استعمال المساعدات المالية الدولية لتحسين العلاقات بين بغداد و «حكومة إقليم كردستان» بقلم مايكل نايتس
تبذل «حكومة إقليم كردستان» جهوداً متضافرة لجذب المساعدات المالية من الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، كما أن هناك إطاراً منطقياً قوياً لتقديم مثل هذه المساعدات. فـ «حكومة إقليم كردستان» تُعتبر منصة حيوية لتحرير الموصل، كما أن الأكراد حلفاء موالين للغرب يتمتعون بقيمة استراتيجية بارزة. فهم ينفذون الإصلاحات الاقتصادية بوتيرة بطيئة بل ثابتة ويعززون مشاركتهم في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»).
لكن في الوقت الذي تبدأ الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف (بحق) بإرسال المساعدات المالية الطارئة لـ «حكومة إقليم كردستان» شبه المفلسة، فإن هذا الضخ المالي، والذي يبلغ مجموعه على الأرجح أقل من نصف مليار دولار لعام 2016، لن يؤدي سوى إلى تأخير انهيار الاقتصاد الكردستاني ربما لمدة عام. وبالتالي، لا ينبغي أن يتجلى هدف واشنطن في الحفاظ على «حكومة إقليم كردستان» صامدة حتى تحرير الموصل، بل يجب أن يكمن هدفها في توفير ضخ أكبر بكثير من المساعدات المالية التي تستمر في مساعدة الأكراد في المرحلة التي تلي ذلك. يُذكر هنا أن “صندوق النقد الدولي” والمؤسسات المالية الأخرى هي بمثابة المفتاح لهذه المقاربة. فإشراك هذه الجهات في جهود المساعدة لن ينقذ كردستان فحسب، بل سيساهم أيضاً في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية المستدامة بين «حكومة إقليم كردستان» والحكومة الاتحادية العراقية.
المستقبل الاقتصادي لكردستان
في الوقت الحالي، توظف «حكومة إقليم كردستان» 1.4 مليون شخص من سكان الإقليم الذين هم في سن العمل والذين يبلغ عددهم 2 مليون شخص، بتكلفة قدرها 793 مليون دولار شهرياً. لذلك تخطط أربيل لتقليص هذا الرقم إلى 361 مليون دولار خلال ستة أشهر من خلال خفض الرواتب. وتشمل النفقات الشهرية الأخرى الدعم الحكومي للوقود والكهرباء (حوالي 375 مليون دولار وهذا الرقم آخذ في التراجع)، وتكاليف الحرب (حوالي 197 مليون دولار)، وتكاليف تصدير النفط (حوالي 70 مليون دولار). بالإضافة إلى ذلك، أدى وجود عدد كبير من النازحين واللاجئين، الذي وصل إلى 1.8 مليون شخص (مقارنة بعدد السكان الأصليين الذين يبلغ 5 ملايين شخص) إلى اضطراب الاقتصاد لدرجة يصعب قياسها كمياً. فحتى إذا بدأت آثار الإصلاحات الاقتصادية تتجلى وبدأت تكاليف الحرب تُخفض ببطء، من المرجح أن يبقى على «حكومة إقليم كردستان» تحمل مصاريف شهرية تبلغ قيمتها 800 إلى 850 مليون دولار تقريباً.
وفي النصف الثاني من عام 2015، بلغ متوسط مبيعات النفط في «حكومة إقليم كردستان» 629 مليون دولار شهرياً وفقاً لوزارة الموارد الطبيعية. ومن المرجح أن تؤدي أسعار النفط المتراجعة واضطرابات خطوط الأنابيب إلى إبقاء العائدات عند هذه المستويات المنخفضة أو حتى تقلصها أكثر من ذلك (على سبيل المثال، لم تبلغ عائدات النفط في الشهر الماضي سوى 303 مليون دولار بسبب مشاكل خط الأنابيب). فـ «حكومة إقليم كردستان» مدينة بالفعل بـ 25 مليار دولار وسيستمر هذا الدين في الزيادة بحوالي 200 مليون دولار شهرياً إذا استقرت أسعار النفط الحالية. ومع عدم صرف رواتب العديد من موظفي الخدمة المدنية منذ أربعة أشهر، يتزايد احتمال قيام إضرابات واضطرابات وتسارع وتيرة الهجرة. وما لم ترتفع أسعار النفط بشكل غير متوقع عن المعدل الحالي الذي يبلغ 40 دولار إلى 60 دولار على الأقل للبرميل الواحد، ستستمر «حكومة إقليم كردستان» بالتأخر في صرف رواتب الموظفين ودفع التزامات الديون إلى الدائنين المحليين وتجار النفط الدوليين.
