من فجّر سوق عريبة الشعبي؟؟ وهل مات الشهود؟؟ (تحليل أولي)
بقلم المستشار العميد ضياء الوكيل*
شهدت بغداد يوم الأربعاء 11 أيار الجاري انتكاسة أمنية خطيرة بعد سلسلة من التفجيرات الإرهابية العنيفة التي ضربت أنحاء متفرقة من أحيائها ( مدخل مدينة الكاظمية ، حي الجامعة ، مدينة الصدر وكان أعنفها وأكثرها دموية ووحشية حيث استهدف سوقا شعبية للخضار مكتظة بالمتبضعين وأغلبهم من النساء والأطفال الذين عادة ما يرافقون أمهاتهم في رحلة التسوق القصيرة)،وهذا التفجير الإجرامي الذي يحمل بصمات داعش واعترافها يعيدنا إلى مربع الأيام الدامية التي شهدتها العاصمة قبل سنوات عدّة..
(عندما تتصارع الفيلة فأن العشب هو الضحية)مثل أفريقي
المواطن العراقي وخاصة الطبقات الكادحة والمستضعفة والمظلومة دفعت من دماء أبنائها فاتورة الفشل الأمني والعجز السياسي والخلافات المستحكمة بين فرقاء العملية السياسية..
المسؤولية
تتحمل الأجهزة الأمنية والقادة الميدانيون مسؤولية هذا التدهور الخطير الذي كشف إخفاقا واضحا في الإجراءات الأمنية وفي المعالجة الاستخباراتية لملف الخلايا الإرهابية النشطة التي خططت واستطلعت وحددت الأهداف ووضعت التوقيتات وفخخت العجلات وانتقلت بها إلى أماكن التفجير ونفذت الاعتداءات دون استشعار الأجهزة الأمنية بهذا النشاط الإرهابي الواسع وهذا لا يعفي السياسيين من تحمل المسؤولية فيما يحصل من خروقات في الملف الأمني…!!!
القراءة التحليلية ( الفرضية الأولى)
استخدم داعش تكتيك الزوايا الميّتة ( Dead Angles ) وهو التسلل عبر ( الغفلة والتراخي) مستغلا انتقال القطعات المكلفة بحماية العاصمة من خطة حماية الزائرين إلى خطة تأمين التظاهرات وحماية الأماكن الحيوية والذي استلزم إعادة الإنتشار واستدعاء قوات من المحافظات وما خلّفه هذا الموقف من استنفار أقصى للأجهزة الأمنية وحالة (الإنهاك والتعب) التي زادت من احتمال (الغفلة) في نقاط صفرية غير منظورة ونهايات سائبة وغير محكمة في المعالجة الأمنية وهذا ما استغله العدو ووظفه في عملياته الإرهابية..، ولكن هذا ليس مبررا لما حدث وتستطيع الأجهزة الأمنية التركيز على الزوايا المحتملة للخرق اعتمادا على مهنية القادة ومستوى خبرتهم ومتابعتهم الميدانية لقواتهم المكلفة بحماية الأمن والإستقرار في العاصمة وهذا الموقف يكشف خللا واضحا في التخطيط والأداء الأمني ويعيدنا الى ضرورة مراجعة الخطط الأمنية وإلى منظومة انتقاء القادة والآمرين ومدى تطابقها مع المعايير العسكرية والمهنية وأهمية البحث والتقصي في كل حالة خرق ومحاسبة المقصرين واحالتهم للمحاكم العسكرية..
الفرضية الثانية
وتعتمد هذه الفرضية على نقطتين أساسيتين وكالآتي:
- الإفتراض الأول أن العجلة المفخخة التي استهدفت سوق عريبة الشعبي في مدينة الصدر استطاعت ))اختراق السيطرات(( والنفاذ من أجهزة الفحص والاستخبارات ووصلت إلى السوق وهنا تبدأ أهم فصول القصة في التفجير الارهابي ..!!
