على العكس من الدلاي لاما فان غولن هو رجل اعمال ذكي وحكيم، مؤيدي حركته يسيطرون على الصحيفة التركية “زمان” وأدت محطات تلفاز وراديو ووكالات انباء ودور نشر وشركات تأمين وبنك. احيانا نادرة يخرج من مزرعته الفاخرة – يبدو لانه مريض بالسكري ويعاني من مشاكل في القلب – نجح غولن في خلق شبكة واسعة فيها بين ثلاثة الى ستة ملايين مؤيد في ارجاء العالم بعضهم رجال اعمال، صحافيين ومعلمين يقولون انهم حصلوا منه على الالهام.
قد يكونوا قد يأخذون الالهام من غولن، لكنه يأخذ منهم أموالهم. الكثير من المؤيدين يقدمون لحركته 10 في المئة حتى ثلث معاشهم وبعضهم يعيشون في جاليات مغلقة للحركة التي يديرها مجلس كبار السن حيث يراقب انماط حياتهم ويحدد من يتزوجون وأين يعملون.
حركة التعليم
ولد غولن شرق تركيا وكان أبيه إماما محليا، تعلم في مدارس دينية حتى سن 14 وبدأ يلقي الخطب الدينية. في عام 1960 اقام في إزمير حركة “هزمت”. في السنوات الاولى لاقامتها ركزت الحركة على التعليم: اقامت المراكز في المدارس المتوسطة وعالجت مشاكل المخدرات في اوساط الشبان وعملت على رفع مستوى التعليم. اليوم تنتشر شبكة التعليم لحركة غولن في اكثر من مئة دولة مع 2.000 مدرسة ومليوني طالب، معظمهم في تركيا ودول فيها تركيز عال للاتراك مثل كندا والمانيا. في الولايات المتحدة لوحدها توجد 140 مدرسة فيها 60 الف طالب.
مدارس الحركة مكلفة لانها تعتبر ممتازة. انها تشجع تعليم الرياضيات والمواد العلمية ويحصل طلابها على عدد كبير من الجوائز وخاصة في الرياضيات. تسمى الحركة المدارس بالضبط مثل المؤيدين “مدارس الالهام”.
تحقيق الـ “نيويورك تايمز” الذي تم قبل عدة سنوات وجد أنه ليس الالهام فقط يتجول في مدارس غولن بل ايضا الكثير من الاموال. حسب التحقيق فان 50 مليون دولار انتقلت من شبكة المدارس للشركة المرتبطة بالحركة والتي فازت بعطاء القيام باعمال اعمار في المدارس. هذا بالرغم من من شركات اخرى اقترحت شروطا افضل.
وجهت الانتقادات للمدارس ايضا بسبب تشديدها على الفصل بين الطلاب والطالبات. معظم المعلمين هم رجال، ومن الصعب ايجاد النساء ايضا في اوساط قيادة الحركة. بعض المدارس تعمل في اطار مغلق. عضو سابق في الحركة في هولندا قال انه بعد سنوات من التعليم والسكن في مساكن المدرسة فان الطلاب الذين انهوا تعليمهم يجدون صعوبة في ترك اليزمط. حسب اقواله فان الطلاب يكفون عن احترام أبويهم ويغرقون في الحركة. “يوجد هنا جنود صغار يسيرون حسب أوامر القادة”، كما قال.
تحقيق في هولندا وتقرير حكومي نشر هناك قال ان المدارس التابعة للحركة لا تشكل تهديدا للمجتمع الهولندي، الا ان الحكومة قررت اغلاق المساكن في بعض المدارس مدعية بانها تهدد التفاعل والاندماج في الدولة.
