في العاشر من أيلول/سبتمبر، أبرم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف اتفاقاً لإعادة العمل في هدنة “وقف الأعمال العدائية” التي تمّ التوصّل إليها في شباط/فبراير الماضي، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في سوريا، لا سيما حلب – أكبر مدينة في البلاد. وقد وافقت واشنطن على إنشاء “مركز التنفيذ المشترك” المثير للجدل بالتعاون مع الجيش الروسي – إذا تمكَّن الفريقان من تطبيق هذه الشروط والالتزام بها لمدة سبعة أيام – وذلك من أجل استهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات المتمردين المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة».
ولم يُكشف بعد عن نصّ الاتفاق على الملأ، وهو الذي جاء بناءً على طلب واشنطن وفقاً لما قاله لافروف في 13 أيلول/سبتمبر. وأضاف أن الاتفاق الذي يضم خمسة أجزاء لا يجب أن يُنشر فحسب، بل يجب توثيقه أيضاً في قرار جديد من قبل مجلس الأمن الدولي. وبعد مراجعة انتهاكات هدنة “وقف الأعمال العدائية” من قبل الجانبيْن في 14 أيلول/سبتمبر، أعاد كلّ من كيري ولافروف تحديد الإطار الزمني، حيث أعلنا تمديد “وقف الأعمال العدائية” لثمانٍ وأربعين ساعة إضافية وأشارا إلى إمكانية إقامة “مركز التنفيذ المشترك” في 21 أيلول/سبتمبر على أقرب تقدير.
ويكمن الهدف الأمريكي من المفاوضات في الاستفادة من رغبة روسيا الكبيرة في التعاون العسكري من أجل انتزاع تنازلات. وعلى وجه الخصوص، من المتوقع أن تمارس موسكو حالياً ضغوطاً على نظام بشار الأسد لإعادة العمل في هدنة “وقف الأعمال العدائية” والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، على أن يكمن الهدف النهائي في استئناف المفاوضات السياسية التي ستؤدّي إلى إنهاء الحرب وإبقاء سوريا بلداً واحداً.
وعلى الرغم من السرية، برزت تفاصيل من الاتفاق تكفي للحكم على فعاليته وعلى الأسس التي سيُبنى عليها “مركز التطبيق المشترك”:
إعادة العمل في هدنة “وقف الأعمال العدائية”. يمثّل تطبيق “وقف الأعمال العدائية” الاختبار الحاسم الرئيسي لقابلية استمرار الاتفاق. وعلى الرغم من أن التفاصيل الرسمية للآلية الواجب اتّباعها لتحقيق ذلك لا تزال غير واضحة، إلا أنه تمت الإشارة إليها باختصار وبصورة جزئية في رسالة باللغة العربية أرسلها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا مايكل راتني، إلى فصائل المعارضة السورية. ولفت مسؤولون إلى أن القاعدة العامة التي سيتمّ استخدامها لقياس مدى الالتزام تنصّ على تقليص وتيرة أعمال العنف إلى مستويات سُجلت للمرة الأخيرة في أعقاب التطبيق الأول لهدنة “وقف الأعمال العدائية” في مطلع آذار/مارس، عندما ادّعى مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية أن الأعمال القتالية “تراجعت بنسبة 90%”. غير أنه من الصعب تحديد عدد الوفيات الدقيق المسجل خلال تلك الفترة، لكن وفقاً لمصادر مختلفة ناهز عدد القتلى في شهر آذار/مارس 600 شخص.
ووفقاً لمحادثات خاصة مع بعض المسؤولين، استخلصت وكالة “أسوشيتد برس” عدداً من الشروط التي لا بدّ من تطبيقها والالتزام بها لمدة سبعة أيام متتالية لكي يؤتي الاتفاق ثماره ويحقّق هدفه. وتشمل التفاصيل الرئيسية من رسالة المبعوث راتني واستنتاجات الوكالة ما يلي:
· اعتباراً من الثاني عشر من أيلول/سبتمبر، يتوجّب على قوات النظام والمعارضة وقف كافة الهجمات بواسطة أي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي، والصواريخ، وقذائف الهاون، والصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات.
· لا يجب أن يحاول أي من الطرفيْن كسب أراضٍ جديدة.
· يتعيّن على النظام والمعارضة ضمان وصول المساعدات الإنسانية بصورة سريعة وآمنة ومستمرة وخالية من العوائق إلى كلّ من يحتاج إليها.
· في الحالات التي تتطلّب دفاعاً عن النفس، يجب استخدام القوة المتناسبة.
· يجب تجميد حركة القوات في الراموسة الواقعة جنوب حلب. (تم تقويض هذا الشرط من واقع استعادة قوات النظام لأراضٍ في هذه المنطقة).
إدخال المساعدات الإنسانية. تدّعي واشنطن أنه لا يمكن إبرام أي اتفاق مع روسيا من دون إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والوصول إليها، لا سيما حلب. يُذكر أنه في تموز/يوليو، طوّق النظام وحلفاؤه المدينة، ولكن بعد فترة وجيزة تم كسر ذلك الحصار من خلال عمليات قادتها «جبهة فتح الشام» التي كانت تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، بعد فك ارتباطها بـ تنظيم «القاعدة». وقد كشف تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” تفاصيل عن عدد من الشروط المتعلقة بنقاط الدخول إلى هذه المناطق:
· ستعمد منظمة “الهلال الأحمر العربي السوري” شبه الحكومية إلى إقامة وإدارة اثنين من نقاط التفتيش على طريق الكاستيلو، الذي يُعتبر الشريان الرئيسي لحلب، بحيث لا يكون فيهما أكثر من عشرين عنصراً مسلّحاً (من غير الواضح ما إذا كان ذلك يعني أن كل نقطة ستضم عشرين عنصراً). وسيتم تحديد الترتيبات الأمنية بموافقة مشتركة بين قوات النظام والمعارضة وبإشراف الأمم المتحدة.