- الإفتراض الثاني يبدأ مع وصول العجلة المفخخة إلى السوق ليطرح على طاولة البحث والتقصي السؤال الآتي: كيف تمكن منفذ العملية من ركن العجلة في داخله؟ وكيف أفلت من رقابة وتدقيق أصحاب الكراجات والمحلات القريبة الذين اعتادوا التدقيق في السيارات ذات الوضع المريب وتفحص وجوه الغرباء لأسباب فرضتها حوادث إرهابية سابقة بحيث أصبح التدقيق عرفا سائدا في السوق والمنطقة ولا يزعج أو يستفز أحدا من رواده..؟؟ مما يثير علامات استفهام كثيرة وحقائق يطرحها العقل والمنطق ولعل أهمها:( أن الدلائل الأولية تشير إلى أن منفذ العملية شخص معرّف والدليل أنه تمكن من ركن العجلة في منطقة حساسة جدا داخل السوق وتركها دون مساءلة من أحد وهنا يثار تساؤل جديد وهو إذا كان الشخص المنفذ ((معرّفا)) ألا يخشى انكشاف أمرهُ لاحقا وهنا تفترض الإجابة الآتية: أن العملية مدروسة تماما وتستند الى حقيقة تقنية تؤشر الى أن مسافة 150 متر في محيط التفجير ستكون قاتلة لمن هم في مداها.. أما المتواجدون في مدى 300 متر فلديهم إصابات مختلفة وهذا يعني أن الرهان يعتمد على وفاة الشهود في منطقة التفجير والقريبين منه ..!! ومن ثم اختفاء الإرهابي المجرم ومن سهل وساعد وقدم دعما في التفخيخ والتنقل عن الأنظار..
هل التفجيرات كانت مباغتة..؟؟
تعرض داعش خلال الفترة الماضية إلى انتكاسات وهزائم في قواطع العمليات وكان من المحتمل أن يقوم بردات فعل تأخذ شكل (هجمات مضادة في جبهات القتال وعمليات إرهابية كبيرة داخل المدن) يهدف خلالها إلى تحقيق الآتي:
- تخفيف الضغط عن الجبهات التي يواجه فيها موقفا عسكريا حرجا
- إشغال الإستخبارات عن الهدف وتغيير مسار المعلومات وخلط أوراقها
- تثبيت ومشاغلة قطعات عسكرية مضافة بفرض تحديات أمنية جديدة
- تعزيز معنويات قطعانه المتضررة على نحو خطير
- نقل المعركة الى داخل المدن الآمنة
- الحاق خسائر جسيمة بالمدنيين وبما يؤدي إلى زيادة التوتر والاحتقان في الشارع.
وما يحدث الآن في قواطع العمليات والمدن ينسجم مع قراءتنا لمسار الأحداث واحتمالاتها ونستدل على ذلك بهجمات( تل اسقف) شمال غرب نينوى والقرى المحاذية للقيارة وقصبة البشير غربي كركوك واشتباكات مكحول وهجوم بلد وما يجري في غرب البلاد خاصة في الكرمة وعامرية الفلوجة وشمال غرب الأنبار إضافة لتفجيرات مدينة السماوة وما شهدته بغداد في يوم الأربعاء الدامي وهجوم الخميس على مركز شرطة أبو غريب وأخيرا هجوم الأحد على معمل غاز التاجي وهنا نتوقف عند نقطة هامة تؤشر لنا أن ((الهجمات الإرهابية لم تكن مباغتة)) بل كانت في ميزان الإحتمال الأكثر ترجيحا في ملف الحرب الشرسة التي يخوضها العراق ضد داعش..
وأمام هذا التحدي الأمني الخطير على الأجهزة الأمنية إعادة النظر بالخطط التي أثبتت فشلها في حماية المدنيين من الهجمات الإرهابية واستخلاص الدروس من هذه العمليات الإرهابية وما تلاها من خروقات أمنية التي فجعت العراقيين وأدمت قلوبهم ونفوسهم المكلومة..
*(مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وعمليات بغداد)