تحقيقين لـ “دير شبيغل” الالمانية واللذان نشرا قبل اربع سنوات وقبل سنتين وجدا ان بعض الطلاب المؤيدين للحركة يعيشون بما يسمى “بيوت النور”. هناك يراقبهم الحراس وكأنهم في السجن وليس المدرسة. “بيوت النور” يتعلمون فيها الاسلام ويشددون على روتين العمل والصلاة واوقات النوم القليلة ليس اكثر من ثلاث ساعات في اليوم. كتب غولن نفسه في احد كتبه بان الطلاب يحتاجون فقط الى ثلاث ساعات نوم وساعتين للحاجات الاخرى وباقي الوقت يجب أن يخصص لليزمط.
حسب شهادة عضو الحركة الهولندي فان اليزمط هي حركة هرمية ومنظمة. اعضاء مجلس كبار السن المسؤولين عن المدارس ينصاعون للقادة الاقليميين للحركة الذين ينصاعون لقادة الحركة في كل دولة. وهؤلاء ينصاعون لغولن الذي يسمى لدى مؤيديه “الماستر”. مؤيدين سابقين كشفوا ايضا ان كل جالية يقودها اشخاص محليين. نفى غولن وجود بناء هرمي وادعى من جديد ان الحركة تعتمد على المتطوعين وان الجميع متساوين.
اضافة الى ذلك: مؤيدين سابقين قالوا أن الحركة هي حركة سرية ومحافظة جدا. سرية لدرجة أنه لا توجد للحركة مكاتب رئيسية ولا يوجد لها عنوان رسمي، وهي ليست مسجلة في أي مكان ولا يوجد لها حسب بنك مركزي.
الغولنية هي نظام كما يقول الون ليئال، سفير اسرائيل في تركيا سابقا (في الماضي كانت تتم في تركيا تجمعات منظمة لملايين المؤيدين واخرجها أتاتورك خارج القانون. اقام غولن تجمعات كهذه وهي اكثر تحضرا من السابق ولكن مع انماط العمل ذاتها.
اعمال في خدمة الدين
اضافة للتعليم فان غولن يغطي اهمية كبيرة لوسائل الاعلام. انه الرئيس الفخري لمنظمة الاعلاميين والكتاب في تركيا. في موقع الحركة يشجع مؤيديه على دخول الاعمال من أجل تقديم ما يسميه “الخدمات” وهم ينصاعون له. قبل ثلاثين عاما اشترى مؤيديه الصحيفة التركية الاكثر انتشارا “زمان”، عام 1993 اقاموا محطة التلفاز “سامن يولو”، عام 1994 اسبوعية “اكتسيون”. وخلال سنوات التسعين فتحت عدة محطات راديو في تركيا. ايضا وكالة الانباء “سيهان” التي تعمل في 50 دولة تعود الى مؤيدي الحركة ولديهم ايضا محطة تلفاز في “نيويورك”.
رجال الاعمال ايضا يحظون على مكانة مهمة في الحركة. يشجع القادة مؤيدي الحركة على الزواج من رجال أعمال أو احفادهم من اجل التبرع لليزمط، والكثير من المدارس تمول من رجال أعمال مسلمين.
وصل غولن الى الولايات المتحدة في نهاية سنوات التسعين من أجل الحصول على العلاج الطبي. ومنذ ذلك الحين لم يعد للسكن في تركيا، نوع من النفي الارادي الامر الذي مكنه من توسيع نشاط الحركة وتحويلها الى حركة دولية.
في مزرعته الفاخرة في بنسلفانيا يسكن مع دزينة من مؤيديه. وحسب الشهادات فقد ترك بيته مرتين. في الايام التي تسمح بها صحته يصل الى قاعة المزرعة ويلتقي مع مؤيديه ويجيب على اسئلتهم.
قبل أن يترك تركيا بوقت قصير اتهم غولن بمحاولة تحويل الدولة الى اسلامية ومنذ ذلك الحين فان علاقاته مع المؤسسة التركية تشهد الصعود والنزول. في الماضي كان غولن من مؤيدي اردوغان الكبار وكان زعيم حزب العدل والرفاه الروحاني. قبل ثلاثة سنوات اتهم مؤيدي غولن في الشرطة والجهاز القضائي المقربين من اردوغان بما في ذلك ابنه بلال بالفساد ومنذ ذلك الحين تراجعت العلاقات بين الاثنان وتجمدت. واعلن عن اليزمط في تركيا عام 2014 كمنظمة ارهابية.
