الفارق بين جملة وزير داخلية منصب سياسي وجملة وزير داخلية منصب مهني مجرد اختلاف في الكلمة الاخيرة ، لكن الفارق على ارض الواقع أعمق وأكثر تعقيداً ، هل القضية تتعلق بمنصب وزير الداخلية فقط ؟ لا ياسادة إنها مرتبطة بمعظم وزاراتنا ومؤسسات الدولة التي تحولت الى إقطاعيات توزع بين الكتل السياسية ، النفط لك ،إذن المالية من حصتنا ، الخارجية سنتركها لفلان ، لكن الداخلية لا يمكن ان تخرج من عباءة هذا المكون ، هذه الكلمة المكونة من اربعة حروف ” مهني ” ليست مجرد كلمة يستخدمها السياسي والمسؤول ليغطي بها فشله ، لكنها الموضوع ومربط فرس الإصلاح التي لايريد العبادي حتى هذه اللحظة ان يمسك لجامه بشكل صحيح ، وهذه الكلمة هي التي يجب ان ننشغل بها عن مؤتمرات المصالحة التي دائما ما تنتهي، بأن يُقبّل فلان وجنتي فلان ويضحك علّان في وجه فلان ، ثم يذهب كل منهم في طريقه ، لنراهم بعد أيام يتراشقون في الفضائيات.
لعلّ الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية في الملف الأمني ، هو بداية لفهم معنى كلمة المهنية التي من شروطها أن لا تسعى الدولة الى تغييرات شكلية من باب الاستحقاق السياسي والطائفي ، وهذا الاستحقاق هو الذي يدفع عشاق المناصب الى الحديث عن الإصلاح الوردي والمهنية الكامنة في نفوس الوزير الجديد الذي ما أن يمسك الوزارة أياً كانت ، ليحوّلها الى ” فرقة ” حزبية تتبع توجّهات رئيس الكتلة وأعضائها ، وهذا المشهد عشنا في ظله ، ولانزال منذ اكثر من عشرة اعوام ، وهو الامر الذي يجعل مؤسسة مثل وزارة الداخلية تفشل بكل عدّتها وعديد منتسبيها ، في الحفاظ على حياة مواطنين ذنبهم الوحيد أنهم صدقوا شعارات دولة الامن والامان ..
منذ سنوات والحوادث الإرهابية تتوالى، ووراء كل حادثة أسئلة تثار، لكننا ونحن نطرحها باحثين عن إجابات، نصطدم بشعارات الإصلاح ، والأجندات الأجنبية ، ، لنجد انفسنا في ظل لافتة “عجز الإرهاب عن المواجهة ” نفشل في العثور على إجابات لأسئلة مهمة ، كان يمكن أن توفر علينا الكثير من دماء الأبرياء.
سيظلّ سؤال واحد هو ماذا يجري في الملف الامني ؟ أحد أهم الأسئلة، التي لا تجد إجابات حقيقية ، غير إجابة “إننا في حالة حرب ضد الإرهاب ” بكل ما تحمله من محاولة تمييع القضية الاساسية ، لأننا لانعرف كيف تسير المعركة ، وماهي نتائجها ، ومن هم ” المهنيون ” الذين يديرونها؟.
اليوم أيها السادة نريد وزارة دفاع بضباط مهنيين وأكفاء، ومثلها وزارة للداخلية ، لتكون لدينا وزارات أمنية ترتبط بالمهنية ، لا بالاستحقاق السياسي والطائفي .