أكان الذين اختطفوا الزميلة الصحفية المعروفة أفراح شوقي واحدة من عصابات الجريمة المنظمة كثيرة العدد وكبيرة العدّة في العراق، أم واحدة من الميليشيات المتستّرة ببرقع الدين والمذهب، وما أكثر عددها وأعظم عدّتها وما أطغى نفوذها، فان عملية الاختطاف ينبغي أن تُفسّر بأنها عمل ضد الحكومة والدولة أكثر من كونها اعتداءً روتينياً على حرية التعبير من تدبير من ضاق ذرعاً بالنقد الموجّه الى مواقفه وسياساته فحسب.
أفراح شوقي صحفية جريئة، بمقاييس هذا الزمان الذي لم يختلف كثيراً في الجوهر عن زمان الدكتاتورية الصداميّة، ومن لديه شكُ ليقارن بين عدد الكتّاب والصحفيين الذين اضطُهِدوا في ذلك الزمان ونظرائهم المضطهدين، ملاحقةً عبر القضاء واختطافاً وقتلاً، في عهد النظام الحالي، ليس فقط على أيدي داعش والقاعدة وسواهما من منظمات الإرهاب، وإنما أيضاً على أيدي القوات الحكومية، زمن الحكومة السابقة، والميليشيات زمن الحكومة السابقة والحكومة الحاليّة.
لم تعمل أفراح، وهي تنتقد سياسات ومواقف، من خلف الحجب او في الظلام … كانت تمارس حقها المكفول في الدستور كمواطنة وكصحفية في نقد المظاهر السلبيّة في نشاط الدولة والقائمين عليها سابقاً ولاحقاً، بما في ذلك التواكل في مكافحة الفساد الإداري والمالي والتقاعس عن كبح جماح الميليشيات والعصابات والعجز عن فرض القانون وحفظ النظام العام.. دافعُ أفراح كما غيرها هو التطلّع لقيام دولة محترمة ذات إرادة وقرار في عراقنا. وكانت أفراح تقول كلمتها في وضح النهار عبر الصحف والمجلات التي عملت فيها وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل فإن الذين لم يكن يروق لهم ما تقوله أفراح من كلام صريح ويتحسسون منهم لأنه يعنيهم في المقام الأول، اختاروا أن يواجهوها من خلف الحجب ملثّمين متجاوزين على قوانين الدولة وأعراف المجتمع.
لن نحتاج الى ضرب الأخماس بالأسداس لنخمّن مَنْ يكون وراء عملية اختطاف أفراح شوقي ومَنْ ذا الذي نفّذها.. إنهم الذين نعرفهم ممن عملوا على مدى السنتين الماضيتين على إسقاط حكومة العبادي والوقوف في وجه الإصلاحات السياسيّة والإدارية التي طالب بها الشعب في تظاهراته، وسعوا لعرقلة تحرير المناطق التي سُلّمت تسليماً الى داعش الإرهابي . إنهم الذين لا يبالون حتى لو انهارت أركان الدولة وتلاشت كلّ علامة لوجودها وسلطانها وهيبتها، فالمطلوب أن تبقى ضعيفة حتى يعود ” الفرسان” إليها.
ليس اختطاف أفراح شوقي فريداً من نوعه، فالصحفيون كانوا طيلة السنين الماضية من أهم الاهداف للمنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظّمة والميليشيات، والهدف منع الصحفيين والمثقّفين من أن يكونوا الشوكة الحادّة في حلوق الفاسدين والإرهابيين وطلّاب السلطة.
لا يجب أن ندع خاطفي زميلتنا يهنأون بفعلتهم.. نحن جميعاً سنكون الأهداف التالية.
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...