غولن نفسه يعارض الارهاب ويدعي انه لا مكان للارهاب في الاسلام الحقيقي. وحسب قوله فان على المسلمين ان يعيشوا حياتهم حسب التعاليم الاسلامية التي تطالب بالادب، والعمل الصعب والصدقات. انه يتحدث كثيرا عن السلام العالمي وتحمل الاخر وتقوية العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا وعن الاقتصاد الحر. انه يؤيد قيم الغرب لدرجة أن معارضيه يتهمونه بانه جاسوس للغرب.
الاسلام العصري
علاقة غولن مع الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني مركبة: لقد عاد وأعرب عن تأييده لاتفاق اوسلو، وهو يعارض تدخل الغرب بالصراع. وحسب قوله فان هذا الصراع سياسي وليس ديني ويمكن ان ينتهي بمساعدة الامم المتحدة دون تدخل مباشر لدول اجنبية. يؤيد غولن الفلسطينيين ويطالب المسلمين مساعدة غزة لكنه عارض سفينة المرمرة وقال انه على منظميها السفر والتوصل الى اتفاق مع اسرائيل قبل أن ينطلق. كان هذا الشرخ الاول بينه وبين اردوغان. “طالب غولن اردوغان باعادة الديمقراطية لتركيا فغضب اردوغان من محاولة التدخل بسياسته”، كما يقول ليئال.
يؤيد غولن العلاقات مع اسرائيل ويؤمن بالحوار الديني. علاقات جيدة مع اسرائيل فقط ستؤدي الى علاقة جيدة بين المسلمين واليهود. يعتقد ان لاسرائيل تأثير كبير على الولايات المتحدة، لذلك فهي تستطيع تقوية العلاقات بين الامريكين وتركيا.
على موقع الحركة تم توثيق لقاءات كثيرة بين مؤيدي الحركة وبين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة. بعد أن التقى مع غولن في نهاية التسعينيات قال آيف فوكسمان من رؤساء الجاليات اليهودية ان غولن أكد على اعتداله وان غولن طلب ان يقوم بالالتقاء مع اقربائهم في واشنطن.
د. افرات افيف من جامعة بار ايلان والتي تابعت لقاءات غولن مع قادة يهود، تصف لقاء حدث عام 1997 في اسطنبول بين غولن وبين الحاخام الياهو بكشي دورون الذي كان في حينه الحاخام الشرقي الرئيسي. طلب الحاخام من غولن ان يساعد في تقديم المساعدة ليهود ايران، لكن غولن ادعى انه ليست له علاقات في تلك الدولة. غولن من جهته أراد فتح مدرسة في اسرائيل وتمنى أن يساعده الحاخام بكشي دورون.
لقاءات اخرى كانت بين غولن وبين الحاخام دافيد اساو، الحاخام الرئيسي لتركيا وهو مقرب من رجل الاعمال اليهودي التركي اسحق التون. التقيا في اسطنبول ويحافظان على اتصال هاتفي رغم أن التون مقرب من اردوغان.
هل غولن افضل من اردوغان لتركيا؟ اوري بار نير الذي كان سفيرا لاسرائيل في تركيا يعتقد ان “اردوغان اخطر من غولن. فتح الله غولن هو شخص مستقيم ولديه المعرفة والكاريزما. انه اكثر تحضرا من اردوغان”.
“صحيح أن غولن يسيطر على حركته بيد من حديد ولا يوجد له نائب لكنه لم يسبق أن ادار دولة”، يقول ليئال. “من جهة فان اسلام غولن متحضر اكثر من اسلام اردوغان الذي هو متطرف في دينه. ويعتمد اردوغان على رجال غولن، لكنه يخاف منهم. لن اتفاجأ اذا لم يعدم غولن، رغم انه ان فعل ذلك لن يستطيع القضاء على الغولنية”.
المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية