في 26 أيلول/سبتمبر جرت مناظرة بين المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. وبصرف النظر عن التشدق والهجمات والإهانات التي تخللت نقاشهما، كانت المناظرة كالقصة القديمة والمعروفة عندما تعلّق الأمر بقضايا الشرق الأوسط: التطرق من جديد إلى الخلافات حول حرب العراق (2003)، انسحاب القوات من تلك البلاد (2011)، والاتفاق النووي مع إيران (2015). وعلى الرغم من أهمية إيضاح هذه القضايا، إلا أنه لم تكن هناك للأسف مناقشة تُذْكر حول القضايا الملحة التي من المؤكد أن الرئيس القادم سيواجهها في يوم التنصيب.
وتشمل هذه:
سوريا. كانت الثغرة الصارخة في السياسة الخارجية خلال المناظرة هي إغفال شبه كامل للتحدي الإنساني الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً في العالم. ففي الوقت الذي تسقط فيه القنابل الروسية والسورية على المدنيين في حلب، لم يقدم المرشحان أي تلميح بأنهما سيتخلان عما يمكن تسميته بسياسة “اللامبالاة الاستراتيجية” التي ينتهجها الرئيس أوباما، واتِّباعَهُما نهجاً أقوى يهدف إلى خلق توازن استراتيجي على الأرض من أجل إجبار “محور موسكو – طهران – دمشق” على التفاوض حول حل سياسي.
تنظيم «الدولة الإسلامية». فيما يتعلق بالقتال ضد تنظيم «داعش»، ردد كلا المُرشّحيْن العبارات المعروفة من الخطب الدعائية. وعموماً، كانت كلمات هيلاري كلينتون حول هزيمة التنظيم أكثر تفصيلاً بكثير من تلك التي قالها دونالد ترامب. فقد شملت دعم الحلفاء الأكراد والعرب، والتركيز على استهداف قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية»، واتخاذ سلسلة من الإجراءات (تحرير الموصل بحلول نهاية عام 2016، ثم التركيز على الضغط على التنظيم في الرقة)، جنباً إلى جنب مع تعزيز الدعم الجوي الذي تقدمه الولايات المتحدة ولكن دون مشاركة قوات برية أمريكية. ومن جانبه، لم يذهب ترامب إلى ما هو أبعد من الالتزام بعمل عسكري واسع النطاق ضد تنظيم «داعش»، ولكنه انتقد مجدداً إدارة أوباما لسماحها ببروز التنظيم من خلال اتخاذها خطوات متعجلة لسحب القوات الأمريكية من العراق وسوء تعاملها مع ليبيا. ومع ذلك، لم يتطرق أياً من المُرشّحيْن، إلى ما يعتقد معظم الخبراء أنه التحدي الأكثر خطورة وهو – ما الذي يجب القيام به في اليوم التالي بعد تحرير الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكي لا تصبح قاعدة للجيل التالي من الجهاديين السنة المتطرفين.
إيران. قضى كل من ترامب وكلينتون وقتاً طويلاً “تبارزا” خلاله حول الحكمة من وراء الاتفاق النووي الإيراني، وشمل ذلك تصريحات ترامب بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال مستاءً من هذا الاتفاق. ومع ذلك، لم يقترح المرشح الجمهوري أي بديل محدد للاتفاق القائم، بينما لم تقدم المرشحة الديمقراطية مقترحات مفصلة للتصدي لـ نجاح طهران في الاستفادة من الاتفاق لبسط النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة.
الحلفاء. بعد مرور خمسة وسبعين دقيقة من ابتداء المناظرة، أشارت كلينتون إلى نقطة يتم تجاهلها ولكنها مهمة وهي تعزيز التحالفات في الشرق الأوسط كجزء من الاستراتيجية لمواجهة الأعداء المشتركين. وبعد ذلك، قدمت تعهداً مرحباً به، بنظرها مباشرة إلى الكاميرا، يتعلق بالوفاء بالالتزامات تجاه حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. بيد، ومع إشارة خاصة إلى منطقة الشرق الأوسط، لم يتابع أياً من المُرشّحيْن ما ذكراه ولم يعرضا أي تفاصيل حول كيفية تحقيق ما هو مؤكد أن يكون موضوع سياسي رئيسي يميزهما عن التركيز الملحوظ للرئيس أوباما على “التواصل مع الخصوم أكثر من تعزيز الشراكات مع الحلفاء”.
الفرص الضائعة. من المثير للاهتمام، أن أياً من المُرشّحيْن لم يستغل الفرصة لكسب بعض النقاط فيما يتعلق ببعض المواضيع السياسية التي تحظى بشعبية في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، كان بإمكان كلينتون أن تنأى بنفسها عن أوباما من خلال ذكر دعمها لمشروع قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب“ (JASTA)، الذي من شأنه أن يرفع الحصانة الدبلوماسية عن المملكة العربية السعودية بتهمة التواطؤ في هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وقد عطّل أوباما مشروع القرار باستخدامه “الفيتو”، ولكن كلينتون أيدته. ومن جانبه، لم يكرر ترامب وعده بالإعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل، وهو موضوع أساسي للطامحين للرئاسة من الحزب الجمهوري منذ فترة طويلة. وعلى نطاق أوسع، لم ينتقد المرشح الجمهوري السيدة كلينتون على دورها في الإدارة الأمريكية [السابقة] والذي وفقاً لوجهة نظر الجمهوريين وغيرهم من النقاد تمثّل بالتحفظ تجاه إسرائيل والابتعاد عنها. وكل ذلك على الرغم من أن التوقيع على «مذكرة تفاهم» بين الولايات المتحدة وإسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر، تقدم بموجبها واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار، كان سيبعد كلينتون عن خط الهجوم هذا.
وبطبيعة الحال، أن موضوع الأمن القومي – الذي يشمل الشرق الأوسط – كان مجرد إحدى عدة مواضيع تم التطرق إليها في المناظرة. وسوف تكون أمام المُرَشّحيْن فرصة أخرى لبحث المواضيع المعروضة على جدول الأعمال، بدلاً من إعادة صياغة خلافات الماضي، عندما يواجهان أحدهما الآخر في مناظرتيهما المقبلتيْن.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.