رحل عن عالمنا شيخ المخرجين التلفزيونيين العراقيين عمانؤيل رسام بهدوء ومن دون ضجيج إعلامي، كأنه يصر بتواضعه، حتى في موته بعيداً من الموصل التي ولد فيها وبغداد التي أبدع لها، على المضي في الأسلوب ذاته الذي اختاره لعيش حياته، بعيداً من الأضواء، مختبئاً خلف اسمه المستعار (ع. ن. ر).
من «عجائب» بساطته أنه لم يظهر في أي لقاء تلفزيوني خلال عمله في حقل الإخراج التلفزيوني والدرامي ما يقارب نصف قرن، سوى مرة واحدة مع ميسم سعدي على قناة «الشرقية» بعد سنوات على مغادرته العراق، إلى كندا عام 2006. حيّر اسمه الجمهور العراقي، فهم لم يألفوا الاختصار في الأسماء على الشاشة الصغيرة أما بالنسبة إليه فكان تندراً أحبه فيما بعد وقبل به عنواناً شخصياً رافق مسيرته الفنية التي بدأت في أواخر الخمسينات ومن بين أكثر محطاتها شهرة كانت تمثيلية، «تحت موس الحلاق» وشخصياتها الخالدة، حجي راضي وعبوسي. فمع مضي أكثر من خمس عقود على عرضها ما زال العراقيون يحبون مشاهدتها حتى اللحظة ويحفظون مقاطع منها عن ظهر قلب!
في المقابلة التلفزيونية «اليتيمة» تحدث عنه الفنانان يوسف العاني ومحمد شكري جميل برقة وحب. وصف العاني العمل معه بالمتعة مع امتلاء بالسعادة كلما عرض عليه «عمو» نصاً درامياً جديداً. أطلقوا عليه كما يقول اسم «عمو» رغم صغر سنه لما فيه من روح رعاية واهتمام بالعاملين معه كأنهم أولاده، كما لاحظ المخرج السينمائي شكري جميل نباهته، يوم درسه في أكاديمية الفنون الجميلة وعلى المستوى التطبيقي وضعه بين «المخرجين التحليليين».
عشق «ع. ن. ر» التلفزيون وأبدع فيه. اختار البساطة أسلوباً إخراجياً، وأدخل على الدراما عناصر حيوية وتقنية مستحدثة كتعدد الكاميرات والتصوير المستمر والطويل، على عكس ما كان سائداً وقتذاك من تجزيء للمشهد الواحد.
عمق المحتوى الدرامي والتقني للمسلسل التلفزيوني وتجربته في «النسر وعيون المدينة» مثال مشرق عليها في تاريخ الدراما العراقية، كما نقل في «ألبوم الذكريات» جزءاً من حياة عائلته إلى الدراما ليكون بين القلة التي تجرأت على فعل ذلك!
تولى مسؤوليات في حقله، لكنه ظل بعيداً من السياسة مترفعاً عليها ومع هذا كانت ممارسات بعض مسؤولي حقبة أواخر السبعينات سبباً في مرض قلبه، حين قطعوا برعونة مقاطع طويلة من عمل تلفزيوني أحبه، فدمروه ودمروا قلبه الطيب معه.
منجز (ع. ن. ر) جدير بالتوثيق، فهل من متطوع للقيام بالمهمة؟