في ضوء هجوم أورلاندو ..موقف تنظيم «داعش» من المثلية الجنسية…!! بقلم (هارون ي زيلين،يعقوب أوليدورت)
الأحداث المأساوية التي شهدها ملهى “بلس” الليلي في ولاية أورلاندو الأمريكية [ليل السبت -الأحد، 12 حزيران/ يونيو 2016]، ألقت الضوء على جانب غير معروف كثيراً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، وهو موقف التنظيم المعادي بشدة للمثلية الجنسية، لا سيما استهدافه لمثليي الجنس من الرجال. وحتى الآن، لم تظهر أي أدلة تشير إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد وجّه مرتكب الجريمة، عمر متين، للقيام بالعملية، كما أن دوافع الجهاديين لاتخاذ مثل هذه الإجراءات عادة ما تكون متعددة، بما فيها في هذه الحالة مشاكل ممكنة في الصحة العقلية. ورغم ذلك نشر تنظيم «داعش» مجموعة واسعة من المبررات لقتل المثليين جنسياً، واستهدف علناً العديد من الرجال الذين يزعم أنهم مثليون في العراق وسوريا في العام ونصف الماضي وحده.
ويقيناً، أن النظامين العراقي والسوري كانا يستهدفان مثليي الجنس من الرجال قبل الإعلان عما يسمى بـ “خلافة” تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما أن البيئة القانونية والدينية في المنطقة لا تتقبل غالباً هذه الفئة من الناس. بالإضافة إلى ذلك، أعدمت جماعات جهادية أخرى مثليون، من بينهم حركة “طالبان” وتنظيم «القاعدة» وفرعيه «جبهة النصرة» و تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب». بيد، أن ما يبرز في قضية تنظيم «الدولة الإسلامية» هو مستوى النص المبرر الذي أعده التنظيم لعمليات الإعدام المماثلة والطريقة المسرحية التي تتم فيها هذه العمليات، الأمر الذي يحتمل أن يحرّض على قيام المزيد من أعمال العنف ضد المثليين.
من الناحية النظرية
إن إدانة المثلية الجنسية واسعة الانتشار في [حملة] الدعاية التي يبثها تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث غالباً ما يصف المثلية على أنها “أفعال قوم لوط”، في إشارة إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدين لوط وشعبه على أعمال اللواط. ومع ذلك، يختلف التنظيم اختلافاً كبيراً في وجهات نظره عن كيفية معالجة الشريعة الإسلامية وفقاً للتقاليد، لأفعال الجنسية المثلية.
إن ما يرد في القرآن والأحاديث النبوية واضح حول التردي الأخلاقي لقوم لوط، كما أن الأحاديث تشمل على وجه الخصوص العديد من الفقرات التي تدعو إلى فرض عقوبات قاسية على النشاط الجنسي المثلي. بيد، تركز هذه الإدانات بشكل خاص على الاختراق الشرجي بين الرجال، وليس على المشاعر الرومنسية أو الأنواع الأخرى من الأفعال الجنسية بينهم (على سبيل المثال، انظر كتاب خالد الرويهب من عام 2005، “قبل المثلية الجنسية في العالم العربي والإسلامي”، 1500-1800). إلى جانب ذلك، فإن عبء الإثبات لتنفيذ العقوبات المرتبطة بالأمر فعلياً مرتفع – وتتراوح هذه ما بين النفي والجلد. ونظراً إلى التحقيقات المضنية اللازمة لإثبات مثل هذه “الجرائم” وآراء الفقهاء المختلفة في كثير من الأحيان حول هذه المسألة، من غير الواضح ما مدى تكرار فرض هذه العقوبات على مر التاريخ، وإلى أي حد قبلت مختلف المجتمعات الإسلامية ضمنياً بالمثليين الجنسيين. فاليوم، لا يزال هؤلاء يتعرضون للاضطهاد القانوني في معظم أنحاء الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل وتركيا والأردن ولبنان (على الرغم من أن المنطقة بالكاد تكون فريدة من نوعها في هذا الصدد). وعندما يتم تناول المثلية الجنسية في المدونات القانونية الحديثة، غالباً ما تظهر على شكل فئة مماثلة للزنا، عقوبتها في بعض دول الشرق الأوسط الرجم حتى الموت.
