«حزب العمال الكردستاني» قد يشعل تصعيداً عسكرياً بين تركيا وروسيا… بقلم ( اندرو جيه تابلر وسونر جاغايتاي)
في 14 أيار/ مايو، نشرت وسائل إعلام مقربة من «حزب العمال الكردستاني» شريط فيديو لأحد أعضاء الحزب الذي أسقط طائرة هليكوبتر من طراز “كوبرا” فوق جنوب شرق تركيا باستخدامه “نظام دفاع جوي محمول على الكتف” روسي الصنع، أطلقه على المروحية من منطقة الحدود العراقية. وجاء هذا الحادث بعد إسقاط ثلاث طائرات تابعة لنظام الأسد في سوريا خلال الشهرين الماضيين على يد جماعات معارضة مدعومة من تركيا. وفي 27 نيسان/ إبريل، حذر مسؤول روسي علناً من أن موسكو ستسلح «حزب العمال الكردستاني» وتزوده بـ “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف” لإسقاط الطائرات فوق شرق تركيا لو سمحت أنقرة وصول مثل هذه الأسلحة إلى جماعات المعارضة السورية.
وتشير هذه الحوادث إلى تصعيد تدريجي في حرب الوكالة الملتهبة بين موسكو وأنقرة في سوريا والعراق. فإذا فشلت الجهود الدبلوماسية الحالية التي تهدف إلى وضع حد للصراع السوري في أن تسفر عن خطة انتقالية قابلة للتطبيق، يمكن لمشكلة “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف” أن تتضخم بسرعة، مما يؤدي إلى صيف مشتعل خلال الحملات الانتخابية الرئاسية غير التقليدية في الولايات المتحدة.
إسقاط الطائرات/المروحيات في تركيا وسوريا
تم إسقاط المروحية من طراز “إيه إتش 1 دبليو” المذكورة أعلاه في 13 أيار/ مايو فوق محافظة هكاري في تركيا، بعد أن ضُربت بـ “نظام دفاع جوي محمول على الكتف” من طراز “إيغلا 9K38” (يعرف لدى “حلف شمال الأطلسي” بـ صاروخ “إس إي-18 غروس”) يبدو أنه أُطلق من نقطة ساخنة على الحدود بالقرب من مدينة جوكورجا التركية. إن استخدام هذا الصاروخ أثار الشكوك لأن «حزب العمال الكردستاني» قد تمكن في وقت سابق من إسقاط طائرتين فقط من الطائرات المروحية التركية خلال فترة دامت عشرين عاماً باستخدامه أسلحة أقل دقة (“نظام دفاع جوي محمول على الكتف” من طراز “إس إي-7” في عام 1997 و “آر بي جي-7” في عام 2008). إن مصدر “إيغلا” غير معروف، على الرغم من أن موقع “المونيتور” الإخباري ووسائل إعلام أخرى قد ذكرت أن قوى المعارضة السورية كانت تنهب مخزون نظام الأسد على مدى السنوات القليلة الماضية.
إن توقيت هذا الحادث يطرح أسئلة أكثر من الأجوبة المتوفرة نظراً إلى إسقاط ثلاث طائرات سورية مؤخراً في ظروف مشكوك فيها. ففي 13 آذار/ مارس، أعلنت جماعتان من المعارضة السورية القريبة من تركيا – «جيش النصر» و «جيش الإسلام» – بشكل منفصل مسؤوليتهما عن ضرب طائرة تابعة للنظام من طراز “ميغ 21” فوق بلدة كفر نبودة السورية. وتبرز روايات متضاربة حول ما إذا تمت عملية الإسقاط من خلال مدافع مضادة للطائرات أو “نظم الدفاع الجوي المحمول على الكتف”، فقد أعلنت الجمعتان استخدام المدافع المضادة للطائرات، ولكن وزارة الدفاع الروسية ونظام الأسد ادعيا استخدام “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف”. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن شريط فيديو نشره «جيش الإسلام» يظهر انفجاراً يتناسب مع “صاروخ صغير موجه بالأشعة ما تحت الحمراء”، وفق “آي إيچ إس جينز” للاستخبارات.
وفي 5 نيسان/ إبريل، أعلنت جماعة «أحرار الشام» المتمردة والمدعومة من تركيا مسؤوليتها عن إسقاط طائرة استطلاع تابعة للنظام جنوبي حلب باستخدامها المدافع المضادة للطائرات، في حين أعلن النظام أن العملية تمت باستخدام صاروخ. وكما حصل في الحادثة التي وقعت في شهر آذار/ مارس، بدأت الشائعات تسري بأن الأسلحة المستخدمة قد تكون “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف” الصينية الصنع من طراز “إف إن 6” التي بيعت في الأصل للسودان ولكن دولة خليجية اشترتها وشحنتها إلى سوريا.
