أبحث عن حكمة صغرى، وأبحث عن مصلحة دنيا، وأبحث عن فائدة متناهية الضآلة، توخّاها الذين وجّهوا دعوة رسمية إلى وفد من جماعة الحوثي اليمنية لزيارة بغداد وتنظيم لقاءات مع مسؤولين كبار.. أبحث ولا أجد.
لم نكن يوماً على عداوة مع اليمن، ولسنا الآن في خصومة أو منافسة أو مزاحمة أو صراع مع النظام اليمني الحالي. وهذا النظام الذي قام على أنقاض نظام علي عبد الله صالح إثر واحدة من ثورات الربيع العربي الناجحة، لم يبدر منه في أي يوم ما ينمّ عن تدخّل في شؤوننا الداخلية أو تأييد لفظي أو دعم مادي لقوى الإرهاب التي تكدّر علينا حياتنا، فما الحكمة وما المصلحة وما الفائدة في تصرّفنا هذا حيال هذا البلد الممتحن هوالآخر بإرهاب داعش والقاعدة وسواهما؟.. هل كثير في حقّ هذا التصرف أن ننعته بأنه غير ملائم وغير مناسب؟ بل إنه يبدو من زاوية معينة أخرق لأنه يجلب لنا عداوة دولة عربية من دون مبرّر أو مسوّغ ونحن في حال أقل ما تتطلبه ألا نستعدي حتى دولة بوركينا فاسو الكائنة في مجاهل أفريقيا وصحرائها الكبرى.
أقمنا الدنيا ولم نقعدها وأزبدنا وأرعدنا منذ ثلاثة أشهر ،لأن جهة فرنسية غير رسمية سهّلت لمعارضين لـ “نظامنا” عقد اجتماع لهم في العاصمة الفرنسية باريس، فما بالنا ننهى عن خلق ونأتي أسوأ منه؟ الحوثيون ليسوا طرفاً رئيساً في الصراع الدموي في اليمن حسب، بل هم زيادة على ذلك متحالفون مع “صدام الصغير”، وهذا هو اللقب الذي منحه اليمنيون للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي خلعته ثورة الربيع اليمني (2011 – 2012) منذ أن كان في الحكم، فصالح كان تلميذاً نجيباً لصدام حسين.
لو كانت دعوة الوفد الحوثي في إطار مبادرة متكاملة لـ”نظامنا” تهدف إلى السعى للتقريب بين طرفي الصراع في اليمن، بالتوازي مع دعوة مماثلة تُوجّه الى وفد حكومي يمني، لكنّا صفّقنا لذلك مثلما صفق الجميع في المشارق والمغارب لمبادرة طيبة لجيراننا الكويتيين الذين ضيّفوا على مدى أسابيع مباحثات مباشرة بين وفدين يمنيين، حكومي وحوثي، مع أن الكويت جزء من “التحالف العربي” الذي يخوض الحرب إلى جانب الحكومة اليمنية ضد تحالف الحوثيين – صالح.
مبادرة من النوع الكويتي هي التي يمكن أن يكون لها مردود إيجابي، إن لجهة المساعي الرامية لوقف الحرب في اليمن أو لجهة تأمين مصالح الدولة وشعبها، أما “مبادرتنا” فلا حكمة ولو صغرى، ولا مصلحة ولو دنيا، ولا فائدة ضئيلة مرتجاة منها لنا أو لليمن.إنها فقط تستعدي الكثير من اليمنيين علينا وتضرّ بمصالح دولتنا وشعبنا، وإنها فقط في مصلحة وفائدة من يقول إن “نظامنا” تحرّكه العصا الإيرانية.
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...