من الواضح الآن أنّ القضية المُثارة بشأن الشريحة الإلكترونية التعريفية الخاصة بالسيارات العاملة في العاصمة بغداد “مشروع صقر بغداد”، هي قضية صراع سياسي بين اثنين من الأحزاب والقوى السياسية الحاكمة المتنافسة والمتصارعة على السلطة والنفوذ والمال.
وزارة الداخلية التي يديرها وزير من منظمة بدر أعلنت منذ أيام أنْ لا علاقة لها بهذا المشروع، بل إنها أكدت أنه مشروع غير قانوني وأنها ستقاضي الشركة التي نفّذته وتُحيل ملفها إلى هيئة النزاهة. بالطبع هذا أمر غريب، لأن موظفي الشركة نفّذوا مشروعهم بعلم ودراية ضباط الداخلية وعناصرها، ولم تزل حتى اليوم اللوحات المعلنة عن المشروع وأهميته تنتصب شاخصةً عند العديد من نقاط التفتيش التي يرابط فيها ضباط وعناصر من وزارة الداخلية.
أمس ردّ محافظ بغداد (من التيار الصدري) جهاراً نهاراً، مُفنّداً معلومات الداخلية ومهدّداً بمقاضاة “المحرّضين” على المشروع، وقال إنَّ “مشروع صقر بغداد الأمني صدرت به إجازة استثمارية في 2011 وكانت هناك مخاطبات إلى الجهات الأمنية المتخصصة ولم تعترض عليها”، وأضاف أن “وزارة الداخلية أوعزت بكتاب رسمي لشرطة المرور وشرطة المحافظات بالاستفادة من المشروع الأمني”.
لا أظنُّ أنَّ محافظ بغداد لم يستند في تصريحه هذا إلى وثائق تدعم معلوماته.
وعلى أية حال، حتى لو انطوى مشروع “صقر بغداد” على شبهة فساد باستيفاء أموال من الناس من دون وجه حقّ، فإنه ليس العمل الأول من نوعه.. منذ ثلاث سنوات أيضاً كانت جهات أمنية قد فرضت على مواطني بعض مناطق بغداد استحصال بطاقات أو ملصقات تعريفية تسمح لحامليها بالدخول إلى مناطقهم والخروج منها (15 ألف دينار لكل هويّة أو ملصق)، وحتى الآن لا يعرف أحد مصير تلك البطاقات أو الملصقات ومبالغها!
زيادة على هذا فإن ثمة منظمات ونقابات تفرض رسوماً وتجمع أموالاً من دون أيّ سند قانوني. نقابة الصحفيين، مثلاً، تفرض على الصحف والمجلات، بما فيها الصادرة عن الوزارات ودوائر الدولة المختلفة، وكذلك على المراسلين الأجانب دفع “بدل اعتماد”، والنقابة تتحصّل سنوياً على مبالغ كبيرة من هذا الرسم الذي لا يوجد له أيّ سند قانوني، فقانون النقابة الصادر في عهد النظام السابق لا يتضمن أيّ نصّ يخوّلها جباية أموال “بدل اعتماد”. القانون مثلاً يُلزمها في أحد موادّه بالدعاية لحزب البعث وأهدافه،ولكنه لا يخوّلها جباية بدلات اعتماد. وأصلاً لا يوجد قانون يخوّل النقابة أو غيرها منح اعتمادات للصحف والمجلات وسائر وسائل الإعلام والمراسلين الأجانب. في عهد النظام السابق كانت وزارة الإعلام تمنح تراخيص الصحف والمراسلين، والنقابة ليست وريثة وزارة النظام المقبور، ولا يُمكن لنقابة أن ترث هيئة حكومية منحلّة. من باب أولى أن تكون وزارة الثقافة هي الوريث بعدما أحيل إليها موظفو الوزارة المنحلّة وممتلكاتها.
وللعلم، فإن الدستور ينصّ في المادة (28) على أن “لا تُفرض الضرائب والرسوم ولا تُعدّل ولا تُجبى، ولا يُعفى منها، إلّا بقانون”.. ولا يوجد أيّ قانون سابق أو لاحق يُجيز لنقابة الصحفيين فرض رسم الاعتماد وجبايته.
أدعو وزير الداخلية ومحافظ بغداد إلى التهدئة في ما بينهما، لأنَّ أمور دولتهما “خربانة” في شتّى المجالات، وليس فقط في مجال “صقر بغداد”!