· يجب على قوات النظام سحب عناصرها وأسلحتها الثقيلة وأي أسلحة أخرى بعيداً عن طريق الكاستيلو. وفي بعض المواقع، لا بدّ من سحب الدبابات والمدفعية وقذائف الهاون إلى مسافة لا تقل عن 3.5 كيلومترات (نحو 2 ميل). وفي أماكن أخرى، يتعيّن على الجنود الذين بحوزتهم أسلحة أخفّ حملاً التراجع إلى مسافة لا تقل عن 500 ياردة من الطريق. وترتبط متطلّبات أخرى بالرشاشات ومراكز المراقبة التي يحتاج تشغيلها أكثر من عنصر واحد.
· يتعين على قوات المعارضة الانسحاب من طريق الكاستيلو أيضاً، شرط أن يكون تراجعها في عدة مواقع موازياً من حيث المسافة لانسحاب قوات النظام. ففي شرق الطريق، سيتوقّف انسحابها على تحركات القوات الكردية. فإذا تراجع الأكراد إلى مسافة 500 ياردة، يجب على قوات المعارضة أن تحذو حذوها. أما المتطلبات الأخرى التي يفرضها الاتفاق فتتعلق بالأسلحة الثقيلة بما فيها مركبات المشاة القتالية والدبابات والمدافع الرشاشة التي يحتاج تشغيلها أكثر من عنصر واحد.
· يتعيّن على المعارضة بذل قصارى جهودها لمنع المسلّحين التابعين لـ تنظيم «القاعدة» من التقدّم باتجاه المناطق المنزوعة السلاح.
· يجب أن تتاح لجميع السوريين، بمن فيهم قوات المعارضة، القدرة على مغادرة حلب عبر طريق الكاستيلو، مع أسلحتهم. وعلى المقاتلين تنسيق عمليات الخروج المماثلة مع مسؤولي الأمم المتحدة مسبقاً.
فصل المعارضة عن تنظيم «القاعدة». وفقاً لرسالة راتني، يتعيّن على مقاتلي المعارضة فصل أنفسهم عن «جبهة فتح الشام» فوراً. وغالباً ما تسمّى هذه العملية “فكّ الترابط”، في إشارة إلى الخرائط التي تُظهر تداخل قوات المعارضة مع الجماعات المتطرفة وتبدو كخطوط عروق الرخام. وتفيد بعض التقارير أن الولايات المتحدة وروسيا وضعتا خرائط استخباراتية لمواقع تواجد قوات المعارضة و«جبهة فتح الشام» حالياً.
وجاء في الرسالة أنه يتعيّن على المعارضة تجنّب التعاون مع «جبهة فتح الشام» وإلا فسيكون لذلك عواقب وخيمة. كما أشارت إلى أنه يمكن لقوات المعارضة الدفاع عن نفسها ضدّ الهجمات، لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك يسري على الهجمات التي تشنّها «جبهة فتح الشام» فقط، أم تلك التي يشنها النظام وحلفاؤه أيضاً (أي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مثل «حزب الله»).
الحكم على الإتفاق ومراوغته
يُعتبر إصرار كيري على إبقاء نصّ الرسالة سرياً وسيلةً لتجنّب منح «جبهة فتح الشام» وتنظيم «الدولة الإسلامية» إشعاراً مسبقاً بشنّ أي عمليات محتملة ضدّهما. لكن في الوقت نفسه من المرجّح أن يكون البيت الأبيض وكيري بصدد وضع نفسيْهما في مصاف قضاة الامتثال في النهاية – علماً بأن تكتيكاً مماثلاً استُخدم وحقّق نجاحاً في الفترة التي سبقت التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. ونظراً إلى نداءات كيري المتكرّرة حول “ما هو البديل” [المطروح أمامنا]؟” – وهو تكتيك غريب نظراً لأن كيري قد ميّز نفسه بأنه من دعاةعدة “خطط بديلة” تتعلق بسوريا خلال هذا العام وحده – فقد تسعى الإدارة الأمريكية إلى المراوغة [فيما يتعلق بالالتزام] في محاولة للحفاظ على ماء الوجه. غير أنه ليس هناك شك بأن كيري يعلم أن هذا الأمر سيكون بمثابة ممارسة لخداع الذات حيث أفادت بعض التقارير أنه يدرك بأن عدداً أكبر من العوامل المحرّكة والجهات الفاعلة يؤثّر على الاتفاق السوري مقارنةً بالاتفاق الإيراني. ويبدو أن لافروف يفهم هذا الأمر أيضاً نظراً إلى طلبه المفاجئ بجعل هذا الاتفاق علنياً. وفي حين قد تكون المحافظة على سرية الاتفاق سبيلاً للبدء بتطبيقه، إلا أن إقناع الأطراف المشاركة بتنفيذ بنوده ومحاربة الإرهاب وإنهاء الحرب سيتطلّب قدراً أكبر من الشفافيةً من جانب واشنطن – لا سيما فيما يتعلق بمستقبل الأسد.
*أندرو تابلر هو زميل “مارتن جي. غروس” في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.