توافق رئيس الوزراء ووزارة الخارجية العراقية وحكومة إقليم كردستان على موقف حيال التطورات الأخيرة في سوريا، هو في الواقع نصف موقف، فالاطراف الثلاثة اختارت أن تمسك العصا من الوسط، فيما الوضع يتطلّب موقفاً آخر، فسوريا مهدّدة بالخراب الشامل والشعب السوري يواجه خيار الفناء أو خيار اللجوء الى المنافي.
لا يكفي أن يندّد رئيس الوزراء، ومثله وزارة الخارجية وحكومة إقليم كردستان، باستخدام السلاح الكيمياوي في مجرى الصراع السوري – السوري، ولا الدعوة الى التحقيق لتحديد المسؤولية. استخدام السلاح الكيمياوي سواء كان من فعل النظام أو من صنع معارضيه إنما هو من نواتج هذا الصراع، وهذا الصراع ما كان له أن يتطوّر الى مستوى تدمير مدن وأحياء بكاملها وموت سكانها أو فرارهم الى ما وراء الحدود وجعل سوريا برمّتها لعبة كرّ وفرّ للقوى الإقليمية والدولية متباينة المصالح ومتعارضة الأهداف، لو أن النظام السوري كان قد اتّخذ موقفاً مختلفاً حيال الحراك الشعبي الذي انطلق منذ ست سنوات من أجل إصلاح النظام السياسي باطلاق الحريات العامة والانتقال الى نظام حكم ديمقراطي بعد نصف قرن من ديكتاتورية متوحشة حوّلت سوريا من دولة واعدة بشعب مرفّه الى دولة فاشلة يقف نظامها على أبواب العواصم القريبة والبعيدة مستجدياً الطحين والزيت …. والسلاح الذي يستخدمه في قمع شعبه.
كان على مَنْ يقدّمون أنفسهم بوصفهم أصدقاء لسوريا وشعبها أن يبذلوا جهودهم لاقناع النظام السوري بالتفاعل ايجابياً مع استحقاق الاصلاح، فإن فشلوا في هذا تعيّن عليهم الضغط عليه، أو دعوته في الأقل، لاستقالة رأسه، بشار الأسد، حفظاً لحياة الشعب السوري ومصالح الدولة السورية.
مطلب استقالة الاسد أصبح ضرورة ملحّة لأنقاذ سوريا من المصير الرهيب الذي يتربّص بها مع تمسّك الأسد بالسلطة وإصرار داعميه الاقليميين والدوليين ( إيران وروسيا) على إبقائه تحقيقاً لمصالحهم وليس مصالح الشعب السوري.
في هذا الإطار يبدو الموقف الذي أعلنه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، هو الأنضج عراقياً بدعوته الى أن تكفّ الولايات المتحدة وروسيا وسواهما أذاها عن سوريا، وفي الوقت نفسه الى استقالة بشار الاسد بقوله: ” لعلي أجد من الإنصاف أن يقدّم الرئيس بشار الأسد استقالته وأن يتنحّى عن الحكم حباً بسوريا الحبيبة ليجنبّها ويلات الحروب وسيطرة الارهابيين، فيعطي زمام الأمر الى جهات شعبية نافذة تستطيع الوقوف ضد الارهاب لانقاذ الاراضي السورية
بأسرع وقت ليكون له موقف تاريخي بطولي قبل أن يفوت الأوان”.
هذا الضبط ما كان يتوجب أن يكون عليه موقف الهيئات الرسمية العراقية، مستعيدة خبرة التاريخ العراقي بالذات، فقبل أربع عشرة سنة (2003) وقبل ست وعشرين سنة ( 1991) كنّا نحن العراقيين قد واجهنا وضعاً مماثلاً عشية حرب تحرير الكويت وعشية حرب إسقاط نظام صدام وقبلهما في حقبة الحرب ضد إيران، كنّا ندعو صدام الى الاستقالة ليجنّب العراق ويلات الحروب المدمّرة،وسعى غيرنا بمن فيهم زعماء دول إقناعه بذلك، ولم يفعلها ، فكان أن تسبّب في كل هذا الخراب الذي لم ينقطع منذ تلك التواريخ البعيدة… ولا يُراد له أن ينقطع..
هل كنّا سنكون بكل هذا الخراب لو صدام كان قد استقال؟
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...