ومع ذلك، اتخذ تنظيم «الدولة الإسلامية» مثل هذه المواقف والمفاهيم إلى أقصى الحدود الممكنة، واعتبر جميع جوانب ثقافة الـ “إل جي بي تي” (السحاق، المثلية، ازدواجية التوجه الجنسي والتحول الجنسي) على أنها عبارة عن “أفعال قوم لوط”، وبالتالي على أنها من أشكال اللواط والانحلال الأخلاقي. وبينما يبدو أن خطاب التنظيم يستهدف المثليين الرجال بشكل حصري، إلا أن ذلك قد يرجع إلى المناقشات القانونية الإسلامية الغامضة نسبياً والأقل وتيرة المتعلقة بالسحاق وقضايا المثليين الأخرى. كما يتجاوز التنظيم متطلبات عبء الإثبات، مما يسمح لأتباعه بتطبيق العقوبة على أعمال المثلية الجنسية المشتبه بها بحرية.
بالإضافة إلى ذلك، بذل تنظيم «داعش» مجهوداً كبيراً لوصف الولايات المتحدة على أنها سبب المثلية الجنسية. ففي مقال بعنوان “البراهين النبيلة المتعلقة بطرد أولئك الذين يساعدون الحملة الصليبية ضد الخلافة الإسلامية” (نُشر للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر 2014 وأُعيد إصداره في أيلول/سبتمبر 2015)، دعم التنظيم هذه التهمة بالعديد من المزاعم ونظريات المؤامرة. على سبيل المثال، ورد في أحد المقاطع أن “سان فرانسيسكو تعتبر عاصمة اللواط، حيث يشكل [المثليون جنسياً] ربع سكان الولاية” (ص. 10). واعتبر مقطع آخر أن بانكوك هي “العاصمة العالمية للانحراف الجنسي” ويرجع ذلك إلى وجود قاعدة عسكرية أمريكية فيها (ص. 13).
وإلى جانب استخدام المثلية كورقة محبطة لإدانة الولايات المتحدة، يستخدم التنظيم “العقاب” على هذه “التجاوزات” للتعبير عن التزامه بإحياء قانون العقوبات في الشريعة الإسلامية الذي من المفترض أنه أصبح مهملاً. ووفقاً لخطاب التنظيم، فإن تطبيق أي عقوبة غير تلك الواردة في الشريعة الإسلامية يُعتبر بمثابة “مشاركة الله” في التشريع، وهو منطق ملتوٍ يسمح لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» باتهام مسلمين آخرين بالشرك، الأمر الذي يبرر الحرب التي يشنها. على سبيل المثال، توضح وثيقة إدارية صادرة عن “ولاية حلب” التابعة للتنظيم في كانون الأول/ ديسمبر 2014 أن أولئك الذين لا يفرضون “الحدود” هم كفّار حتى ولو التزموا بجميع الشعائر الدينية الأخرى. وتتابع الوثيقة الأعمال التي يجب المعاقبة عليها وهي: التجديف (على الله، أو النبي، أو الدين)، والزنا والمثلية الجنسية والسرقة وشرب الكحول والافتراء و”التجسس لما يصب في مصالح الكفار” والردة وقطع الطرق. وبالمثل، في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 أصدرت “ولاية حلب” مقالاً مصوراً يظهر إعدام المثليين تحت عنوان “شريعة الله فيما يتعلق بأي مرتكب لـ ‘أفعال قوم لوط ‘ ” تستخدم فيه هذا المبرر حول ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها وسيلة لتبرير رجم مثليي الجنس من الرجال.
يُذكر أن مثل هذه المبررات حول قتل المثليين جنسياً تظهر بشكل واسع في دعاية تنظيم «داعش». وتشمل هذه المقالات الصادرة في مجلاته باللغتين الفرنسية والإنجليزية (“دابق” و”دار الإسلام”) وأشرطة الفيديو التي تصور معاقبة المثليين كوسيلة للانتقام الصارم ضد الكفار و”حماية الفضيلة ومحاربة الرذيلة” على حد سواء. وهذا المفهوم الأخير، المعروف عموماً باسم “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” هو مبرر “الحِسبة” الذي غالباً ما يُستخدم للحفاظ على نظام اجتماعي محافظ في المنطقة، ليس فقط من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل أيضاً من قبل السلطات بدءاً من “طالبان” وصولاً إلى الدولة السعودية.
