدولة الخليجية ذات أكبر عداء ظاهر وعلني لإسرائيل وكانت قد قاطعت المؤتمر نفسه في أبوظبي بسبب تمثيل إسرائيل. وقيل لي في هذا السياق إن وجهة نظر الكويت مختلفة خلال الاتصالات السرية. ففي مكان ما في «مجلس التعاون الخليجي» (وأنا أعلم أين ولكني لن أقول) توجد بعثة دبلوماسية إسرائيلية، تم الكشف عن وجودها في نسخة منقحة بلا مبالاة من الموازنة العامة [لإسرائيل] في عام 2013، التي أشارت إلى أنه بين العامين 2010 و 2012، تم افتتاح 11 مكتباً تمثيلياً جديداً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مكتب في منطقة الخليج. يُذكر أن الرابط إلى الصفحة المهينة من الوثيقة، والتي نشرت في صحيفة “تايمز أوف إيزرائيل”، تُظهر الآن رسالة خطأ في اللغة الإنجليزية والعبرية من وزارة الشؤون الخارجية.
إن المؤشر الذي يدل على طبيعة العلاقات الخليجية -الإسرائيلية التي تبقى في مد وجذر يبرز في مصير صفحة “التويتر” التي أنشئت في عام 2013، @IsraelintheGCC. فهي لاتزال موجودة، ولكنها لم تشهد أي تغريدات جديدة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014. وهي لا تضم سوى حوالي 2080 متابع، قام 17 منهم فقط بوضعها على قائمة الصفحات المفضلة. ولكن هذه الصفحة بحد ذاتها لا تشير علناً سوى إلى أن العلاقات الأوسع بين إسرائيل والخليج لم تشهد انطلاقاً فعلياً بعد. وفي الواقع، على الرغم من بعض الاضطرابات، فإن العلاقات هي بالفعل في نقطة انطلاق.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.