التوتر بين واشنطن وطهران.. هل يقود إلى صدام مرتقب؟ بقلم عماد عنان ( عن موقع فورين بوليسي)

مابين اتهامها بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وضرورة تقليم أظافرها الاقتصادية والعسكرية، من جانب،  وتعهدها بالرد بصواريخ تفوق سرعة البرق حال الاعتداء عليها، من جانب آخر.. تدخل العلاقات بين واشنطن وطهران نفقًا جديدًا من الصدام والسجال والتراشق السياسي والإعلامي هنا وهناك.

التوتر المشوب بالحذر بين البلدين فتح الباب للعديد من التكهنات والخيارات والسيناريوهات المتوقعة، لاسيما بعد الموقف العدائي للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب من إيران، والذي تكشف خلال تصريحاته إبان حملته الرئاسية، وتجسد بصورة أكثر وضوحًا عقب دخوله البيت الأبيض، وتوقيعه على حزمة جديدة من العقوبات ضد طهران.

العديد من التساؤلات طرحت نفسها بقوة أمام هذا التوتر المتصاعد بين الجانبين، تتمحور في السقف المسموح به لهذا التوتر، وهل من الممكن أن يتحول إلى صدام عسكري؟ وإن كان كذلك فأين وكيف ومتى؟ أم أنها حرب إعلامية لا تتخطى حاجز التراشق السياسي بين البلدين وكفى؟

سجال بين طهران وواشنطن

القلق المتزايد لدى طهران من إدارة دونالد ترامب بسبب تصريحاته الموجهة ضدها منذ إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية، لاسيما المتعلقة بالاتفاق النووي، وتباين ردود الفعل حيال جديتها،  دفعها للقيام ببعض المحاولات لاختبار موقف الرئيس الجديد من إيران بصورة عامة ومن الاتفاق النووي بصورة خاصة.

علي حسين باكير، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية، أشار في مقال له إلى أن هناك حالة من السجال بين واشنطن وطهران، تمثلت في قيام الأخير بعدة ممارسات استفزازية، منها: إجراء تجربة لصاروخ باليستي متوسط المدى (شهاب-3) كان قد طوّره بالاستعانة بتكنولوجيا كورية شمالي، تلاها هجوم بعض القوات الموالية للحوثيين على زورق بحري سعودي، وقد تم تصوير الهجوم وبثه بصورة استفزت الولايات المتحدة.

من الواضح أن النهج الجديد في تعامل إدارة ترامب مع الملف الإيراني يتمحور في ركيزتين أساسيتين، الأولى: تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، في أعقاب الهجوم الحوثي على الزورق السعودي، الثاني: برنامج إيران في اختبار الصواريخ الباليستية، وذلك حسبما جاء على لسان مدير قسم الأبحاث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى باتريك كلاوسن

كلاوسن يرى أوضح أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد تنظر إلى إيران على أنها تعمل على زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية ستحصل على دعم كبير بالنسبة لتهديد الحوثيين، لكنها لن تذهب بعيدا في الملفات الأخرى.

الرد الأمريكي على تجربة الصاروخ الباليستي جاء سريعًا، حيث قال مايكل فلين مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، إن بلاده ستضع إيران رسميا تحت الملاحظة بعد هذه الخطوة، تبعها التصعيد الذي انتهجه ترامب بتهديده لفرض عقوبات جديدة، وتعهده بمزيد من الضغوط الممارسة ضد إيران، واصفًا إياها بـ “أنها تلعب بالنار”.

عقوبات واشنطن جاء هذه المرة عن طريق وزارة الخزانة الأمريكية، والتي أقرت توقيع عدد من العقوبات ضد 12 كيانا و13 فردا، بعضهم من أفراد وكيانات، موجودون في الإمارات ولبنان والصين، حسبما جاء في بيان الوزارة

وقالت الوزارة إن العقوبات أظهرت التزام الولايات المتحدة باستخدام مثل تلك الإجراءات ردا على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني “وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة”، مضيفة أنها جاءت “متسقة تماما” مع التزامات الولايات المتحدة وفقا للاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران.

عقوبات أمريكية ضد طهران بسبب الصوارخ البالستية الإيرانية 

طهران تحذر

وفي المقابل، وردًا على تهديدات واشنطن، حذر أمير أحمد بوردستان نائب قائد الجيش الإيراني، من أي محاولة اعتداء أمريكي على بلاده، قائلا:  إن أي اعتداء أميركي سيواجه برد يجعل واشنطن تندم”، سبقها تصريح لقائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زاده، قال فيه: إن التهديدات الأميركية لإيران كلام فارغ لا معنى له وغير مؤثرة، مضيفًا: إذا ارتكب الأعداء أي خطأ فإن صواريخنا ستباغتهم بسرعة البرق”.

