في الهجوم الذي شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في منتصف كانون الأول/ديسمبر وما أعقبه من ملاحقات في بلدة الكرك جنوب الأردن، سقط سبعة عشر شخصاً وأصيب أربعة وثلاثون آخرون بجراح في إشارة إلى الارتفاع الكبير في النشاط الإرهابي داخل المملكة خلال العام الماضي. فما بين الاعتداءات وعمليات الاعتراض، قُتل نحو ثلاثين مدنياً أردنياً في عام 2016، بالإضافة إلى ثلاثة جنود أمريكيين وسائحة كندية. وفي المقابل، تشير البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى وقوع عمل إرهابي واحد على الأراضي الأردنية في عام 2015 (علماً بأنه تم إحباط مخطط واحد كبير على الأقل لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في ذلك العام).
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يبقى الأردن بمثابة جزيرة تنعم بالاستقرار في منطقة مضطربة، وحليفاً أساسياً في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن في غياب أي بصيص أمل بانتهاء الحرب في سوريا أو تداعياتها الإرهابية في المستقبل القريب، يَعِد عام 2017 بتحديات أكبر أمام الجهود الأردنية لمكافحة الإرهاب، وهذا صراع له تبعات سياسية محتملة على القصر الملكي.
عام من المؤامرات
طوال عام 2016، تكررت تقارير الصحافة الأردنية عن اعتقالات ومحاكمات وسجن مقاتلين إسلاميين متشددين، سواء من السكان المحليين أو من المواطنين السوريين. والخبر الأبرز هو قيام قوات الأمن في مدينة إربد شمال الأردن بقتل سبعة إرهابيين من تنظيم «الدولة الإسلامية» في آذار/مارس، يُدّعى أنهم كانوا يُنهون المراحل النهائية من التخطيط العملياتي لهجوم مُزمع. وفي الآونة الأخيرة، وبعد وقوع انفجار في إحدى الشقق في كانون الأول/ديسمبر وإبلاغ السلطات حول التهديد، قام إرهابيو تنظيم «داعش» بحجز الرهائن في الكرك ، الأمر الذي أسفر عن مقتل العديد من المدنيين بالإضافة إلى عناصر أمنية وأخرى تابعة للقوات الخاصة. وأشارت تقارير صحفية أن الخلية – التي شملت أردني كان قد اعتُقل سابقاً وأفرج عنه بعد محاولته الإنضمام إلى الجهاد في سوريا – كانت تخطط لتنفيذ الهجمات ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة.
وعلاوةً على استهداف المدنيين، صبّت عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» تركيزها خلال العام الماضي على المواقع الأمنية الأردنية. ففي 6 حزيران/يونيو قام مهاجم منفرد بدخول مجمّع لـ “دائرة المخابرات العامة” داخل مخيم “البقعة” للاجئين الذي يقع على بعد عشرين دقيقة شمال عمان، وأطلق النار على خمسة ضباط وأرداهم قتلى قبل أن يلوذ بالفرار. وبعد أسبوعين، قامت عناصر [التنظيم] بتفجير سيارة مفخخة في قاعدة عسكرية أردنية في “الرقبان” على الحدود السورية فأودوا بحياة ستة جنود. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قام جندي أردني متطرف بقتل ثلاثة جنود أمريكيين من القوات الخاصة على ما يبدو، خلال تأديته مهام الحراسة في “القاعدة الجوية” في “الجفر”، علماً بأن النتائج النهائية للتحقيق الرسمي لم تصدر بعد. وإذا تأكدت هذه المعلومات الأخيرة، فهذا يعني أن خمسة عسكريين أمريكيين لاقوا حتفهم في الأردن في ما يعرف بهجمات “القوات المحايدة” وذلك في غضون اثني عشر شهراً- أي أكثر من عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا في أفغانستان خلال الفترة نفسها.
مسائل جهوزية وتغيّرات أمنية
من المحتمل أن ارتفاع وتيرة اعتقال المقاتلين الإسلاميين المزعومين يشير إلى الخطر المتزايد من جهة وارتفاع درجة اليقظة لدى المملكة من جهة أخرى. ولكن بغض النظر عن النجاحات العديدة في مجال مكافحة الإرهاب، يبدو أن “الجهاز الأمني الأردني” لم يؤدِّ مهامه بالمستوى المطلوب في العديد من الحالات. فخلال الهجمات في حزيران/يونيو في “البقعة” و”الرقبان”، على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن حرّاس المركز كانوا يغطّون في السبات في مواقعهم. وفي آذار/مارس، بدا أن المداهمة التي قامت بها “كتيبة أسود مكافحة الارهاب الخاصة 71” لخلية تنظيم «داعش» في إربد كانت تعاني على ما يبدو من خلل في الاتصالات مما ساهم في تبادل “النيران الصديقة” بين الجنود ووحدات الدرك. وبعد أزمة كانون الأول/ديسمبر في الكرك، ظهرت مقاطع فيديو لرجال الشرطة وهم يصرخون من نوافذ مخفر الشرطة المحلي ويتوسّلون بالمواطنين لمدّهم بالمزيد من الأسلحة والذخائر.
ولاحقاً أنكر وزير الداخلية صلاح حماد افتقار شرطة الكرك إلى الكمية اللازمة من السلاح، معلناً أن العملية الأمنية هناك كانت “ناجحة”. لكن الشكوك لا تزال قائمة. ففي وقت سابق من الشهر الحالي، أصرّ ثمانية وأربعون نائباً في البرلمان على حجب الثقة عن حماد لعزله من منصبه. وعلى الرغم من أنهم وضعوا هذا المطلب جانباً في وقت لاحق إلا أنهم طالبوا بتشكيل لجنة للتحقيق في أمره وفي الرد الحكومي بأكمله في الكرك. ويسود اعتقاد واسع النطاق في أوساط المراقبين المحليين بأن حماد سيخرج من الحكومة في تعديل وزاري.
