ستحكي لنا الأيام أنّ رجلاً شجاعاً ، اسمه غالب الشابندر مرّ على هذه البلاد ، تاركاً للأجيال حكاية سقوط أحزاب الإسلام السياسي في مستنقعات الانتهازية والصراع الدموي على كراسيّ السلطة والمنفعة . الكاتب الإسلامي غالب الشابندر ، أحد القلائل ممن نجوا من طاعون الطائفيّة والتلوّن ، وهو بضميره اليقظ وعفويته المحببة يُقدّم لنا كلّ يوم درساً تحليليّاً لما يمرّ به العراق بكلّ جرأة وشجاعة نادرة ، وبدلاً من أن تبادله هذه الأحزاب القابضة على مصائر العراق ، الحجّة بالحجّة وتردّ على خطاباته ، راحت تشتمه وتُفبرك الحكايات المغرضة عنه ، الشابندر يخرج كل يوم ليرفض المصير البائس الذي وصل إليه العراق ، معلناً أن السير في هذا الاتجاه يعني، ببساطة، أنه لن يكون هناك أثر للمستقبل ، لأنّ السير في هذا الطريق يكرّس قاعدة البقاء للانتهازي والفاشل وعديم الكفاءة والمتلوِّن . ، وهو بأحاديثه يستفزّ جماعة ” ما ننطيها ” ، الذين يبحثون عن صفقاتٍ وتسوياتٍ تتأسّس على الانتهازية والوصولية ، وتعتمد قوانين الشطارة للمضاربة بالوطن في سوق الانتهازية التي تلوّح بالتخلص من هذا “الشعب الوغد” الذي يُعبِّر عن سخريته من الخراب السياسي والاقتصادي ، فتتطاير السموم من نوافذ الحاج صلاح عبد الرزاق ، تُعلن صراحةً ، من لا يرضى بحكم الاحزاب الدينيّة عليه أن يبحث له عن وطنٍ بديل .
حكاية غالب الشابندر ، تذكّرني بما جرى للمفكّر الإسلامي المصري خالد محمد خالد حين قُدّم عام 1955 للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان بعد أن أصدر كتابه الشهير ” هذا أو الطوفان ” والذي أراد أن يقول فيه: الإسلام دين للتسامح والمحبّة ولا علاقة له بإنشاء الحكومات، وفي كلمات كأنها تقال هذه الايام يكتب: ” الحكومة الدينيّة لا تستلهم مبادئها وسلوكها من كتاب الله وسنّة رسوله بل من نفسيّة الحاكمين وأطماعهم ومنافعهم الذاتية، وهي تعتمد في قيامها على سلطة غامضة لا يعرف مأتاها ولا يعلم مداها… وحين تسأل عن دستورها، تقول الدين، هو القرآن، لقد استغلّ بعض الحكّام بعض آيات القرآن استغلالاً مغرضاً، كما استُغلّت الآيات نفسها إبّان الصراع بين الإمام علي ومعاوية والخوارج. ما كانوا يقدّمون من الآيات والأحاديث هي نفسها الآيات والأحاديث التي كان يُحرِّض بها أصحاب معاوية على ذمّ علي وقتاله،، كما قَتل الطاغية يزيد ، الحسين بن علي، مبرِّراً فعلته هذه بآية وحديث استمسك بهما “.
وينهي خالد محمد خالد صفحات كتابه بكلمات مؤثرة: ” رجل الدين الانتهازي يُولّد الجزع في نفوسنا، أمّا المتسامح، ، فهو الجدير بحبّنا”.
الناس تريد نظاماً سياسيّاً لا يُستبعد فيه أحد بسبب رأيه، أو طائفته.. نظام قضيّته الأولى العدالة لا دولة القانون، ومثله في السياسة والحياة رجال بقيمة مانديلا ولي كوان ، لا بوزن خفيفة الظلّ والمحيّا عواطف النعمة !
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...