قبل نحو عام ونيف كتبتُ عن ظاهرة (ابو كاطع) الانسان ، الكاتب .. وتساءلت كيف لأجيال من المواطنين ، تتجذر في ضمائرهم ووجدانهم اسماء طواها الموت ، ولم يطوها الزمن .. وها انا اعود الى الموضوع ذاته، بعدما زارني قبل مدة احد (المع) نجوم التقديم في الفضائيات العراقية … وسيم ، لبق ، ذكي … حرفيته المهنية لا غبار عليها .. حدثني عن حالة مر بها قبل سنوات خمس .. قال انه كان يقدم برنامجا تلفزيونيا ، حظي بمقبولية جيدة ، بل ممتازة من الجمهور ، وبات اسمه ووجهه، محط الاعجاب … ثم ، حدث خلاف مع الفضائية التي يعمل فيها ، فترك البرنامج … ولم تمض سوى اشهر قليلة ، حتى نسيه الناس ، ولم يعد يتذكرونه ، فيما ان ابيه لم ينس برنامجا إذاعيا كانت تقدمه اذاعة بغداد قبل ستة عقود ، ودائما يذكراسم (ابو كاطع) معد ومقدم ذلك البرنامج .. ويحدثه عن جزئيات اخرى في حياة (ابو كاطع) مثل مقالاته وكتبه وسيرته .. الخ .. فهل اختلف الزمن (يقول ضيفي) .. ولماذا هذا التباين ؟
قبل ان اجعله يسرد تساؤلاته ، هدأت من استغرابه ، ثم حدثته بإيجاز عن (ابو كاطع) الاستاذ شمران الياسري ، وطريقه في الحياة ، ودوره فيها ، وكيف حفر لنفسه اساسا في الضمير الجمعي للمجتمع العراقي ..حيث كان ابو كاطع شمساً بين الناس ، يلتمسون منه دفأهم ، ويشتاقون له كل ما غاب ، وينتظرون صوته العراقي المعجون بحب الوطن في كل حديث له ، ويقرأون كتاباته بشغف … ثم ان المحبة ، هبة ربانية !
واضفت : انك حين تقرأ ما كتب (ابو كاطع) في اعمدته الصحفية ، ومقالاته ، ورواياته وفي احاديثه الاذاعية ، تشعر انه يحمل محبة عميقة للناس ..ويحترم كل أنسان ، حتى من هو أصغر منه وأقل شأنًا… عكس كثير من الناس الذين يحترمون من هم أكبر منهم أو من هم أعظم مركزًا، ولكنهم يتجاهلون من هم أقل منهم، وبهذا يخسرون الكثير. أما الاستاذ شمران فتدرب على احترام الكل وتوقير الكل ، ولم يقل كلمة فيها إقلال من شأن أحد، أو جرح لشعور إنسان. ولم يعامل أحدًا باستصغار، كما لم يتجاهل أحدًا مهما كان مجهولًا… نعم ، لقد درب نفسه ، نتيجة لموروثه الفكري والعشائري على عبارات الود ، لكنه الود الموزون الذي ينسي الناس آلامهم ومتاعبهم بكلام عذب وشخصية مهابة ..
كان (ابو كاطع) ومعه ثلة من الصحفيين والاعلاميين في ذلك الزمن البهي ، لهم هدف عميق الجذور ، بالعكس تماما مما يحدث حاليا في الاعلام … حيث الومضة الزائلة ، وان بقى صدى لتلك الومضة ليوم آخر ، فأن ذلك يكون استثناء .. ودليلي على ما اقول .. تجربتك انت !
كان (ابو كاطع) هاديا لمستمعيه ، فأحبوه .. وتجذرت محبته في ذواتهم ، فأورثوها لأبنائهم … فلست مستغرباُ من حديث ابيك عن (ابو كاطع) .. كما لستُ مستغربا ، من نسيان الجهور لك ، فالحديث عن قشور الاشياء ، ليس مثل الحديث عن باطنها !
ختمتُ حديثي ، الى نجم التقديم التلفزيوني العراقي بالقول : اني أحسُ ان شعار(ابو كاطع) غير المعلن كان : ان أردت أن يحبك الناس، فاحتمل الناس في كل معاناتهم ، وكن مخلصًا لهم، وكن حكيمًا في إخلاصك.. وأن تنثر بذور افكارك لمستمعيك وقرائك في حنان، وتجمع حصادك في فرح، كما لو كانت الثمار سيأكلها من تحب !!