وفي السياق نفسه، بدأت القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني، أمس السبت، مناورات تختبر فيها صواريخ محلية الصنع متفاوتة المدى وأنظمة الرادار والتدريب على الحرب الإلكترونية.

 نائب قائد الجيش الإيراني: إن أي اعتداء أميركي سيواجه برد يجعل واشنطن تندم

وبحسب مراسل الجزيرة في طهران فإن المناورات تجري في منطقة سمنان شمالي إيران على مساحة 35 ألف كلم2، تحت اسم “مناورات الدفاع عن حرم الولاية”، مضيفًا أن إطلاق صواريخ أثناء هذه المناورات يؤكد تصميم إيران على مواصلة برنامجها الصاروخي، وإظهار قدرات إيران واستعدادها لمواجهة أي نوع من الأخطار

وأشار المراسل إلى تأكيد إيران على عزمها اتخاذ ما أسماه بـ”إجراءات مماثلة” ضد أفرادا وشركات أميركية تدعم مجموعات “إرهابية”، ردًا على العقوبات المفروضة من وزارة الخزانة الأمريكية بحق أفراد وكيانات إيرانية.

سيناريوهات اختبار القوة

بعض الباحثين ألمحوا إلى بعض الوسائل التي من الممكن أن تقوم بها طهران لاختبار إرادة ترامب العسكرية، وتقييم تصريحاته العدائية ضدها، كما جاء على لسان الباحث بالمعهد الملكي البريطاني للخدمات الموحدة جستن برونك في التصريحات التي نقلتها “الجزيرة” عن صحيفة ” “صنداي تلجراف” والتي أشار فيها إلى أن مضيق هرمز الذي يعد شريان النفط لأوروبا وأمريكا قد يكون نقطة الاختبار الأولى.

فالمضيق الذي يمر به يوميًا ما يقرب من 17 مليون برميل من النفط، هو في الحقيقة نقطة توتر وصراع بين واشنطن وطهران، وهنا تساءل الباحث: هل من الممكن استخدامه كورقة ضغط لتقييم تصريحات ترامب العدائية ضد إيران؟ إلا أنه أجاب أنه من الخطأ الإستراتيجي أن تختبر طهران ترمب بهذا المضيق.

أما الوسيلة الثانية التي من الممكن أن تختبر بها إيران الرئيس الأمريكي الجديد، حسبما أورد الباحث بالمعهد الملكي البريطاني للخدمات الموحدة، فهي الشأن العراقي، وذلك عن طريق توجيه القوات الشيعية الموالية لإيران بتنفيذ عمل أو هجوم ضد المصالح الأمريكية بالعراق، لمعرفة رد فعلها وما يمكن أن تتخذه من إجراءات.

بعض الباحثين ألمحوا إلى بعض الوسائل التي من الممكن أن تلجأ إليها طهران لاختبار إرادة ترامب العسكرية، وتقييم تصريحاته العدائية ضدها، أبرزها مضيق هرمز والعراق

التحركات العسكرية الأمريكية

بالرغم من صعوبة التكهن بينها وبين تهديدات ترامب الأخيرة، إلا أن المناورات البحرية التي أجرتها قوات التحالف الغربي بالقرب من الشواطئ الإيرانية، ألقت بظلالها على المشهد بصورة كبيرة، حسبما أشارت صحيفة “صنداي تلجراف“.

الصحيفة لفتت إلى أن تلك المناورات التي حملت اسم “الرمح الموحد” والتي تقودها حاملة المروحيات البريطانية الرئيسية “أتش أم أس أوشن” بمشاركة سفن حربية من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، تأتي بهدف صد هجمات جوية وإزالة ألغام بحرية، وتنفيذ تمارين بالذخيرة الحية.

التقرير المنشور في الصحيفة لم يستبعد العلاقة بين هذه المناورة وتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد، وذلك حسبما جاء على لسان وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، والذي ربط بين تهديدات واشنطن وتحركات هذه السفن، مضيفًا أنه منذ تولي ترمب الرئاسة أصبحت دول الخليج قلقة بشأن المستقبل، ما دفع دول الغرب إلى تعزيز وجودها بالمنطقة لطمأنة حلفائها.

مناورات عسكرية غربية بالقرب من الشواطئ الإيرانية

واشنطن.. استراتيجيات الرد

تمتلك الولايات المتحدة العديد من الإستراتيجيات التي من شأنها تضييق الخناق على إيران، وفرض طوقًا سياسيًا وأمنيًا عليها في المناطق التي تبسط نفوذها فيها بشكل كبير.