بعد ذلك، في 23 نيسان/ إبريل، أعلنت “وكالة أنباء أعماق” الناطقة باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» أن التنظيم أسقط طائرة تابعة للنظام وألقى القبض على الطيار بعد أن تحطمت طائرته شرق دمشق. وخلافاً للحوادث السابقة، لم تلقِ روسيا اللوم على استخدام “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف”، ولكنها ذكرت بدلاً من ذلك أن الطائرة تحطمت بسبب “خلل فني”. وعلى أي حال، لم يُثبِت النظام السوري أو غيره من المصادر حادث التحطم حتى الآن، باستثناء “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وسرعان ما علّق مسؤول روسي على هذه الحوادث في “مؤتمر موسكو السنوي للأمن الدولي”. فخلال جلسة عُقدت في 27 نيسان/ إبريل وجاءت تحت عنوان مناسب: “الشرق الأوسط: تشابك التناقضات”، قال عضو مجلس “الدوما” الروسي والخبير في سياسة الشرق الأوسط سيميون بغداساروف إنه إذا مضت واشنطن وحلفاؤها قدماً في “خطة ب” (“خطة بديلة”)، أي توفير “نظم دفاع جوي محمولة على الكتف” أو أسلحة مماثلة أكثر تطوراً إلى الثوار السوريين، فعندئذ “سيحصل الأكراد على هذه الأسلحة أيضاً” مما سيؤدي إلى شن هجمات على الطائرات التركية. وعلى الرغم من أن الروس الآخرين الحاضرين في المؤتمر تجاهلوا تصريحاته معتبرين أنها مبالغة، إلا أن استخدام «حزب العمال الكردستاني» الناجح لمنظومة “إيغلا” بعد أسبوعين من المؤتمر، يشير إلى أن حرب الوكالة التي وصفها قد تكون آخذة في الاشتعال فعلاً، وعلى الأرجح تحسباً لانهيار محادثات السلام الجارية في جنيف. والجدير بالذكر أيضاً أن بعض الطائرات الروسية التي أُخرجت من سوريا في 15 آذار/ مارس كانت عبارة عن أنظمة معرضة لاستهداف “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف” مثل “إف إن-6″، وأن المروحيات الهجومية التي نُشرت في وقت لاحق وسط سوريا تشمل مضادات لمواجهة مثل هذه الأسلحة.
العلاقات بين روسيا و «حزب العمال الكردستاني»
لا بد من النظر في دور «حزب العمال الكردستاني» في احتمال التصعيد بين تركيا وروسيا من منظور العلاقات التاريخية العميقة التي ربطت موسكو بالحزب، وبدمشق. ففي السبعينيات تم تأسيس «حزب العمال الكردستاني» بدعم سوفييتي في سهل البقاع في لبنان أثناء الاحتلال السوري للبلاد. وكونها إحدى دولتين في “حلف شمال الأطلسي” تتفاخر بتمتعها بحدود برية مع الاتحاد السوفيتي، اعتُبرت تركيا نقطة الضعف بالنسبة لموسكو أثناء “الحرب الباردة”، مما وفر لواشنطن العديد من الأصول مثل قواعد استماع قادرة على اعتراض الاتصالات عبر البحر الأسود. وعندئذ رأى الروس في «حزب العمال الكردستاني» وسيلة لإضعاف حليف رئيسي للولايات المتحدة.
إلى جانب ذلك تمتع «حزب العمال الكردستاني» بدعم من والد بشار الأسد، الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي صوّر نظامه كبطل الأكراد الأتراك على الرغم من اضطهاد مجتمع الأكراد في سوريا نفسها. فخلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عاش زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، في دمشق فيما أدارت جماعته معسكرات تدريب في لبنان واستخدمت الأراضي السورية لمهاجمة تركيا.
وفي النهاية، تبدَّد دعم موسكو للحزب مع نهاية “الحرب الباردة” وظهور المشاكل السياسية والاقتصادية الملحة في الداخل. من جهتها، أنهت سوريا دعمها للحزب في عام 1998، بعد أن هددت أنقرة دمشق بشن الحرب عليها بسبب دعمها لما أصبح عبارة عن حملة مدمرة بشكل رهيب شنها «حزب العمال الكردستاني» في جميع أنحاء تركيا. وكجزء من هذا التحول المفاجئ، طرد حافظ الأسد أوجلان من البلاد.
