سواء حصل وزير النقل كاظم فنجان الحمامي ” فيلسوف الجنّ والإنس ” على جائزة الدولة للإبداع في علم الآثار ، عن اكتشافه أنّ مدينة الناصرية انطلقت منها أول مركبة فضائية قبل خمسة آلاف عام ، أو انضمّ حديثه إلى قائمة الخزعبلات والخرافات التي انتشرت في السنوات الاخيرة ، سواء من قبل شيوخ يُسيئون إلى جوهر الإسلام من خلال بثّ الخديعة والكذب ، أو سياسيين ومسؤولين يحاولون خداع الناس بأن يحاولوا صرف أنظارهم عن الحقيقة، ليستبدلوها بمنطق الخرافة، ، فالمؤكد أنّ علاقتنا بـ” الخرافة ” لن تعود كما كانت أبدا، ليس فقط لأننا سنتذكر الوزير الحمامي كلما شاهدنا فيلماً من أفلام الخيال العلمي ، بل لأنّ الخرافة ، كما الجهل والانتهازية والخيعة ، ستُصبح سمة ومنهجاً للعراق الجديد .
في مشهد سيحتار التاريخ امامه طويلا، يقف الرجل النحيل الذي أخبرنا ذات يوم أنه كان على متن سفينة نوح ، أمام صفّ من المواطنين الذين كانوا يأملون أن يخُبرهم كيف استطاعت الصين أن تضع على السكة قطاراً يقطع المسافة بين الناصرية وبغداد بربع ساعة فقط لاغير ، لكنّ الوزير فرد ذراعيه، ليقول:” ثقوا أننا هزمنا العالم قبل 5 آلاف سنة ، ولم ولن نؤمن بوسائل المواصلات الحديثة ، ولن نستبدل المركبة الفضائية بطائرات بوينغ ” استعمارية ” ولا الملائكة السومريين بنظام مواصلات متطور وحديث ، أنا أعرف أنّ ما أتحدث عنه لا يعلمه الكثير من الناس، وأقول لكم، ” الإمبريالي ” صاموئيل كريمر كان يغار منّا حين لم يعرف جيداً أنّ الملائكة كانت وسيلة اتصال بين سكّان الناصرية والعالم الخارجي ”
سمعتُ ما قاله الوزير ، فتحسّرت على كتّاب الكوميديا في العراق الذين لن يكون لهم مستقبل في كتابة مسلسلات ساخرة بعد اليوم ، إذا كنا نملك مثل هذا المؤلف البارع !
منذ أن قال المتنبي ياأُمة ضحكت من جهلها الأُمم ، والعراق يبهر العالم بمُضحكاته المُبكيات، لكنَّ نكتة الحمامي تفوقت على ما قبلها وما بعدها ،
ثلاثة عشر عاماً من الخرافة والتغييب الكامل للعقل ، تحوّل فيها العراق كلّه إلى وكر لممارسة الشعوذة .
يُدرك ساستنا ومسؤولونا ، منذ اليوم الأول لظهورهم على شاشات الفضائيات ، أنّ العقل والوعي هما العدوّان اللدودان لمشروعهم التجهيلي ، فقرروا أن يحشدوا كلّ قواهم للحرب على هذا الخصم الشرير، لذلك، المسألة في العراق اليوم أعقد من كائنات الحمامي الفضائية . المسألة أن جوهر السياسة في العراق يلخصه مشهد ظهر في لقاء الوزير حين قال لمستمعيه :” ان ما يتحدث به لايعلم به حتى المؤرخون ” ولهذا سنظل نحن، حيث نحن، لأننا اكتفينا باساطير سومر وبابل . والدنيا ليست اساطير . ولا هي جنائن معلقة ولا مسلة حمورابي . ولا حكايات السندباد. هناك عالم يتطور بين ثانية واخرى ، وعلاقتنا الوحيدة به هي الاستماع الى ” جنجفة ” الشيخ صباح شبر.