طريق إيران الطويل لإعادة الاندماج في النظام المالي العالمي…( بقلم كاثرين باور)..
في أول بيان علني له حول إيران منذ أن دخلت عملية تخفيف العقوبات حيز التنفيذ بعد تطبيق الصفقة النووية في كانون الثاني/يناير، قام “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” في منتصف شباط/ فبراير بحثّ الدول الأعضاء على تحذير مصارفها من مخاطر التعامل مع إيران. ويبلغ عدد أعضاء هذا “الفريق” 37 دولة من بينها روسيا والصين. ويأتي هذا البيان بعد مرور شهر فقط على قيام الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران والمتعلقة بنشاطاتها النووية، ليؤكد على المخاطر التي قد تلحق بالمصارف الأوروبية والآسيوية من جراء الربح من الانترنت تجديد علاقاتها المالية مع إيران.
الخلفية
إن “فريق العمل المعني بالعمليات المالية”، والذي أنشأته مجموعة الدول الصناعية السبع في عام 1989 (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، والولايات المتحدة)، هو عبارة عن هيئة دولية لوضع المعايير الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويقدم الأعضاء استعراضاً أو “تقييماً متبادلاً” للنظراء حول تطبيقهم لمعايير “فريق العمل المعني بالعمليات المالية”، كما يحدد “فريق العمل” السلطات التي تفشل في معالجة أوجه القصور الاستراتيجية في مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب، سواء كانت من أعضاء “فريق العمل” أم لا، وذلك في بيانات تُنشر عقب الجلسات العامة للفريق في شباط/ فبراير وحزيران/ يونيو وتشرين الأول/ أكتوبر من كل عام. وقد كانت إيران موضوع هذه التصريحات منذ عام 2008، عندما قام “فريق العمل” بتنقيح عملياته حول التعامل مع “السلطات غير المتعاونة والتي تشكل مخاطر مرتفعة”. مع ذلك، وعلى الرغم من رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات المتعلقة بالأسلحة النووية عن إيران، إلا أن المنظمة الحكومية الدولية القائمة على التوافق في الآراء لم تنقح البيان الذي أصدرته ثلاث مرات في السنة منذ أن دعت الدول الأعضاء إلى فرض إجراءات مضادة على إيران في شباط/ فبراير 2009. وحث البيان إيران مرة أخرى على “معالجة أوجه القصور المتعلقة بمكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب على الفور وبشكل فعال”، لافتاً إلى أنه إذا فشلت إيران في تحقيق ذلك، سيفكر “فريق العمل” في دعوة الدول الأعضاء إلى تعزيز إجراءاتها المضادة لإيران في جلسته في حزيران/ يونيو 2016.
التداعيات على البنوك
أما بالنسبة إلى المؤسسات المالية الأجنبية التي تفكر في تجديد العلاقات مع البنوك الإيرانية، فهناك تداعيات حقيقية لاستمرار “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” في تصنيف إيران كسلطة ذات مخاطر عالية ولدعواته المتكررة لاتخاذ إجراءات مضادة، سواء من حيث التمويل غير المشروع أو المخاطر التنظيمية. فمعايير “فريق العمل” ذات الصلة، والتي تتبعها الآن الدول الأعضاء في جولتها الرابعة من التقييمات المتبادلة، تدعو المُنظمين (الجهات الرقابية) إلى مطالبة المصارف بالمشاركة في تعزيز التحقق الواجب عند التعامل مع السلطات ذات المخاطر العالية. فهذه االتدابير تتطلب الكثير من الوقت والموارد لمعرفة مدى امتثال المصارف. ويمكن لهذه الإجراءات أن تشمل الحصول على معلومات إضافية حول العميل والمالك المستفيد وطبيعة علاقة العمل ومصدر الأموال أو استخدامها. وعلى الرغم من أنها تهدف إلى الحد من المخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسات المالية من خلال معالجة المعاملات غير المشروعة عن غير قصد، فحتى هذه التدابير قد لا تكون كافية للمؤسسات المالية عندما يتعلق الأمر بالمصارف الإيرانية، والتي، وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، “تشارك طوعاً في ممارسات مضللة للتمويه عن السلوك غير المشروع”.