وفي هذا الصدد، يختلف تنظيم «الدولة الإسلامية» عن الجماعات الجهادية الأخرى. فالتنظيم في جوهره هو مؤسسة تقوم على بناء دولة وتسعى إلى إعادة تحديد العلاقات الاجتماعية وضبطها وفقاً لقانونها الأخلاقي الذي يعامل أي شخص ينحرف عن فهمها الضيق للإسلام على أنه كافر قابل للحياد عن الدين، وغالباً ما يلقى عقوبات سريعة وغالباً ما تكون صادمة. ومثله مثل أتباع السلفية الآخرين، يشدد تنظيم «داعش» على العودة إلى كيفية ممارسة الدين من قبل النبي وأول أتباعه السنّة، وفقاً لمزاعم التنظيم، بدلاً من العودة إلى مدة الأربعة عشر قرناً التي تلت ذلك والتي تم في خلالها وضع الشريعة الإسلامية التقليدية. ويعني ذلك، من بين أمور أخرى، الاعتماد حصراً على القرآن والأحاديث للتوجيه الديني. بيد، أضاف تنظيم «الدولة الإسلامية» توجهه العنيف الخاص إلى هذه المنهجية السلفية عبر استخدام أقسى السوابق الواردة في حديث معين لتبرير معاملته لمثليي الجنس من الرجال، وتجاهل التفصيلات الشرعية المختلفة التي وُضعت حول هذه النقطةعلى مدى قرون.
من الناحية العملية
بناءً على قاعدة البيانات التي جمعها المؤلفان، منذ أن أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» قيام خلافته في حزيران/ يونيو 2014، أعلن “ديوان الحِسبة” التابع له وأجهزته الإعلامية على الإنترنت علناً عن إعدام سبعة وعشرين شخصاً زُعم أنهم مثليو الجنس. وقد اقتصرت هذه الإجراءات حتى الآن على ثمانية “ولايات” من أصل واحد وعشرين ولاية في المناطق الأساسية الواقعة تحت سلطة التنظيم في العراق وسوريا.
ولاية نينوى (العراق) | 7 |
ولاية الجزيرة (العراق/ سوريا) | 4 |
ولاية حمص (سوريا) | 4 |
ولاية الفرات (العراق/ سوريا) | 3 |
ولاية الرقة (سوريا) | 3 |
ولاية حلب (سوريا) | 3 |
ولاية الفلوجة (العراق) | 2 |
ولاية الخير (سوريا) | 1 |
إن الطريقة الرئيسية التي استُخدمت في قتل هؤلاء الرجال تكمن في رميهم من على أسطح المباني الشاهقة، بناءً على حديث من قبل خليفة النبي، أبو بكر الصديق، ينص على رمي رجل من على منحدر لمشاركته في أعمال جنسية مثلية. وفي حالات أخرى، تم رجم الضحايا، أو قطع رؤوسهم أو رميهم بالرصاص. هذا وقد تم تنفيذ اثنين وعشرين عملية إعدام في خلال العام الماضي وحده، لكن يبدو أن قدرة التنظيم على الاستمرار في مثل هذه العقوبات قد تراجعت نظراً إلى الخسائر العسكرية التي لحقت به في الأشهر القليلة الماضية.
وقد اعتبر تنظيم «الدولة الإسلامية» هؤلاء الضحايا بشكل خاص جزءاً من برنامجه المتعمد للقضاء على “الانحراف”. فوفقاً لملفات تسربت عن سمير عبد محمد الخلفاوي (الذي يُعرف أيضاً باسم الحاج بكر)، رئيس المجلس العسكري للتنظيم ومهندس خططه لغزو الأراضي وإدارتها حتى وفاته في كانون الثاني/ يناير 2014، أمر التنظيم جواسيسه بتحديد مثليي الجنس عند التسلل إلى مناطق جديدة بحيث يمكن ابتزازهم في وقت لاحق. كما احتال أعضاء التنظيم على مثليي الجنس من الرجال من خلال الادعاء بحبهم، إما للحصول على فدية (يُزعم أنها تصل إلى 11,000 دولار للشخص الواحد) أو لكشفهم وإعدامهم. وغالباً ما يحاول تنظيم «داعش» استخدام جهات الاتصال على الهواتف الخليوية وعلى حسابات “فيسبوك” التابعة لهؤلاء المعتقلين لتعقب مثلي الجنس الآخرين “المشتبه بهم”. وفي بعض الحالات المزعومة، انضم مثليو الجنس من الرجال إلى التنظيم لإخفاء ميولهم الجنسية المثلية، والتبليغ عن آخرين لحماية أنفسهم.
