«باب الحارة» … «محاكاة ساخرة» ظالمة ومظلومة (بقلم أمين حمادة)
لا يختلف اثنان حول شعبية مسلسل «باب الحارة» الذي يقدّم خلال رمضان موسمه الثامن (سيناريو وحوار سليمان عبد العزيز، وإخراج ناجي طعمة) في السنة العاشرة من بدء عرضه، إلى درجة أن الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي درعي ينضم إلى جمهوره في خطوة تطبيعية خبيثة، ولكن متأخرة خلال استهلاك المسلسل السوري رصيده الماضي. يكاد الجزء الأخير يتحوّل إلى «بارودي» عن العمل الأصلي، بكثرة الاستبدالات «المستسهلة» التي تطاول الممثلين الابتدائيين، وتحيي وتميت الشخصيات ومؤدينها، إضافة إلى جنوح هويته نحو الكوميديا على حساب الأنماط الدرامية الأخرى شبه النائمة حتى الحلقة الثامنة، مع اقتراف أحداث مكررة وأخطاء تاريخية جديدة، وعدم القدرة على إرضاء السهام الموجّهة إليه تارةً خطأً وتارةً صواباً، تحت شعارات «الحضارة»، فابتلي بما ابتلى فيه جحا وابنه والحمار من الناس، إلى درجة أن النكات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لا ترحمه صبحة وعشية.
«باب الحارة» والمرأة والدين
وللإنصاف، لا يمكن فصل ما يقدمه العمل عمّا يتعرض له من ضغوط رسمية كـ«ملاحظات» لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سورية، ونقدية بعضها يمسك بـ«الدين» و«صورة المرأة» من الذيل، ولو على حساب الواقع. يصل بعض هذه الانتقادات إلى سطحية محاسبة أهل الشام على بعض ألفاظهم التقليدية كـ«أعلي» بدلاً من «عقلي» واستخدامهم حرف الكاف عوضاً عن القاف كـ«أبو كاسم»، أو نكران سلوكيات ذكورية بالمطلق لكنها حقيقة في حينه، كتقديم الرجل على المرأة وغيرها، أو الغضب بسبب اختيار «سمعو» المتدين لوضعه في صورة الرجل الوحشي. ولكن، لا يمكن تحقيق الهدف في الدراما بالتعامل مع التاريخ والواقع بانتقائية وتجاهل الملاية وخضوع المرأة في حينه كجزء من الواقع مثلاً، ولا يمكن محاربة عادات بالية بنفيها، بل بخلق النموذج الإيجابي المواجه للسلبي كالجزء الآخر من الواقع. مثلاً المرأة المتعلمة صاحبة الشخصية في مواجهة المرأة الأمية والمكسورة عبر «خالدية»، أو عبر الشيخ عبد العليم رجل الدين المعتدل مقابل المتطرف.
عجائب الآغا
يواصل «باب الحارة» بذكاء اعتماد استراتيجية إدخال شخصيات جديدة، لتجديد الدماء وشدّ الجمهور، لكنه يفشل في التجديد الدرامي. تأتي سلاف فواخرجي من «حرائر» (كتابة وسيناريو وحوار عنود الخالد وإخراج باسل الخطيب) الذي نجح بتحسين صورة المرأة السورية في الأعمال الشامية، إلى «باب الحارة» في المهمة ذاتها بدور المحامية «جولي»، فيماثل هدفها مرام «شريفة» بتعليم النساء في جزء سابق. وينضم فادي صبيح بدور المهندس «زهدي» القادم من فرنسا لهدم «الحارة» بتهديد عانت منه في أجزاء سابقة على أيدي «مأمون بيك». ويواظب المسلسل في عقده العاشر على استبدال أو «قتل» الشخصيات التي لم يوفق «الآغا» بسّام باستمالتها أو التي «غضب» عليها، ومن أبرزها موت «أم ظافر» و«أبو حاتم»، وتقديم «العكيد معتز» بحجم وبأداء «ركيك» لمصطفى سعد الدين مقابل وائل شرف. ومن عجائب «الملا» أيضاً، إضافة شخصية «أبو حازم» من تجسيد عبد الهادي الصبّاغ الذي أدّى في الجزء السادس شخصية الشيخ الأعمى «فهمي»، وعودة ناهد الحلبي بشخصية «أم حاتم» بعد أن قدّمته في الجزء الخامس، واستبدالها بصباح بركات في السادس والسابع. وحده أسعد فضة خلق حالة جديدة بدور «أبو ظافر» موازية لما قدمه أيمن زيدان فيها.
التاريخ بين الصواب والخطأ
يسير العمل على هامش أحداث تاريخية لحاجته لفضاء زمني، فأصاب هذا الموسم أكثر مما أخطأ في المواسم الماضية. يختار أواخر ثلاثينات القرن العشرين، إذ يتحدث «أبو عصام» في الحلقة الأولى عن الحكيم عبد الرحمن الشهبندر أحد العقول المدبرة للثورة السورية الكبرى، والذي عاد إلى سورية في عام 1937 بعد إلغاء حكم الإعدام بحقه واغتيل في عام 1940، فتجري الأحداث في هذه الفترة. وقد يرتبط خط «سمعو» لاحقاً باغتيال الشهبندر، الذي قتل على يد ثلاثة متطرفين ثأراً للدين الحنيف وفق مزاعمهم واتهامهم له بتبخيس «الحجاب»، علماً أنه على رغم كونه القائد العلماني الأول في الشام، زوجته كانت ترتدي «الملاية»، ما يعزّز البنية الدرامية للعمل، وغيره من الأعمال الشامية، بوجه انتقادات حول «الدين» و»الملاية».
ولكن لم يسلم العمل من الأخطاء التاريخية، إذ يذهب عصام إلى سينما «أمية»، علماً أنها في زمن العمل كان اسمها «كوزموغراف» ولم يتحول اسمها إلى «أمية» إلّا في منتصف عام 1946 وفق وزارة الثقافة السوريّة. وأيضاً وضع ملصق «تحت سماء دمشق» (1932) كـ»أول فيلم سينمائي سوري»، علماً أن «المتهم بريء» سبقه بالعرض عام 1928.
الكوميديا والوعظ
لم تخرج الحلقات الثماني الأولى من دائرة التوطئة للأحداث المقبلة، من دون أن تشكل تصاعداً درامياً جديراً بالذكر، بل حفلت بمساحة كوميدية زادت اتساعاً وكادت تطغى، من خلال توسيع الهوامش الكوميدية بين «عصام» ونسائه ولاحقاً «جودي»، و»النمس» و»تنكة»، ورفعها في خط «أبو جودت» باستقدام شخصية «مزين فتوح» الجندي الحلبي الذي على رغم أدائه الطريف، أثار نقمة «غير درامية» لقسم الجمهور الذي اعتبر وجوده «انتقاصاً» من المدينة الشهباء، بالإضافة إلى ثنائية «أبو بدر وفوزية» المرشحة للصعود بوصول الزوج إلى البرلمان. ولم تكسر هذه الكوميديا حدّة الوعظ المباشر في العمل (من دون نكران التوجيه عبر النماذج الدرامية). مثلاً تفضّل المحامية «جودي» الجامعة السورية على السوربون، مستشهدةً بأن الغرب استمد علومه الأساسية مثل الفيزياء والفلسفة والطب وعلم الاجتماع من العرب، ولكن أغفلت أنها درست في جامعة دمشق القانون النابع من القاعدة القانونية الفرنسية، والذي ما زال يدرس حتى الآن.