عمليات الانتقام التركية رداً على هجوم اسطنبول… (بقلم سونر جاغايتاي)
يشكل التفجير الانتحاري في مطار أتاتورك في تركيا هجوماً رمزياً في قلب اسطنبول. وإذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») هو الذي يقف بالفعل وراء هذا الهجوم، كما تقول الولايات المتحدة وتركيا، سيكون ذلك بمثابة إعلان حرب. وسيكون الانتقام التركي كالمطر من الجحيم. فحتى الآن، تجنبت تركيا الدخول في حرب شاملة مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وعوضاً عن ذلك أعطت الأولوية لمعركتها ضد نظام الأسد في سوريا فضلاً عن التقدم من جانب الأكراد السوريين. وبالنسبة لتركيا، قد تكون محاربة تنظيم «داعش» معركة من الدرجة الأولى لا مفرّ منها الآن.
هدف رمزي
في الماضي، نفذ تنظيم «الدولة الإسلامية» عدة هجمات في تركيا، لكن حجم هذا الهجوم يفوقها جميعاً. فقد سبق أن استهدف تنظيم «داعش» السياح؛ وهذه المرة، فقد اتجه نحو قلب تركيا في هجوم فظ أودى بحياة العديد من الأشخاص يفوق ما أسفرت عنه هجمات التنظيم السابقة.
ويشكل مطار أتاتورك في اسطنبول نقطة الدخول الرئيسية للأغلبية التي تزيد عن 30 مليون شخص الذين يزورون تركيا كل عام. كما أنه المطار المحوري للخطوط الجوية التركية، وهي العلامة التجارية التركية الوحيدة المعروفة على النطاق الدولي، وبوابة المرور لممارسة الأعمال التجارية في اسطنبول. وسيُلحق هذا الهجوم الضرر بالاقتصاد السياحي والمجتمع التجاري في تركيا من خلال زرع الشك بصورة جدية في الفكرة القائلة أن تركيا هي مكان آمن يمكن قصده أو المتاجرة فيه.
لماذا يستهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» تركيا؟
إذا كان تنظيم «داعش» هو الشواذ في الإسلام، فتركيا هي القاعدة. فللبلاد دستور علماني، ومجتمع ديمقراطي تسود فيه المساواة بين الرجل والمرأة. كما أن تركيا هي من أعضاء حلف شمال الأطلسي وتُجري حالياً محادثات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهي صديقة للغرب والولايات المتحدة ولم توافق إلا في السابع والعشرين من حزيران/يونيو على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
ولم يكن السؤال ما إذا كان تنظيم «داعش» سينفذ هجوماً كهذا بل متى سينفذه. فمنذ فترة ليست بالقليلة، بدء الثوار الذين تدعمهم تركيا بمهاجمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، إلى جانب الأكراد الذين يَلقون دعم الولايات المتحدة، لذلك يمكن اعتبار الهجوم انتقاماً من قبل تنظيم «داعش».
الإعداد للحرب
بدت العلاقة بين تنظيم «الدولة الإسلامية» وتركيا منذ فترة طويلة جداً وكأنها حرب باردة تفادى فيها الطرفان محاربة بعضهما البعض. فعلى سبيل المثال، عندما حاصر التنظيم أرضاً تركية في سوريا عام 2014، فلم يستولِ عليها. كذلك، تفادت تركيا الانضمام إلى الولايات المتحدة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
ثم تطورت العلاقة إلى ما بدا أنها حرب محدودة، إذ تدخلت تركيا عام 2015 لمساعدة الولايات المتحدة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي ذلك الوقت، نفّذ التنظيم عدداً من الهجمات الصغيرة في مدينة اسطنبول القديمة، فقتل أشخاصاً معظمهم من الأجانب. وإذا كان تنظيم «داعش» هو بالفعل وراء الهجوم الذي وقع في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو، فإن ذلك سيمثل تصاعداً ملحوظاً ضد تركيا.
الانتقام التركي
ستواصل تركيا جهودها لكبح تنظيم «الدولة الإسلامية»، بالإضافة إلى زيادة تعاونها مع وكالات الاستخبارات الأمريكية والغربية لمواجهة هذه الجماعة. إلا أن تنظيم «داعش» سيواصل لعبته الشنيعة التي تتمثل في خلق جو من الضباب والشك عبر هجماته، وهذه المرة في تركيا. ومن المحتمل أن لا يتبنّى التنظيم مسؤولية الهجوم على مطار اسطنبول، حيث لم يفعل ذلك أيضاً في الهجمات السابقة في تركيا.
ويعود هذا الأمر إلى رغبة تنظيم «الدولة الإسلامية» في خلق جو من الشك في السياسة التركية. فسابقاً نفذ تنظيم «القاعدة في العراق»، وهو المنظمة الجهادية الأم التي ينحدر منها تنظيم «داعش»، عدداً من الهجمات الانتحارية في العراق بعد عام 2005، وحتى الآن لم يتبنَّ التنظيم أياً منها. وأدى ذلك إلى إنشاء بيئة من الشك حيث لام السنة والشيعة في العراق بعضهم بعضاً، وبدأوا بشن هجمات انتقامية، فانحدرت العراق إلى حرب أهلية.
من خلال عدم تبني مسؤولية الهجمات في تركيا، يريد تنظيم «الدولة الإسلامية» تحقيق الغاية نفسها، عبر إثارة الانقسامات المجتمعية، وهذه المرة بين مؤيدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومعارضيه، وبين اليساريين واليمينيين، وبين الأتراك والأكراد، وبين العلمانيين والمحافظين. على الأتراك، الذين ينتمون إلى كافة الاتجاهات والخلفيات السياسية، أن يتعلموا من تجربة العراق ويتحدوا في وجه الخطر الذي يشكله تنظيم «داعش». وفي الوقت نفسه، تحتاج الحكومة التركية إلى استخدام كامل قواها لمحاربة خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» من أجل ردع التدهور الكارثي المحتمل في تركيا نحو الفوضى كنتيجة لهجمات تنظيم «داعش».
سونر جاغابتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.