بيد أن الحرب الأهلية السورية أحيت هذه العلاقات مع «حزب العمال الكردستاني». أولاً، مع تصاعد الانتفاضة في عام 2011، وعد نظام الأسد بمنح الجنسية لحوالي 300 ألف كردي من الأكراد السوريين الذين أصبحوا عديمي الجنسية جراء تعداد السكان الزائف الذي جرى عام 1962. كما وعد بعكس جهود التعريب التي يبذلها النظام منذ فترة طويلة في المناطق الكردية على طول الحدود من خلال منح الأكراد مزيداً من الحكم الذاتي، وإعطاء الحرية لـ «حزب العمال الكردستاني» ليعلن في وقت لاحق تشكيل سلسلة من الجيوب الاستيطانية شمالاً تُسمى “روج آفا” أو “كردستان الغربية”.
والأهم من ذلك، أن الحرب قد دفعت الروس إلى تجديد علاقاتهم مع كل من «حزب العمال الكردستاني» وحليفه السوري الكردي «حزب الاتحاد الديمقراطي». فبعد إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية دخلت مجالها الجوي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بدأت موسكو بتزويد الأسلحة إلى جيب “عفرين” التابع لـ «حزب العمال الكردستاني» غرب سوريا. كما قدمت الدعم الجوي لقوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» عندما استولت هذه الأخيرة على أجزاء من ممر أعزاز بعد أن كان بيد ثوار مدعومين من تركيا. حتى إن «حزب الاتحاد الديمقراطي» فتح مكتباً له في موسكو، وقد أفادت بعض التقارير أن روسيا عرضت الاعتراف الرسمي بـ “روج آفا”.
الانعكاسات على واشنطن
حتى الآن، لا وجود لأي دليل ملموس على أن روسيا ترسل الأسلحة إلى «حزب العمال الكردستاني». لكن إذا استمرت تركيا وشركائها في الخليج في تقويض الأهداف الروسية في سوريا عن طريق تسليح المتمردين بأسلحة أكثر قوة، وخاصة في أعقاب التسوية التفاوضية، قد تقرر موسكو تقديم مساعدة عسكرية مباشرة إلى الحزب. كما يمكن لدعم «حزب العمال الكردستاني» أن يسمح لموسكو باستغلال الصراع السياسي الدائر مؤخراً في تركيا. ففي 20 أيار/ مايو، صوّت البرلمان التركي برفع الحصانة القانونية عن العديد من النواب، لا سيما أولئك الذين يمثلون «حزب الشعوب الديمقراطي» أو («حزب ديمقراطية الشعوب») المؤيد للأكراد، الأمر الذي يمهد الطريق لطردهم المحتمل بناءً على اتهامات بدعمهم المزعوم لـ «حزب العمال الكردستاني» (انظر المرصد السياسي 2620 باللغة الانكليزية، “مسار اردوغان القوم نحو نظام رئاسي كامل“). وهذا التطور من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار في المحافظات ذات الأغلبية الكردية في تركيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي نائب من نواب «حزب الشعوب الديمقراطي» المطرودين قد يشكّل “برلماناً في المنفى” في “روج آفا”، ويضع نفسه تحت رعاية روسيا و «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. وبالتالي، سيؤدي مثل هذا السيناريو إلى فتح صندوق “باندورا” (أي الكشف عن العديد من المشاكل غير المتوقعة) للرعاية الروسية للأكراد السوريين والأتراك، من بينهم «حزب العمال الكردستاني».
في ضوء هذه العوامل وتدهور الوضع العسكري قرب مدينة حلب، يجب على واشنطن عدم تشجيع المعارضة السورية و «حزب الاتحاد الديمقراطي» / «حزب العمال الكردستاني» على استخدام “نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف”. ولكن في ظل غياب التقدم في محادثات جنيف، قد يكون استخدام هذه الأسلحة الخطوة التالية التي لا مفر منها في حرب استنزاف طويلة. أما على المدى القصير، فيجب على واشنطن تذكير الثوار بأن التوسع في استخدام هذه الأسلحة يمكن أن يدفع بالأسد ومؤيديه الإيرانيين والروس إلى التصعيد، إما من خلال تسليم أسلحة مماثلة إلى «حزب العمال الكردستاني» أو عبر تطويق حلب. وفي ظل غياب عملية إنشاء مناطق آمنة، التي قالت عنها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مراراً وتكراراً – وكان آخرها في 18 نيسان/ إبريل – بأنها “لن تحل المشكلة”، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يحاولوا إقناع الكرملين بأن قصف مناطق المعارضة في سوريا بصورة أكبر أو توفير “نظم دفاع جوي محمولة على الكتف” إلى «حزب العمال الكردستاني» قد يجر تركيا إلى صراع مباشر مع روسيا، لدرجة يكون من المفترض أن تطلب أنقرة مساعدة “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”). من هنا، يجب على واشنطن أن توضح أن هذا لن يصب في مصلحة موسكو.
أندرو جيه. تابلر هو زميل “مارتن غروس” في برنامج معهد واشنطن حول السياسة العربية. سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد.