بدأت الخطط تتسرب، شيئاً فشيئاً، حول المعركة الوشيكة للقضاءعلى ما يُسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») في الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. ففي هذا السياق، قال مايكل فالون، وزير الدفاع في المملكة المتحدة، إنه تم وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقيات التعاون العسكري في 23 أيلول/ سبتمبر، مشيراً إلى أن “عملية التطويق ستبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة” من أجل تحرير الموصل “في الأشهر القليلة المقبلة”. ومن جهته، ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أبعد من ذلك، وتكرّم بتحديد موعد بدء الهجوم في 19 تشرين الأول/ أكتوبر.
أما المؤكد هنا فهو أن عملية تحرير الموصل ستكون متعددة المراحل. أولاً يجب إنشاء قاعدة لوجستية للعملية في قاعدة القيارة الجوية، وهي عبارة عن مرفق يقع على بعد 40 ميلاً (60 كلم) جنوب الموصل استولت عليه “قوات الأمن العراقية” في أوائل تموز/ يوليو. ومنذ ذلك الحين، تم تجديد القاعدة الجوية لتمكين هبوط طائرات الشحن، الأمر الذي سمح بنقل الذخيرة والوقود والمؤن جواً مباشرة إلى الخطوط الأمامية بدلاً من نقلها بالشاحنات من المستودعات العسكرية العراقية بالقرب من بغداد والتي تبعد 185 ميلاً (298 كلم) جنوباً.
وقد تم نقل حوالي 560 مستشاراً عسكرياً أمريكياً إلى القيارة لتقديم المشورة والمساعدة في الهجوم. كما تم وضع أنظمة مدفعية أمريكية وفرنسية بعيدة المدى، إلى جانب مدافع “هاوتزر” متنقلة قادرة على بلوغ نصف المسافة باتجاه الموصل مع قاذفات صواريخ قادرة على ضرب المدينة نفسها، وذلك بأقل من 20 ثانية وبدقة كبيرة.
عزل المدينة
تشكل القيارة أيضاً نقطة تجمّع للقوات العراقية التي ستحرر الموصل. وتتألّف هذه القوات بشكل أساسي من قوات الجيش العراقي التي تم تجنيدها من جميع أنحاء البلاد لتشكل وحدات وطنية متعددة الأعراق والطوائف. فهناك حوالي 11 لواءً للجيش والقوات الخاصة العراقية المستعدة للهجوم ويبلغ عدد كل منها نحو 2000 جندي.
إلى جانب ذلك، هناك خمس وحدات إضافية من قوات الشرطة القبلية أو شبه العسكرية المستعدة للهجوم أيضاً، وتضم حوالي 6000 جندي معظمهم من العرب السنة من منطقة الموصل الأوسع نطاقاً. كما أن قوات “البيشمركة” الكردية وعدداً قليلاً من وحدات الشرطة شبه العسكرية المدعومة من الأكراد والتي تحرسها الأقليات الصغيرة (المسيحيين والكاكايين) تطوّق الموصل من شمال شرق المدينة وستطبق الحصار عليها من ذلك الجانب.
هذا ويبدو أنه تم إعداد صيغة للسماح لمتطوعي الأمن من جنوب العراق المأهول بالسكان الشيعة بتقديم دعم غير مباشر للمعركة من دون إثارة قلق سكان الموصل بغالبيتهم السنية. وسيتم استخدام هؤلاء المتطوعين [المنضوين تحت لواء] «قوات الحشد الشعبي» لتأمين المناطق والطرق الريفية الخاوية جنوب القيارة وغرب الموصل، ولكنها لن تلعب دوراً في المعركة في قلب المدينة.
الضغط من جهة الصحراء
ستشمل المرحلة المقبلة من المعركة تقدماً متعدد الجوانب باتّجاه ضواحي الموصل. ومن المرجح أن يأتي المحور الرئيسي [للهجوم] عن طريق الطريق السريع الذي يربط بغداد بالموصل على الضفة الغربية لنهر دجلة، وسيتوقف عند الوصول إلى المشارف الجنوبية لمدينة الموصل.
كما من الممكن أن يندفع طابور آخر غرب الموصل وإلى الصحراء على طول طرق ومسارات خطوط الأنابيب لإغلاق المدينة من ذلك الاتجاه ومنع تنظيم «الدولة الإسلامية» من استقدام التعزيزات أو الفرار إلى سوريا. وقد تزحف مجموعة أخيرة من القوات إلى الموصل على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وذلك بهدف الوصول إلى الجانب الشرقي من المدينة.
وستشكّل هذه المرحلة معركة كرّ وفرّ: ففي يوم واحد سيتم اكتساب 10 أميال (16 كم) بسهولة، وفي يوم آخر سيدور قتال شرس في معقل من معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» أو سيتم التوقف عن القتال لكي يتم إحضار الإمدادات. كما سنشهد تدفق “قوات الأمن العراقية” و «وحدات الحشد الشعبي» عبر الصحراء في مواكب كبيرة من المركبات، وسيتخلّل ذلك أيام من الضربات الجوية للقضاء على مقاتلي التنظيم المتعنتين. وبحلول موعد الانتخابات الأمريكية في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، من المرجح أن تكون أطراف الموصل قد رُبطت في نقاط متعددة.
مخاوف المدنيين
من المرجح أن تبدأ المعركة الرئيسية خلال تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر. أولاً سيتم إنشاء قاعدة عمليات جديدة يمكن تحصينها في منطقة بالقرب من المدينة، مثل مطار الموصل الواقع جنوباً. وسيعطي ذلك “قوات الأمن العراقية” وقوات التحالف مكاناً لاتخاذه مقراً وتخزين الإمدادات والمدفعية.
وسيشكل موضوع المدنيين عاملاً صعباً بالنسبة للقوات العراقية وقوات التحالف. فربما لا يزال هناك حوالي 700 ألف شخص في الموصل، مما يشكل أكبر وجود للسكان المدنيين خلال معركة تحرير مدينة في حرب العراق ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وبينما تطوّق قوات التحرير محيط المدينة، سيبدأ النازحون بالخروج بأعداد هائلة بمجرد أن يفقد تنظيم «داعش» قدرته على منعهم من الخروج. وهذا العامل هو أحد الأسباب التي قد تجعل قوات التحالف تتردد في الاقتراب من الموصل قبل أن تكون على استعداد لفرض سيطرتها على المدينة كلها: ومن المفضّل بقاء مدنيي الموصل في مكانهم والاحتماء أثناء القتال. إن إبقاء المدنيين بعيداً عن الشوارع سيسمح أيضاً بشن ضربات جوية أكثر دقّة تركز على مركبات التنظيم ومقاتليه.
انهيار سريع؟
منذ عدة أشهر كان التحالف يراقب بشكل مكثف مدافعي تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويحدد أنماط تحركاتهم ودفاعاتهم. لذلك سيتم تسريع الضربات الجوية في الأماكن التي يرغب التحالف في اختراق دفاعات التنظيم. إلى جانب ذلك، سيتم استهداف قادة التنظيم بشكل مركز لتعطيل قدرة «داعش» على شن عمليات دفاعية متماسكة.
لكن في نهاية المطاف، قد لا يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» بقوة في معظم مناطق مدينة الموصل. فالمنطقة الحضرية أكبر بكثير من أي منطقة حاول الدفاع عنها من قبل: إذ تبلغ حوالي 10 أميال (16 كلم) عرضاً و10 أميال (16 كلم) طولاً مع محيط يبلغ 30 ميلاً (48 كلم)، أي ضعفي المساحة التي دافع عنها التنظيم في الرمادي.
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يختار مقاتلو تنظيم «داعش» الذين يبلغ عددهم ما بين 2000 و 3000 عنصر اثنين من الأحياء للدفاع عنهما بقوة. ويشكل مركز الحكومة في غرب الموصل مكاناً رمزياً، وبالتالي لا يمكن إعلان تحرير المدينة إلى أن تتم استعادته. أضف إلى ذلك أن المدينة القديمة مليئة بالشوارع الضيقة التي لا يمكن لقوات الأمن أن تستخدم فيها المركبات المدرعة أو القصف المدفعي أو الجوي بسهولة.
وعندما تنهار هذه الجيوب الدفاعية، وقد تنهار بسرعة مذهلة، كما سقطت عندما تم تحرير الفلوجة في غضون ثلاثة أسابيع في حزيران/ يونيو، ستبدأ مرحلة الاستقرار النهائي في العملية. عندئذ لا بد من التمييز بين المقاتلي الفارين لتنظيم «الدولة الإسلامية» وبين النازحين، كما سيكون من الضروري إرساء القانون والنظام بسرعة ولكن بشكل إنساني. وسيتبين أن هذه المهام أكثر صعوبة من المعركة نفسها.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.