بيد، قد لا يكون حماد المسؤول الأمني الرفيع الوحيد الذي يواجه خطر الإقالة. فمنذ أن أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” في حزيران/يونيو عن استيلاء “دائرة المخابرات العامة” على الآلاف من بنادق كلاشنيكوف “AK-47” التي كانت “وكالة الاستخبارات الأمريكية” قد أرسلتها خصيصاً للمتمردين السوريين المعتدلين، سرت شائعات قوية في عمان عن احتمال استبدال مدير المخابرات فيصل الشوبكي. وقد تسببت تلك المؤامرة بإحراج خاص للقصر الملكي إذ تم لاحقاً شراء أحد تلك الأسلحة في السوق السوداء واستُخدم على يد ضابط أردني متطرف لقتل أمريكيَّيْن ومدرّبَيْن من جنوب أفريقيا وأردنيَّيْن في مركز لتدريب الشرطة.
وقد أجرت عمان تغييرات هامة على مستوى قيادات “القوات المسلحة الأردنية” بعد عامين من القضايا المثيرة للجدل، من بينها الهجوم الذي وقع في “الرقبان”، واختفاء 87 ألف رصاصة تعود للجيش البريطاني خلال تمارين صحراوية مشتركة بالقرب من العقبة، فضلاً عن فقدان ما لا يقل عن أربع مقاتلات أردنية من طراز “أف-16” بسبب خطأ من الطيار أو عطل ميكانيكي – وهذه تشكل أكثر من 6 في المائة من إجمالي مخزون الأردن. وفي خطوة غير مسبوقة، قام الملك عبدالله بعزل هيئة الأركان العامة للجيش بأكملها خلال تشرين الثاني/نوفمبر وأصدر حظراً يمنع الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية في الأردن من نشر أخبار القوات المسلحة. وفي حين أن هؤلاء الضباط قد تجاوزوا جميعهم سن التقاعد، إلا أن هذا العزل الجماعي والتعتيم الإعلامي يوحيان بفقدان الثقة بكبار قادة الضباط في المملكة.
التداعيات السياسية
بالنسبة لواشنطن، يجب أن تكون القضايا المتعلقة بازدياد الحوادث الإرهابية والرد الأردني المتردد أحياناً مدعاة للقلق. ويقيناً أن هذه الاعتداءات لا تهدد مباشرة استقرار دولةٍ أثبتت مرونتها بوجه الإرهاب، لكن الحوادث الأمنية المتواصلة تعقّد الجهود الأردنية للتصدي للتحديات الملحة الأخرى، بما فيها الاقتصاد الضعيف، والبطالة المرتفعة للغاية، واستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري. والأسوأ من ذلك هو أنه يبدو أن الحرب في البلد المجاور التي لا تبدو لها نهاية في سوريا تدفع المزيد من الأردنيين إلى التطرف. وتفيد بعض التقارير أن سجون البلاد تعج بالسجناء المتهمين من قبل “محكمة أمن الدولة” بالتعاطف مع تنظيم «الدولة الإسلامية» على شبكة الإنترنت. كما أن ما يقدر بنحو2,500 أردني انضموا بالفعل إلى الجهاد في سوريا ويقاتلون في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» والفروع المحلية لتنظيم «القاعدة».
وعلى الرغم من أن الجهاز الأمني الأردني لا يزال ملتزماً ومخلصاً، وفعالاً بصفة عامة، بحيث يُصنّف بين الأفضل في المنطقة، إلا أنه لا يشكل حلاً شاملاً لمشاكل البلاد. واستناداً إلى المسار الحالي، من المحتمل أن تكون سنة 2017 عاماً صعباً آخر على المملكة. لكن لحسن الحظ، إذا كان في التغيرات العسكرية الأخيرة أي دلالة، فهي أن الملك عبدالله لا يتهاون بشأن أمن الأردن.
كما لا تستطيع واشنطن التهاون هي أيضاً. فأهمية الأردن لا تقتصر على كونه صوتاً أساسياً للاعتدال الديني في منطقة تعج بالتشدد الإسلامي، بل هو أيضاً قاعدة رئيسية للعمليات الجوية الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. وحيث تدرك واشنطن أهمية المملكة، فقد قدمت لها دعماً بقيمة 1.6 مليار دولار في عام 2016، من ضمنها نحو 800 مليون دولار كمساعدات عسكرية. ويأتي هذا المستوى من المساعدات في محله نظراً لقيمة حلفاء الغرب المستقرين في الشرق الأوسط ونُدرتهم.
ومن الضروري أيضاً الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي الأردنية على الرغم من تكلفته المتزايدة من حيث الأرواح والأموال. فهذه القوات الأمريكية تلعب دوراً حيوياً في دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا كونها تقدم التدريب الضروري وتضاعف القوة في المملكة. وبعد سنوات من التشكيك في التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الإقليميين، يعتبر الانتشار الأمريكي في الأردن – مصحوباً بمساعدة عسكرية ومالية سخية للغاية – رمزاً جوهرياً على التزام واشنطن الدائم باستقرار البلاد واعتدالها وتوجهاتها الموالية للولايات المتحدة. وفي الأشهر المقبلة، من المرجح أن تعيد إدارة الرئيس ترامب تقييم بعض الالتزامات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة. ويبقى الأردن دولة صديقة بحاجة للمساعدة ويجب أن تظل أولوية قصوى.
ديفيد شينكر هو زميل “أوفزين” ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.