أولا: العراق، فمن الممكن أن تتحرك واشنطن بخطوات مسرعة داخل الشأن العراقي مستغلة حالة الفوضى السياسية والأمنية الراهنة، وقيادتها وبعض دول التحالف الأوروبي للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية”داعش”، من أجل بسط نفوذها وسحب البساط من تحت قوات الحشد الشعبي الشيعي الموالية لطهران، ما يعد ضربة مؤلمة حال تنفيذها.

الصراع بين طهران وواشنطن في العراق ليس سياسيًا فحسب، بل إن المكانة الأكبر من هذا الصراع تتمحور حول النفط العراقي الذي تراه أمريكا حقًا لها بعد إنفاقها المليارات من أجل الدفاع عن العراق حسب زعم البعض.

مقترح المناطق الآمنة وإن لم يكن بالوضوح الذي يسمح بالكشف عن تفاصيله، إلا أنه بلا شك أعاد أمريكا من جديد للساحة السورية

ثانيًا: سوريا، حيث استطاع ترامب في أقل من عشرة أيام منذ توليه مقاليد الأمور داخل البيت الأبيض أن يعيد بلاده من جديد إلى الملعب السوري من خلال تعهده بإنشاء مناطق آمنة لتصبح البوابة الكبرى التي تستطيع من خلالها واشنطن التواجد مرة أخرى كأحد الأطراف المؤثرة في الشأن السوري بعد غياب دام عدة سنوات بسبب النهج الذي اتخذته إدارة أوباما

مقترح المناطق الآمنة وإن لم يكن بالوضوح الذي يسمح بالكشف عن تفاصيله، فضلا عن  نوايا واشنطن من خلاله، إلا أنه بلا شك أعاد أمريكا من جديد للساحة، وهو ما تكشف عن ردود فعل القوى الدولية المؤثرة في المشهد السوري، ما يهدد التواجد الإيراني ويسحب البساط من تحت أقدامها بصورة كبيرة.

ثالثًا: اليمن، الحضور الأمريكي في اليمن وإن لم يكن بالقوة التي تؤهله لإحكام السيطرة على مقاليد الأمور بداخلها، إلا أنه بإمكانها التأثير على مجريات الأحداث، وإعادة رسم الخارطة السياسية لصالح قوات هادي والتحالف العربي على حساب الحوثيين الموالين لإيران، وهو ما يصب في مصلحة السعودية بلا شك.. فهل يقوى الموقف العدائي من إيران، العلاقات السعودية الأمريكية؟

مؤتمر أستانة لبحث الأزمة السورية

واشنطن – الرياض.. المواقف تتغير

تحوّل موقف ترامب المفاجئ من دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، يضع العديد من علامات الاستفهام، فبعد هجومه على الرياض خلال حملته الانتخابية، ومطالبتها بتحمل أعباء الدفاع عنها في مواجهة الإرهاب، ها هو اليوم يطالب السعودية والإمارات بتمويل مقترح بناء المناطق الآمنة في سوريا، حسبما كشف البيت الأبيض في بيانه الصادر عقب الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي الجديد مع العاهل السعودي وولي عهد أبو ظبي.

وبعدما أبدت الرياض ودبي موافقتهما على تمويل هذا المقترح ما كان على ترامب إلا دفع المقابل – رد الجميل- الذي كان تأييد وجهة النظر السعودية في التصدي للتدخل الإيراني في شؤون دول منطقة الشرق الأوسط، لتدخل العلاقات الأمريكية الخليجية منعطفًا جديدًا من الوفاق – المؤقت – بسبب الموقف الموحد من طهران.

رسائل سياسية أم صدام حتمي؟

حالة من الانقسام بين المقربين من دوائر صنع القرار في واشنطن وطهران، حول مستقبل السجال الإيراني الأمريكي، فريق يرى أن ما يحدث ليس أكثر من رسائل سياسية يسعى كل طرف إلى إيصالها للطرف الأخر، خاصة وأن هناك مصالح مشتركة بين البلدين حتى وإن لم تظهر للعلن.

أما الفريق الأخر فيؤكد أن الأمور تسير نحو صدام مرتقب، وإن لم تتوفر تفاصيله، إلا أنه ووفق مجريات الأحداث يقترب بصورة كبيرة، معززين أرائهم بالموقف العدائي الواضح من إدارة ترامب ضد النظام الإيراني، مرجحين أن شارة البدء نحو نشوب هذا الصدام تتمثل في إقدام الرئيس الأمريكي الجديد على إلغاء الاتفاق النووي.

عماد عنان:(كاتب وصحفي مصري، باحث ماجستير في الإعلام، عمل باحثًا سياسيًا ومستشارًا إعلاميًا بعدد من الصحف و المواقع الإخبارية والمراكز البحثية المصرية والعربية)

شاهد أيضاً

الثورة التكنولوجية الجديدة… بقلم عبد المنعم سعيد*

ليس صدفة أن شركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب..!!