عادةً ما يتطلع الرؤساء الجدد إلى إظهار مدى اختلافهم عمّن سبقهم. وبعد امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض «الفيتو» على قرار مجلس الأمن الذي أدان سياسة الاستيطان الإسرائيلية، غرّد الرئيس المنتخب دونالد ترامب على موقع “تويتر” بأن “الأمور ستكون مختلفة بعد 20 كانون الثاني/يناير”. وفي هذا المجال على الأقل، هناك حاجة إلى [إحداث] تغيير من نهج أوباما.
وتُعد المستوطنات الإسرائيلية مشكلة في المناطق المتوقع أن تكون في النهاية جزءاً من الدولة الفلسطينية – وتجعل السلام أكثر صعوبة على التحقيق. ومع ذلك، فمن الناحية التاريخية، لم تكن المستوطنات العائق الرئيسي أمام السلام، كما أظهرت إسرائيل استعداداً لتفكيكها. فقد قامت بذلك للمرة الأولى عندما انسحبت من سيناء كجزء من معاهدة السلام مع مصر، وللمرة الثانية عندما انسحبت من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005.
بيد، ركز الرئيس أوباما بشكل خاص على هذا الموضوع منذ بداية إدارته، حيث دعا إلى تجميد كامل لبناء المستوطنات، بما في ذلك النمو الطبيعي. وهذا موقف لم يتبناه أي رئيس وزراء إسرائيلي، من اليسار أو اليمين، على الإطلاق.
وذهب الرئيس إلى أبعد من ذلك حين أعلن في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في حزيران/يونيو 2009 أن “الولايات المتحدة لا توافق على شرعية استمرار المستوطنات”. ولكن بإعلانه عن عدم شرعيتها، فقد قضى أوباما فعلياً على الصيغة الوحيدة القائمة منذ طرحها للمرة الأولى من قبل المفاوضين الإسرائيليين في كامب ديفيد في عام 2000، ألا وهي إنشاء كتل (تجمعات) استيطانية في منطقة من الضفة الغربية متاخمة إلى حد كبير لخطوط 4 حزيران/يونيو 1967.
وباستطاعة إسرائيل استيعاب 75٪ من جميع المستوطنين، في ما يقرب من 5٪ من مساحة الضفة الغربية. ومقابل هذه الكتل الاستيطانية، سيكون هناك تبادل للأراضي المقدمة للفلسطينيين.
لكن أوباما أدرك لاحقاً قيمة هذه الصيغة، فقد اقترح في اثنين من خطاباته في عام 2011 اعتماد معيار للحدود – وهو خطوط عام 1967 ومقايضة الأراضي بموافقة الطرفين. ولكن للأسف، استمرت الإدارة الأمريكية إبان وضع هذه الشروط بانتقاد جميع النشاطات الاستيطانية، حتى تلك التي كانت تجري داخل التجمعات المفترضة. بمعنىً آخر، تعامل أوباما مع كافة أعمال بناء المستوطنات خارج حدود 4 حزيران/يونيو 1967 بالطريقة نفسها – وقد كان ذلك حتماً سبباً دفع الإسرائيليين الذين لا يبدون تعاطفاً كبيراً تجاه المستوطنين إلى اعتبار الرئيس غير حساس لموقف إسرائيل الحرج.
وكما انتهجت إدارة أوباما مقاربة عديمة التمييز تجاه المستوطنات، كذلك تفعل الحكومة الإسرائيلية الحالية بدعمها لقانون من شأنه أن يُضفي الشرعية على عشرات المستوطنات الصغيرة شرق الجدار الأمني الإسرائيلي، حتى لو كانت هذه المستوطنات تقام على أراضٍ فلسطينية خاصة. وإذ صُمّم هذا القانون لتهدئة رد فعل الجناح اليميني وإرضائه إزاء قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإجلاء المستوطنين الإسرائيليين من عمونا – [بؤرة] استيطانية غير مرخصة بنيت على أراض فلسطينية ملكية خاصة – فهو لا يفرّق بين بناء المستوطنات على الإطلاق. والمؤسف أن أياً من هاتين المقاربتين لا تنسجم مع حل الدولتين.
لدى دونالد ترامب خيارٌ مثير للاهتمام، فهو الذي قال إنه يريد أن يكون الشخص الذي يحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. فمن جهة بوسعه تغيير سياسة أوباما عبر السماح للإسرائيلين ببناء المستوطنات بحريّة – وهذا الأمر سيؤدي إلى قيام دولة واحدة وإلى صراع دائم. ومن جهة أخرى يمكنه أن يغيّر سياسة أوباما ويتّبع مقاربة تفرّق بين المستوطنات – أي توجُّه توافق فيه الولايات المتحدة على أعمال البناء داخل التجمعات كونها تنسجم مع حل الدولتين، لكنها تعارض أعمال البناء خارجها لأنها لا تنسجم مع الحصيلة المذكورة.
ويواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التأكيد على أنه يفضّل قيام دولتين لشعبين. ولذلك فإن النهج المتفاوت بشأن المستوطنات سوف لن يتيح لترامب إظهار اختلافه عن أوباما فحسب، بل سيوفر في الوقت نفسه غطاءَ لنتنياهو من اليمين [الذي يشارك في حكومته].
وقد استعان نتنياهو مراراً وتكراراً بالضغوط الأمريكية المتوقعة من أجل تقييد اليمينيين في حكومته. ومع فوز ترامب بالانتخابات، وتعيينه ديفيد فريدمان، الذي يفضل بناء المستوطنات بلا حدود، سفيراً في إسرائيل، فإن اليمين الإسرائيلي يرتقب من الإدارة الجديدة أن تطلق العنان له ليفعل ما يحلو له، وليس ضغوطاً.
وبالتالي، فإن المفارقة هي أن نتنياهو يحتاج إلى تفّهم الولايات المتحدة لمسألة حصر النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بالكتل لتجنب مواجهة قرار سياسي مؤلم. فمن شأن الصمت الأمريكي بشأن المستوطنات أن يرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي على الاختيار ما بين إدراكه الخاص بأن البناء خارج التجمعات سيحوّل إسرائيل، مع مرور الوقت، إلى دولة فقدت طابعها اليهودي وأصبحت ثنائية القومية، أو إيقاف أعمال البناء هذه وإثارة غضب الكثيرين داخل قاعدته السياسية.
وليس لشئ أن يكفل فعلياً الحفاظ على إمكانية نجاح حل الدولتين في المستقبل سوى السياسة الأمريكية الجديدة التي توافق على بعض المستوطنات دون الأخرى. فهل يتّخذ ترامب الخيار الحكيم؟
دينيس روس هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “محكوم عليها بالنجاح: العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ترومان إلى أوباما”. ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في المعهد ومدير “مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط”.