كما أن معايير “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” توفر مجموعة من الإجراءات المضادة للتخفيف من المخاطر التي يمكن للمنظمين اعتمادها في إطار يتخطى تعزيز التحقق الواجب، مثل فرض شروط إضافية حول تقديم التقارير للمصارف التي تعمل مع السلطات ذات المخاطر العالية، ومنع المؤسسات المالية من الاعتماد على أطراف ثالثة مقرها في البلد المعني لإتمام عوامل من التحقق الواجب الخاص بالعملاء، وحتى الحد من العلاقات التجارية أو المعاملات المالية مع دولة تم تحديدها [وفقاً لشروط معينة]. وفي الواقع، يُشار إلى دعوة “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” لاتخاذ تدابير مضادة لإيران في “النتائج” الواردة في الباب 104 من “قانون شامل للعقوبات والمساءلة وسحب الاستثمارات المتعلق بإيران”، وهو الأساس القانوني لفرض عقوبات ثانوية من قبل الولايات المتحدة على إيران. وعلى الرغم من أن تخفيف العقوبات الثانوية شمل أكثر من 400 من الجهات الإيرانية كجزء من الاتفاق النووي من خلال إزالتها عن قوائم العقوبات الأمريكية، إلا أن أكثر من 200 جهة، بما فيها الكيانات الاقتصادية الإيرانية الهامة مثل «الحرس الثوري الإسلامي»، لا تزال مدرجة على اللائحة وخاضعة للعقوبات الثانوية. وهذا التشريع الذي دعا أولاً إلى عزل المؤسسات المالية الأجنبية – المشاركة في صفقات كبيرة مع الجهات الإيرانية المصنفة على اللائحة – عن النظام المالي في الولايات المتحدة، يشير إلى الاجتماع الذي عقد في شباط/فبراير 2010 والذي حث فيه “فريق العمل” الدول الأعضاء على تطبيق تدابير مضادة “لحماية النظام المالي الدولي من عمليات غسل الأموال المستمرة والكبيرة ومخاطر عمليات تمويل الإرهاب التي مصدرها إيران”. ولا تزال هذه العبارة واردة في بيان “فريق العمل”، حتى بعد تنفيذ الصفقة مع إيران.
إن البيان الجديد لـ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية”، والذي استمر في الضغط على الدول الأعضاء من أجل “الحماية من استخدام علاقات المراسلة لتجاوز التدابير المضادة وممارسات التخفيف من المخاطر أو التهرب منها”، جاء بعد أيام فقط من تأكيد “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف” (“سويفت”) على أن البنوك الإيرانية قد أعادت تواصلها مع برنامج الرسائل المالية الآمنة بعد أن قطعت عقوبات الاتحاد الأوروبي عمليات التواصل في آذار/ مارس 2012. وحتى مع استعادة خدمات الرسائل، فإن تصنيف “فريق العمل” لإيران على أنها سلطة ذات مخاطر عالية معرضة للتدابير المضادة لـ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” سيستمر في تعقيد الجهود التي تبذلها المصارف الإيرانية لإعادة العلاقات التي تقوم عليها غالبية رسائل “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف”، مع المراسلين. وعلى الرغم من إعطاء إيران إمكانية الوصول إلى نحو 100 مليار دولار من أموالها التي حرمت منها في السابق وحجزت في الخارج، فإن المصارف الإيرانية، ومن أجل استخدام هذه الأموال للقيام بعمليات شراء والانخراط في التجارة الدولية، ستضطر إلى إعادة علاقات المراسلة مع المصارف في البلدان التي هي من الشركاء التجاريين الرئيسيين. ويحتفظ المراسلون الأجانب للمصارف ودائعهم بالعملات الأجنبية ويعملون كوكلاء غير مقيمين للمصارف ويصدّقون على خطابات الاعتماد ويستكملون المعاملات المالية الأخرى نيابة عن المراسلين. أما في ما يتخطى تعزيز التحقق الواجب الذي نوقش أعلاه، فإن توصية “فريق العمل” المتعلقة [بعمليات] المراسلات المصرفية تدعو الجهات الرقابية إلى مطالبة المصارف، على الأقل، بجمع معلومات كافية لتقييم نوعية ضوابط مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب في المؤسسة المراسلة ونوعية إشرافها، وهو مجال لا تزال المصارف الإيرانية مخلة به.
