لا يستحقّ القاضي عبد الستار بيرقدار، المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى أيّ كلمة شكر أو تقدير عما أفصح عنه أمس على أهميته، فالقاضي الذي كنّا ننتظر منه أن يقول الحقيقة كاملة اختار قول نصف الحقيقة، وهذا أمر ليس محموداً ، لأنه نوع من إخفاء الحقيقة.
في مؤتمر صحافي كشف بيرقدار عن أنّ السلطة القضائية كانت قد أصدرت أمراً بإلقاء القبض على وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني ولم يُنفّذ، وأوضح “بعض القرارات أصدرها القضاء بوجود المتهم داخل العراق، كوزير التجارة السابق فلاح السوداني الذي صدر أمر بإلقاء القبض عليه وهو في بغداد”، وأضاف أن” المتهم بقي في العاصمة لمدة 10 أيام ، إلا أن أمر إلقاء القبض لم يُنفّذ، وأيضاً تمّ إصدار أمر بمنع السفر عليه”، وقال ” إننا تفاجأنا بخروجه عن طريق آخر”.
ما يؤاخذ عليه القاضي بيرقدار في هذا الخصوص أنه لم يكن أميناً في قول الحقيقة، فهو يعرف، كما جميعنا نعرف، أن سلطة تنفيذ القانون كانت في ذلك الوقت بإمرة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السابق نوري المالكي، ولابدّ أن المالكي هو مَنْ حال، شخصياً أو بواسطة مساعديه، دون تنفيذ الأمر القضائي بمنع السفر وإلقاء القبض على السوداني القيادي في حزب الدعوة الإسلامية.
وكما نعرف فإن السوداني كان يخضع لاستجواب أمام مجلس النواب عن قضايا الفساد التي جرّمه عنها القضاء لاحقاً، عندما أصدر المالكي فجأة أمراً بإعفاء السوداني من مهمته الوزارية ما أدى إلى عدم استمرار الاستجواب البرلماني. تلك الخطوة لم يكن لها سوى هدف واحد هو التستّر على فساد السوداني، فمن شأن استمرار الاستجواب كشف فساد السوداني أمام مجلس النواب وأمام الشعب.
لم تكن قضية السوداني فريدة من نوعها في عهد الحكومة السابقة التي سمحت أيضاً لوزير الدفاع الأسبق عبد القادر العبيدي بالهرب من البلاد في صيف 2012 بالرغم من وجود تحقيقات في قضايا فساد تخصّ وزارته، وبخاصة صفقة الأسلحة الأوكرانية. يومها أعلن العبيدي أنه ذاهب إلى الولايات المتحدة لعلاج ابنته المريضة وسيعود بعد ذلك، ولم يعد حتى اليوم!
القاضي بيرقدار ومجلسه الأعلى ملامان لأنهما لم يسعيا لمتابعة قضية تمكين السوداني من الهرب إلى خارج البلاد بملايين الدولارات التي نهبها من المال العام، برغم القرارات القضائية باعتقاله ومنعه من السفر. ثمة سؤال مركّب مهم يتعيّن على القاضي بيرقدار ومجلس القضاء الأعلى الإجابة عنه: كيف لم تسعَ السلطة القضائية إلى معرفة أسباب عدم تنفيذ أوامرها واجبة التنفيذ؟ وكيف لم تسعَ إلى معرفة مَنْ يقف خلف منع اعتقال السوداني وتمكينه من مغادرة البلاد؟ .. والسؤال ينسحب على قضايا عدة أخرى صدرت فيها الأوامر القضائية بالاعتقال ومنع السفر ولم تُنفّذ، ففرّ المعنيون بالأوامر إلى ما وراء الحدود، كلٌّ بالجمل وما حمل من ملايين ومليارات الدولارات!