وبمجرد القبض على رجل مثلي الجنس والحكم عليه من قبل محكمة شرعية تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، يتبع التنظيم نفس المسار المأساوي للدعاية المسرحية التي يحتفظ بها للجرائم الأخرى التي يعاقب عليها بالإعدام: إذ يؤخذ الشخص إلى ساحة مدينة أو ما شابه ذلك حيث تتواجد الحشود الكبيرة. وفي حالة وجود مثلي جنس كما يُزعم، يتم سحب الرجل إلى وسط الحشد أو يؤخذ إلى قمة مبنى شاهق ليُقرأ له التبرير الديني لإعدامه. ثم يتم تنفيذ الحكم كما هو موضح سابقاً، في الوقت الذي تلتقط فيه عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» الصور و/ أو مقاطع الفيديو للعمل الوحشي لتظهر لمؤيديه ومجنديه بأنها تنفذ ما تراه كشرع الله.
التداعيات السياسية
ليس هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة القيام به لمنع مثل هذه الفظائع غير الأسلوب غير المباشر القائم على إلحاق الخسائر العسكرية بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» والاستيلاء على أراضيه. إلا أنه يمكن لواشنطن استغلال حالات النفاق التي يمارسها تنظيم «الدولة الإسلامية» حول هذه القضية في حملة الرسائل المضادة التي تقوم بها. على سبيل المثال، يزعم ناشطون سوريون أن بعض أعضاء التنظيم أقاموا علاقات جنسية مع رجال آخرين، وأبرزهم القائد الكبير أبو زيد الجزراوي، وهو مقاتل سعودي يتهمونه بإقامة علاقة مع صبي يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً. وبينما يبدو أنه تم إعدام الصبي، إلا أن الجزراوي تلقى عقوبة أقل شدة: إذ تعرض للجلد وأُجبر على القتال في الخطوط الأمامية في العراق. وبصورة عامة، ينبغي على الحكومة الأمريكية التشديد ثانية على أهمية حقوق المثليين في دبلوماسيتها العامة والخاصة مع دول الشرق الأوسط، لا سيما في ضوء النمط المقلق القائم على تجريم المثلية الجنسية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن أن تدرك مخاطر هذا التقاطع المحتمل بين “الحدود” والعنف الإرهابي. ففي ظل غياب أي دليل على وجود تعليمات مباشرة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى متين لمهاجمة الملهى الليلي المعروف لمثليي الجنس في أورلاندو، يمكن أن تشير هذه الحادثة إلى وجود اتجاه جديد يتمثل بقيام الجهاديين بأخذ القانون ليدهم بصورة تمزج ما بين الأعمال الإرهابية التي يشهدها الغرب عادة (القتل العابث المتعمد أو تفجير المراكز المدنية) وإعادة تحديد نطاق الشريعة الإسلامية وتطبيقها – أي في هذه الحالة تجاوز التعريفات والعمليات والمؤسسات القانونية التقليدية الأكثر دقة وتشجيع العنف الموجه ضد مجتمعات المثليين وثقافتهم من الأفراد المسلمين العاديين. وبالنسبة إلى أولئك الأشخاص غير الملمّين بالتاريخ الإسلامي والنصوص الإسلامية، قد يُعتبر مثل هذا العنف، وبشكل غير صحيح، بمثابة النهج الإسلامي التقليدي لمواجهة المثلية، لذا على واشنطن والمجتمعات الإسلامية المسارعة إلى إدانة جميع هذه الأفعال.
هارون زيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في المعهد ومؤسس موقع Jihadology.net. يعقوب أوليدورت هو زميل “سوريف” في المعهد.