الخطوات المقبلة
في تقرير المادة الرابعة الصادر في كانون الثاني/ ديسمبر 2015، كجزء من تقييم السياسات والتطورات الاقتصادية والمالية في البلاد، قدم “صندوق النقد الدولي” توصياته إلى إيران معتبراً أن “تعزيز إطار مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب من شأنه أن يسهّل إعادة دمجها في النظام الاقتصادي العالمي، وخفض تكاليف المعاملات، وتقليل حجم القطاع غير الرسمي”. وفي هذا الإطار، اعترف مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم مسؤولي “البنك المركزي” والمدير التنفيذي للبلاد في “صندوق النقد الدولي”، بنقاط الضعف في النظام المصرفي الإيراني التي يمكن أن تحول دون تجديد المشاركة الأجنبية والاستثمار الأجنبي، معتبرين أن المصارف الإيرانية “قديمة” وتواجه إرثاً من “ضعف إدارة المخاطر والإشراف غير الكافي”. وقد اتخذت الجهات الرقابية الإيرانية خطوات محدودة على مدى العقد الماضي لتحسين ضوابط مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب في بلادها. وفي بيان “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” في تشرين الأول/ أكتوبر 2008، أشاد “الفريق” باعتماد إيران لقانون مكافحة غسل الأموال، والذي وافق عليه مجلس الشورى في كانون الثاني/ يناير 2008، لكن البيان أشار إلى “غياب الجهود المشابهة في ما يتعلق بالإرهاب”. أما مشروع قانون مكافحة تمويل الإرهاب الذي وافق عليه البرلمان في عام 2012 فقد ظل عالقاً مع عدم وفاء القضاء الإيراني بالمعايير الدولية، وفقاً لـ “صندوق النقد الدولي”. وحث تقرير “صندوق النقد الدولي” في كانون الأول/ ديسمبر السلطات الإيرانية على وجه التحديد على اعتماد قانون يجرم بحق تمويل الإرهاب ويشمل آليات لتنفيذ عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على الإرهاب.
وقد التزمت التصريحات الرسمية الإيرانية الأخيرة بتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب، بما في ذلك الانضمام إلى “مجموعة أوراسيا”، وهي عبارة عن كيان فعّال تابع لـ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” مقره في موسكو، وطلبْ إجراء تقييم من قبل “صندوق النقد الدولي” لنظام مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب وفقاً لمعايير “فريق العمل المعني بالعمليات المالية”. وهذه هي الخطوات الأولى الصحيحة لإيران في العمل مع “فريق العمل” لتحسين وضعها في مكافحة غسل الأموال/ محاربة تمويل الإرهاب. لكن العملية ستكون طويلة، ولا تبرز الكثير من المعطيات التي تشير إلى أن العمل الفعلي قد بدأ. وعلى الرغم من تأكيد الأمين التنفيذي لـ “فريق العمل” لـ “وكالة فرانس برس” بعد الجلسة العامة للفريق في شباط/ فبراير على أن إيران قد “أبدت استعدادها” لبدء التعاون، إلا أن البيان الأخير لم يعترف بالجهود الإيرانية للتعاطي مع الفريق كما فعلت طهران في الماضي (شباط/ فبراير 2010).
وكل ذلك يعني أنه على الرغم من تخفيف العقوبات وإعادة القبول في “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف”، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام تلك المصارف التي تتطلع إلى إقامة علاقات مالية مع إيران. وكحد أدنى، ستستمر المصارف في مواجهة التمويل غير المشروع والمخاطر التنظيمية، وكلا الشرطين نتيجة أعمال إيران نفسها.
كاثرين باور هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.