من جهتها، ستوفر الخطة الحالية القائمة على إرسال مساعدات بعشرات ملايين الدولار إلى «حكومة إقليم كردستان» بعض الراحة الاقتصادية وتُبقي على القدرة التشغيلية لشرائح معينة من مقاتلي قوات البيشمركة. مع ذلك، قد لا تتيح هذه الخطة الوقت الكافي لإجراء الاصلاحات واستعادة الجدارة الائتمانية لـ «حكومة إقليم كردستان» وإعادة الاستثمار في البنية التحتية وتجنب عدم الاستقرار.
كيف يمكن للمساعدات الدولية أن تغيّر الأمور؟
خلافاً لحكومة العراق الفيدرالية، التي تمتلك احتياطيات تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، لا تتمتع «حكومة إقليم كردستان» بالاحتياطيات حيث هي عبارة عن كيان شبه سيادي، ما يعني أنه لا يمكن لها أن تحصل على حزم المساعدات المالية الضخمة من معظم المؤسسات الدولية بشكل مباشر. بيد أن الحزمة التي من المرجح أن يقدمها “صندوق النقد الدولي” لبغداد قريباً، والتي ربما تتراوح قيمتها ما بين 6 و 10 ملايين دولار والتي سيتم صرفها ما بين العامين 2016 و2018، مصممة لمساعدة كافة محافظات العراق الثمانية عشر، بما فيها المحافظات الثلاث التي يتكون منها «إقليم كردستان». وبالمثل، كان للاستثمارات الحديثة لـ “البنك الدولي” في العراق عنصراً كردستانياً، مثل خطة تحسين الطرق التي تبلغ تكلفتها 255 مليون دولار والتي تمول المشروعات الاتحادية وبعض المشاريع الصغيرة في «إقليم كردستان».
ويتم حالياً تطبيق “البرنامج المراقب من قبل الموظفين” الذي أعده “صندوق النقد الدولي” (كبادرة ممهدة لترتيبات احتياطية ممولة بالكامل) وهو معني بالإشراف على تنفيذ العراق لالتزامات الميزانية والتأكد من أن الدولة تقوم بعمليات الادخار المتفق عليها من دون تراكم المزيد من المتأخرات المستحقة للدائنين المحليين والدوليين. ويشمل ذلك مراقبة ما إذا كانت «حكومة إقليم كردستان» تحصل على حصتها من العائدات، والتي من المرجح أن تفسرها بغداد على أنها عبارة عن 17 في المائة من صافي الإيرادات الفعلية شهرياً بعد خصم المصاريف السيادية الضخمة (ويعني ذلك، للشؤون الدفاعية والبرلمان والمؤسسات الاتحادية الأخرى). بيد أنه، ومن أجل المطالبة بنصيبها من الميزانية الاتحادية وحزم المساعدات الدولية، يتعين على «حكومة إقليم كردستان» استئناف نقل 550 ألف برميل من النفط يومياً إلى مسوّق النفط الاتحادي، على النحو المتفق عليه في الميزانية. وحينذاك سيطمح “صندوق النقد الدولي” إلى أن يرى أن العراق يقوم بتخفيضات متفق عليها بين الجانبين في الميزانية، ولا يقوم بمجرد الوصول إلى أهدافه عن طريق اقتطاع حصة جزء من البلاد، أي «حكومة إقليم كردستان»، من خطة الإنفاق.
وفي إطار أسعار النفط ومستويات التصدير العراقية الحالية، يمكن لـ «حكومة إقليم كردستان» أن تتوقع الحصول ربما على 350 مليون دولار شهرياً مقابل توفير 550 ألف برميل من النفط يومياً، إضافة إلى مبلغ إضافي بقيمة 150 إلى 270 مليون دولار شهرياً من حزم المساعدات المقدمة إلى بغداد من “صندوق النقد الدولي” والمؤسسات الأخرى ودول مثل ألمانيا واليابان. كما ويمكن منح الأكراد بعض الحرية لتصدير أي فائض من النفط خارج إطار النسبة التي التُزم بها والتي تبلغ 550 ألف برميل يومياً. ويمكن للنتيجة الصافية أن تكون أفضل بالنسبة إلى «حكومة إقليم كردستان» من الاعتماد الكامل على الصادرات المستقلة للمدة المقبلة الممتدة على سنتين أو ثلاث سنوات. وحتى الأفضل من ذلك، سيلقى هذا الترتيب الدعم من نظام رصد دولي، وهي أول اتفاقية من نوعها للأكراد منذ أن منحتهم الأمم المتحدة حصة بلغت 17 في المائة من عائدات النفط مقابل الغذاء في التسعينيات.
