نادرا ما يرى المرء هذه الأيام ما يعطي الأمل بتقدم الحياة السياسية في الأردن ولو ببطء نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي تحتوي أبناءها وبناتها كافة، من مختلف الاتجاهات المدنية والدينية؛ فتحتفي بهم وتضمن لهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير عن معتقداتهم.
في القرن الواحد والعشرين، ما نزال نعيش زمن الاتفاق على شروط الجلوة، وجواز تعزية غير المسلم، وغيرها من القضايا التي تعداها غيرنا منذ زمن. كم أتمنى لو رأيت مثل هذه النقاشات تأخذ نفس الحيز من الاهتمام لدى مناقشة مواضيع مثل سيادة القانون على الجميع واعتباره المظلة الرئيسة للناس على مختلف مشاربهم.
للمرة الأولى، سمعت كلاما علنيا حول المدنية والديمقراطية في منتهى الجرأة والوضوح بشأن الأهداف التي تسعى القائمة إلى تحقيقها. تكلم أعضاء القائمة عن ضرورة العمل من أجل مواطنة متساوية للجميع؛ نساء ورجالا، مسلمين ومسيحيين، من دون الالتفات للمنابت والأصول. كما كان هناك حديث صريح حول علاقة الانسان بربه، وكونه هو من يجب أن يحدد هذه العلاقة، وليس فرضها عليه أو عليها؛ لا من حيث الشكل أو الأكل أو الشرب أو المعتقد، عملا بالآية القرآنية الكريمة: “لا إكراه في الدين”. وأعجبني مجاهرة العديد من أعضاء القائمة، كما في كلمة إحدى الناشطات الشباب، بحبهم للفن والموسيقى والمسرح، وليس لأحد إنكار هذه النشاطات التي تهذب الروح عليهم. كانت المواطنة المتساوية حاضرة بقوة سواء في الكلمات التي ألقيت، أو في تنوع الحضور.
من حق، بل من واجب هذا التيار المدني الديمقراطي أن يُسمع. ولطالما اعتقدت أن أعدادا كبيرة تؤمن بهذا التيار، ولكنها بقيت ساكتة أو عاجزة عن تنظيم نفسها ضمن أطر تسمح لها بالتعبير عن نفسها. الأعداد التي رأيتها أعطتني الأمل بأن هناك من هو مستعد لإعلاء صوته بضرورة الوصول إلى مجتمع مدني ديمقراطي، من دون خوف أو حياء من هذا الطرح. وهذا تطور إيجابي، وبداية جيدة.
ما أرجوه هو أن يكون سأم هذه المجموعات من طروحات تقليدية لا تلبي حاجاتها، سيدفعها ليس فقط إلى حضور افتتاح مقرات القوائم التي تنادي بهذا الطرح، بل أيضا إلى الذهاب في يوم الانتخابات لصندوق الاقتراع وانتخاب من تشعر أنه ينسجم مع حلمها بالدولة المدنية والديمقراطية. والصفتان متلازمتان؛ فليس المطلوب دولة مدنية من دون أن تكون ديمقراطية، ولا أن تكون ديمقراطية من دون أن تكون مدنية، وإلا فلن نفعل إلا ترسيخ السلطوية من أي جهة كانت.
مساوىء قانون الانتخاب الحالي كثيرة. والعزوف والإحباط الشعبي من المجالس النيابية، مبرران نتيجة القوانين القاصرة، وتغول السلطة التنفيذية على المجالس النيابية. لكن ذلك لا يجب أن يحول دون ذهاب الناس للتصويت، خاصة لقوائم فكرية كقائمة “معاً”، لا تعتمد الأسس العشائرية، بل تنادي بأفكار لن ننجح في الوصول لمجتمعات متقدمة من دونها.
لن يتم التغيير بين ليلة وضحاها. لكنه حتماً لن يتم إن جلس الناس في البيت يوم الاقتراع. التيار المدني الديمقراطي بحاجة إلى إسماع صوته وإثبات قوته.