ما ذا نريد ان نعرف بعد ذلك؟، الصناعة صفر.. الثقافة تتوقف عن الطبع والنشر، التربية توزع للطلبة كتبا مستعملة، الاسكان بلا مشاريع، الاستثمار متوقف حتى اشعار آخر. التنمية في خبر كان…!!!
العام 1977 كان الرئيس الصيني دنغ كسياو بنغ يلقي خطابا يعلن فيه انتهاء “الثورة الثقافية الكبرى” التي دامت عشر سنوات، وقف احد الحاضرين وكان يحمل منشورا ليسأل: وماذا سنفعل بهذه التعاليم؟، قال دنغ بحزم: سوف نكمل بناء الصين ولكن من خلال العمل فقط، لا من خلال المنشورات.
عندما تسلم، السلطة، كانت الصين بين اضعف دول العالم اقتصادا، اكثر من نصف سكانها يعانون من البطالة. وعندما ترك السلطة عام 1992 كانت الصين تصنع السيارات والإلكترونيات وكل ما يهم سكان الكرة الارضية ، لقد قرر دنغ أن ينسخ المعجزىة السنغافورية ، وربما سيسخر البعض ويقول هل يعقل ان تطلب دولة بحجم الصين المساعدة من جزيرة اسمها “سنغافورة”؟!. واحيل “الساخرين” الى مذكرات لي كوان يو “من العالم الثالث الى العالم الاول”.
قدّم دنغ للعالم صورة مختلفة عن الجنس الاصفر واصحاب البدلة الواحدة، اراد ان يرسل الماضي الى النسيان ، وقال لمنتقديه وهم يهاجمونه على فتح قنوات اتصال مع اميركا: ان الانظمة التي تغلق على نفسها الابواب تموت، وحين دعي إلى واشنطن في زيارة رسمية، ولدى وصوله سألته دائرة التشريفات ماذا يفضل في برنامجه الخاص، طلب لقاء سريعا مع اصحاب شركات السيارات، قال لمرافقه ان لديه رغبة منذ الصغر لمعرفة اسرار الصناعة .
يجب أن اعترف انني دائما ما اعيد على مسامعكم تجارب دول وشعوب، وانسى اننا بلاد علمنا البشرية القراءة وخط الحرف، اكتب عن الصين وانسى ان حمورابي وضع اول مسلة للقوانين، واتغنى بسنغافورة وانسى انهم يتحسرون على شاعر فصيح اللسان ، واعيد واصقل بحكايات ماليزيا ورئيسها المؤمن مهاتير محمد، وانسى ان لدينا اكثر من مئة الف مسؤول يؤدون الفرائض بانتظام وسيماء التقوى على وجوههم، هذا معيب ياسادة، ويجب ان اتوارى خجلا لانني اعتقد ان الكتابة عن نظرية مانديلا في المصالحة، أجدى وأكثر نفعاً من الحديث عن المصالحة التي يقودها مكتب رئيس الجمهورية والتي كان من بشائرها ان عدنان السراج احد منظريها الكبار.
اكتب عن الصين وانا اقرأ بألم تصريح وزير الصناعة ان ميزانية الصناعة العراقية للعام المقبل ستكون صفرا.
ما ذا نريد ان نعرف بعد ذلك؟، الصناعة صفر.. الثقافة تتوقف عن الطبع والنشر، التربية توزع للطلبة كتبا مستعملة، الاسكان بلا مشاريع، الاستثمار متوقف حتى اشعار آخر. التنمية في خبر كان،
حين لا تكون الصحافة مشغولة باخبار عواطف النعمة، وحين لايصبح الوزير ملاس خبرا رئيسيا في صدر الصفحات الاولى، تكون النتيجة انها ستعيد الاهتمام بزوايا غاب ابرزها مثل هل تعلم؟، فربما سيقدم لنا هذا الباب اجابة قاطعة على سؤال يشغل بال الناس وهو: ماذا ستفعلون في الميزانية ببلد يرفع شعار صفر في كل شيء؟