عملية البقعة.. قراءة أمنية سياسية… (بقلم د.عامر السبايلة)
مع وصول المواجهة مع التنظيمات الارهابية الى نقطة المواجهة المفتوحة، يجد الاردن نفسه مضطراً لاعادة قراءة الواقع الداخلي بطريقة اكثر عملية وعلمية. تتزامن العملية الارهابية التي استهدفت مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة مع تصاعد المواجهة مع تنظيم داعش في سوريا و العراق مع اقتراب وصول الجيش السوري الى الرقة والعراقي الى الموصل، مما يعني ان اي قراءة معمقة للبعد الاقليمي للمشهد الارهابي تعني ان التنظيمات الارهابية ستسعى منطقياً لتعويض خسائرها في معاقلها عبر احداث عمليات ارهابية في مناطق جديدة يكون الاردن احد اقوى المرشحين لمثل هذه المواجهة.
الاردن في بوابة المواجهة المستمرة مع هذه التنظيمات ولا يمكن اسقاط ان التحديات الامنية تتزايد وتتنوع في اشكالها، من انهاك الاجهزة الامنية التي تعمل على مدار الساعة الى تطور الارهاب وشكله واساليبه بطريقة تضع ايضاً مهنية الاجهزة امام اختبارات حقيقية، لكن بغض النظر عن المشهد العام للمواجهة مع الارهاب لابد من قراءة حادثة البقعة من زوايا جديدة، أهمها:
اولاً ان وصول التنظيمات الارهابية لنقطة المواجهة في الداخل الاردني هو امر متوقع نظراً للتنامي المرعب لهذه التنظيمات والتي تتوفر لها حواضن داخلية مjعددة لم يتم التعامل معها -الى الان – بطريقة عمليه علمية بل باسلوب غض لابصر، او تطبيق فكرة استخدام ادوات متطرفة في جوهرها لمواجهة التطرف الذي يأخذ شكل الخلايا السرطانية. من الملفت أيضاً ان تقرير الامن القومي الامريكي للاعام 2015 حول مكافحة الارهاب و لتطرف الصادر مؤخراً يشير بوضوح الى فشل سياسة مكافحة التطرف الاردنية والقائمين عليها في احداث اي تغيير ملموس في كيفة التعاطي مع التنظيمات الارهابية والمتطرفة بعيداً عن الخيار الامني.
ثانياً، ان التغيير الجذري في شكل وألية الارهاب وسقوط نظرية العمليات المعقدة في مقابل نمو متزايد للعمليات غير المعقدة التي يستطيع فرد واحد ان يقوم بعمل ارهابي كبير، مثل آليات التفجير الفردي، اطلاق الرصاص المباشر، او وضع القنابل المصنعة يدوياً، يعني ان المواجهة القادمة مع الارهاب هي مواجهة مفتوحة وخطيرة يمكن ان تحدث في اي مكان وزمان، و بالتالي فان التعاطي المستقبلي مع الاخطار لابد ان يأخذ بعين الاعتبار ان تجفيف منابع الارهاب اصبح امراً واجباً وليس ترفاً يتم تأجيله بحجة ان الاولوية هي لمواجهة الوضع الامني الحالي، فالوضع الامني الحالي اصبح جزء من من ضرورة البدء في مكافحة التطرف جدياً.
اما اختيار ان يكون الهدف هو مكتب المخابرات في مخيم البقعة للاجئين فهو يحظى برمزية كبيرة ومحاولة لربط مخيمات اللاجئين في الاردن في ما يجري في مخيمات اللاجئين في الدول المضيفة، كما جرى في مخيم اليرموك في دمشق او عين الحلوة ونهر البارد في لبنان. واي قراءة امنية تشير الى سهولة تنفيذ مثل هذه العمليات غير المعقدة (اطلاق رصاص من سلاح اتوماتيكي) واحداث ضرر كبير وتوجية ضربة معنوية كبيرة للدولة الاردنية وسهولة خروج المنفذين ودخولهم الى تجمعات سكانية كثيفة مما يؤدي الى تطورات لا يحمد عقباها..
المرحلة الحالية تتطلب جرأة وتغيير في سياسة ادارة الملفات الداخلية، وتتطلب رؤية حقيقية بعيداً عن حالة الانكار السائدة، نسب التطرف في الاردن هي من اعلى النسب الموجودة، وانواع التطرف وشكله يجب التعامل معه بأسلوب حاسم ضمن استراتيجية واقعية يتم تطبيقها بأسلوب مهني وعملي دون خوف او تردد.
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...