جاء القرار المفاجيء الذي تبناه مجلس النواب الالماني بالاجماع اليوم (الخميس) بالاعتراف بإبادة الدولة العثمانية لاكثر من مليون ارمني ليزيد من حدة التوتر القائم في العلاقات بين السلطات التركية والاتحاد الاوروبي، وليضيف معارك جديدة، سياسية واقتصادية، للرئيس رجب طيب اردوغان، هو في غنى عنها في الوقت الراهن.
من الواضح ان هناك توجها اوروبيا لحصار تركيا، وتقويض سلطة الرئيس اردوغان، كرد انتقامي على استخدامه للاجئين السوريين كورقة ضغط على اوروبا، كرد على خذلان حلف “الناتو”، الذي تتمتع بلاده بعضويته، اثناء تصاعد الازمة التركية الروسية اثر اسقاط طائرات تركية لطائرة روسية قرب الحدود مع سورية، وكذلك بسبب طموحاته بإحياء الارث الامبراطوري العثماني.
المانيا تعتبر الشريك الاقتصادي الاهم لتركيا (30 مليار يورو سنويا)، وكانت حكومتها الاكثر دعما لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، ويوجد هناك حوالي ثلاثة ملايين الماني من اصول تركية، من بينهم نواب في البرلمان صوتوا مع القرار.
الرئيس اردوغان عارض القرار الالماني بشدة، واكد انه سيؤثر بشكل خطير على العلاقات الثنائية بين البلدين، بينما قرر رئيس وزرائه بن علي يلدريم استدعاء سفير تركيا في برلين للتشاور، ومن المتوقع ان تتخذ السلطات التركية خطوات للرد بعد عودة الرئيس اردوغان من زيارته الحالية لكينيا.
الحكومة الارمنية التي رحبت بالقرار تقول ان العثمانيين قتلوا 1.5 مليون ارمني ومسيحي آخرين قبيل انهيار سلطنتهم قبل مئة عام، بينما تنفي السلطات التركية هذه الاتهامات، وتؤكد انها مزاعم كاذبة، وتقول روايتها ان ما بين 300 الف الى 500 الف ارمني، فضلا عن عدد مماثل من الاتراك، سقطوا خلال حرب اهلية ترافقت مع مجاعة.
خطورة هذا القرار البرلماني الالماني تكمن في كونه مؤشرا على احتمالات شن حملة اوروبية، وربما عقوبات اقتصادية، مباشرة او غير مباشرة، ضد تركيا، وتبني برلمانات اوروبية اخرى الخطوة نفسها، في وقت تواجه ظروفا اقتصادية صعبة، بسبب انخفاض الدخل السياحي بحوالي 50 بالمئة (36 مليار دولار سنويا)، وتراجع نسبة النمو الى اقل من 4 بالمئة، بعد ان كانت فوق 7 بالمئة، وانخفاض سعر الليرة التركية بأكثر من عشرة في المئة.
الاوروبيون يعلنون حربا انتقامية على تركيا وحكومة الرئيس اردوغان خصوصا، وبدأوا في دعم المتمردين الاكراد سياسيا بفتح مكتب لحزب الاتحاد الديمقراطي في باريس، كمقدمة لفعل الشيء نفسه في عواصم اوروبية اخرى، وباتوا على وشك التنصل من اتفاق الهجرة الذي ينص على منح تركيا 6 مليارات دولار، واعفاء مواطنيها من تأشيرات الدخول الى دول الاتحاد الاوروبي، مقابل ايواء اللاجئين ومنع تدفقهم الى الاتحاد.
الخناق يضيق على الرئيس اردوغان، في وقت لا يجد احمد داوود اوغلو مهندس العلاقات والاتفاقات مع اوروبا الى جانبه، بعد استقالته من رئاسة الحزب والوزراء قبل عشرة ايام، ولا نعتقد ان لديه الكثير من الخيارات للرد على هذا التحدي الالماني المفاجيء والاستفزازي.
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...