بكلّ يسر، وبمنتهى السهولة وببالغ السلاسة، ضرب الإرهاب منطقة الكرادة ببغداد مجدداً الليلة قبل الماضية، متحدّياً الدولة بكامل سلطاتها وأجهزتها الأمنية بأجمعها وإجراءاتها “المشدّدة” التي قيل إنها قد اتّخذت منذ تفجير تموز الماضي، وهو الأكبر في هذه المنطقة.
هل كانت الإجراءات الأمنيّة مشدّدة حقّاً؟
كلّ الإجراءات التي تعقب العمليات الإرهابية، ومنها الإجراءات المتخذة في الكرادة في الشهرين المنصرمين، غالباً ما تكون مشدّدة في حق المواطنين العاديين مستخدمي الطرق العامة ومرتادي الأسواق. الأجهزة الأمنية قد أدمنت الركون إلى الحلول الأسهل، وأسهل الحلول أمنياً هي القائمة على إغلاق الطرق والشوارع والأحياء السكنية والتشدّد في إجراءات التفتيش والتسبب في الزحام عند نقاط التفتيش، لكنّ هذه الإجراءات لا تشمل في العادة المسؤولين الحكوميين وسياراتهم وأرتالهم، بل يُستثنى منها أيضاً عناصر الأحزاب المتنفذة (الإسلامية) والميليشيات ومواكبهم التي لا يجرؤ حتى ضباط الجيش والشرطة على إخضاعهم للإجراءات الأمنية المشدَّدة خشية العواقب الوخيمة، الفورية منها والآجلة.
ومن هذا الباب بالذات كثيراً ما يتسرّب الإرهاب وعملياته الدموية المدمّرة إلى أسواق المدن وأحيائها. الإرهاب يمرّ بنقاط التفتيش مُستَقبَلاً بمثل ما يُودّع به من حفاوة وترحاب وتحايا عسكرية، فأنّى لأفراد الجيش والشرطة المرابطين في نقاط التفتيش إيقاف وتفتيش سيارة حكومية، أو تبدو هكذا بزجاجها المعتّم، والأخرى المثيلة المرقّمة أو غير المرقّمة التابعة للقيادات الحزبية والميليشياوية؟ وأنّى لهم إلزام ركّابها بالشعار المرفوع في كل نقاط التفتيش: الكل يخضع للتفتيش؟!
المشكلة مع القيادات الأمنية، ومن خلفها القيادات السياسية، إنها غير راغبة في استعمال هذا الجزء من الجسم البشري المعروف باسم: الدماغ. الدماغ عادة ما يشير إلى الفرد الذي يستعمله على نحو سليم ألّا يجرّب المُجرّب وألّا يعاود الفشل.
قياداتنا الأمنية، ومن خلفها قياداتها السياسية، لا تريد الاقتناع بأنّ عليها تغيير نمط تفكيرها وابتكار طرقاً وأساليب جديدة لحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.
لحلّ المشكل الأمني يجب التخلّي عن كلّ ما هو معتمد الآن وثابت فشله مئات المرات، ووضع نظام أمني جديد يقوم على:
-تسجيل كلّ السيارات والدرّاجات النارية في البلاد وإمهال أصحابها فترة شهر مثلاً للتسجيل، والإعلان عن أنّ عدم التسجيل سيعني مصادرة السيارة أو الدرّاجة واتّهام صاحبها بموجب قانون مكافحة الارهاب.
-اعتماد نظام مراقبة شاملة ودائمة بنشر كاميرات تلفزيونية في كل الشوارع والساحات ومداخل الأحياء السكنية بدلاً من نقاط التفتيش والحواجز وأعمدة الكونكريت التي تسوّر المقارّ الحكومية ومباني المرافق العامة والأحياء السكنية. هذا النظام من شأنه التعرّف على مسارات السيارات المفخخة وواضعي العبوات الناسفة.
-تعزيز هذه الإجراءات بنظام الكشف عن المتفجرات بواسطة سيارات السونار الثابتة والمتحركة.
-منح السلطات الامنية كلّ الصلاحيات اللازمة لإخصاع حتى كبار المسؤولين ومواكبهم للإجراءات الأمنية، شأن سائر الناس، ووقف كلّ معاملة مميّزة أو استثناء للقيادات والعناصر الحزبية والميليشياوية.
إنّ نظاماً يقوم على هذه العناصر سيكون أكثر فعالية وأقلّ كلفة، مالياً، من النظام الحالي المعتمد على نقاط التفتيش التي لم تثبت أيّما فعالية في مكافحة الإرهاب.
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...