وفي جميع الاحتمالات، سيكمن التحدي الرئيسي في التوصل إلى مثل هذا النوع من الاتفاق في الحصول على موافقة بغداد. فقد سعت الحكومة المركزية لسنوات إلى منع «حكومة إقليم كردستان» من تصدير النفط بشكل مستقل، ولكن منذ عام 2014 أدركت أن تحمل عبء موظفي «حكومة كردستان» الذين يبلغ عددهم 1.4 مليون موظف هو استنزاف خالص للميزانية الاتحادية. وتتبجج بغداد حالياً بالضائقة الاقتصادية التي تعيشها «حكومة إقليم كردستان»، والتي هي أسوأ من وضع بغداد نفسها فقط لأن الدولة كانت تصفي احتياطاتها بمعدل من شأنه أن يستنفدها بالكامل في غضون العام المقبل أو ما إلى ذلك إذا ما استمرت هذه العملية. إن إعادة الأكراد إلى عملية تقاسم الإيرادات ومنحهم جزء من حزم المساعدات الدولية ليس الخيار الذي تفضله بغداد، كما أن «حكومة إقليم كردستان» تمر بأزمة سياسية داخلية مضنية من شأنها أن تجعل من الصعب على القيادات الكردية تقديم تنازلات عامة إلى بغداد. وبالتالي، هناك حاجة إلى وساطة فعالة.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
يجب على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة للتقريب مجدداً ما بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان»، ومساعدتهما على التوصل إلى اتفاق مؤقت حول سياسة اقتصادية مشتركة لمبيعات النفط والمساعدات الدولية والقضايا الجمركية. فمع وساطة أمريكية ودولية ثابتة، قد يعترف الجانبان بالفوائد التي اكتسبانها في منتصف الطريق لإعادة دمج اقتصاداتهما، حتى ولو كان هذا الدمج مؤقتاً. وهذا بدوره يمكن أن يشجع قيام تعاون أوسع على المدى الطويل.
إن الفوائد واضحة بالنسبة إلى «حكومة إقليم كردستان». فالوساطة الدولية يمكن أن تساعد الإقليم في الحصول على نصيبه العادل من الواردات والاحتياطيات وحزم المساعدات بمليارات الدولارات التي تحصل عليها الحكومة الاتحادية، في حين أن شروط “صندوق النقد الدولي” وعملية الرصد الخاصة به قد تساعد مسؤولي «حكومة إقليم كردستان» على إصلاح الاقتصاد واستعادة الثقة العامة المنهارة بإيرادات الإقليم وإنفاقه. إضافة إلى ذلك، فإن وجود علاقة أفضل مع بغداد يمكن أن تعود في النهاية بفوائد أخرى على أربيل، مثل التحكم بالمجال الجوي والحصول على الدعم للقروض شبه السيادية.
أما بالنسبة إلى الفوائد التي تعود على بغداد فهي أكثر دقة، ولكنها مقنعة جداً. فتجديد الجهود الرامية إلى حل نزاعاتها مع «حكومة إقليم كردستان» قد تكثف الدعم الدولي للتسليم الفوري للمساعدات من “صندوق النقد الدولي” فضلاً عن حزم المساعدات الأخرى. وسيتم وضع قضية كركوك المثيرة للانقسام جانباً عندما تُجبِر المفاوضات والرقابة الدولية الطرفين على وقف الاقتتال على المنطقة الغنية بالنفط. وهذه التطورات وغيرها قد تشجع الأكراد أيضاً على أن يطلبوا من تركيا سحب قاعدتها العسكرية المثيرة للجدل في بعشيقة، وهي منطقة واقعة قرب الموصل تخضع لسلطة «حكومة إقليم كردستان». من جانبه، يمكن لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن يعتمد على قيام التزام بتعاون كردي في خططه الإصلاحية. وعلى المدى الطويل، قد تُطمأن بغداد بأن واشنطن ستتشاور دائماً معها في الشؤون الأمريكية الكردية.
إن الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة لا تُعتبر أقل أهمية وهي: الحفاظ على المسار الذي يتخذه هجوم الموصل، وتخفيف التوتر بين حليفين رئيسيين، وزيادة النفوذ الأمريكى فى بغداد وأربيل، وإنقاذ الأكراد من الانهيار الاقتصادي. فكما هو الحال فيما يتعلق بـ “سد الموصل”، فإن بذل بعض الجهود الإضافية الآن ستكون أقل تكلفة بكثير من معالجة الوضع بعد وقوع الكارثة.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن.