فجأة ودون صدور مؤشرات على ذلك، جمد القضاء التونسي أرصدة وممتلكات رجل الأعمال سليم الرياحي رئيس حزب “الاتحاد الوطني الحر” المعارض ورئيس النادي الإفريقي التونسي، بتهمة تبييض الأموال، في قرار هز الرأي العام التونسي.
وقال سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم النيابة العامة بمحكمة تونس الابتدائية: “قرر قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي تجميد كل الحسابات (الأرصدة المالية) الجارية والممتلكات العقارية لرجل الأعمال سليم الرياحي”، مشيرًا إلى أن هذا القرار دخل حيز التطبيق بمجرد إعلانه.
وفور صدور هذا القرار، قال سليم الرياحي في تصريح لقناة “نسمة” الخاصة إنه يتعرض لعملية ابتزاز سياسي ومستهدف من الحكومة التونسية التي اتهمها بتشويهه، معلنًا تقديمه قضية في لندن ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وذلك بصفته مقيمًا دائمًا بالمملكة البريطانية.
وكان الرياحي قد اتهم في أبريل الماضي حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، اللذين كانا في الحكم آنذاك (2012)، بالوقوف وراء القضية التي اعتبرها مؤامرة سياسية، استعملت فيها أساليب النظام السابق الذي كان يلفق لكل من يزعجه ملفًا يكون ورقة ضغط عليه عند الحاجة، حسب تعبيره.
ويوم 28 من نيسان/أبريل الماضي، أعلن سليم الرياحي في مقابلة مع إذاعة “صبرة إف إم” الخاصة أنه أنفق ما يعادل 450 مليون دينار (162 مليون يورو) في تونس منذ عودته إلى البلاد سنة 2011، موضحًا أن عمله في ليبيا في عدة قطاعات، واستثماره لجزء من الأرباح التي حققها في ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي كان مصدر ثروته، نافيًا في نفس الوقت اتهامات بالاستيلاء على مليارات من أموال عائلة القذافي بعد الإطاحة بنظامه.
رجال الإمارات في تونس
تجميد ممتلكات الرياحي أعاد من جديد طرح موضوع رجال الإمارات في تونس ودورهم في تخريب مشهد الانتقال الديمقراطي بفضل أموال “عيال زايد”، ودعمهم اللامحدود للمعارضة في إسقاط حكومة الترويكا التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية.
ويحتفظ سليم رياحي، أحد المشاركين في جبهة الإنقاذ المكونة من مجموعة من الأحزاب المعارضة، بعلاقات طيبة مع مسؤولين إماراتيين، كما سبق له أن زار الإمارات في مناسبات عديدة، إضافة إلى تصريحاته المختلفة المدافعة عن قيادتها السياسية ومهاجمة خصوم أبو ظبي في تونس، وعلى رأسهم الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي كشف عن دور أبو ظبي التآمري على تونس إبان فترة حكمه.
وكان المرزوقي قد صرح في لقاء مع قناة “فرانس 24” أن الإمارات تمول الانقلابات وتخلق أحزابًا وأنها عدوة الثورات العربية، معتبرًا أن هناك تآمر على الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا وسوريا، ويجب أن نواجه المؤامرة الخارجية والداخلية.
وأضاف المرزوقي في حوار آخر على قناة الحوار اللندنية متوجهًا بالحديث إلى الإمارات: “ما دخلكم أنتم؟ اعتنوا بأموركم المادية وبعماراتكم وبأموالكم وما دخلكم في قرار دولة مستقلة؟”، مشيرًا إلى أن الإماراتيين أصبحوا يتدخلون بكامل الوقاحة وهذه من علامات الساعة.
وفسر المرزوقي ماذا يعني بعلامات الساعة قائلًا: “هذه الدولة تنصب نفسها وصية بما تملك من مال على مصير شعوب وأمم أخرى وهذا من علامات الساعة”، متسائلًا “بأي حق؟ من أعطاكم هذا الحق؟ أموالكم الرهيبة؟ اهتموا بها ونموها واتركونا ننمي شعوبنا ودولنا وديمقراطيتنا، ولا تتدخلوا فينا”.
الرياحي يلتقي دحلان في صربيا
وفي شهر ديسمبر الماضي أكد وليد جلاد النائب بالبرلمان التونسي أن رجل الأعمال سليم الرياحي وأمين عام حركة مشروع تونس محسن مرزوق كانا قد تقابلا سويًا في صربيا مع محمد دحلان القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح ومستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وأضاف جلاد في تصريح لراديو “كاب أف أم” أن مرزوق والرياحي يتبعان أسلوب الابتزاز السياسي تجاه رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ولكن القياديين بجبهة الإنقاذ التونسية سرعان ما نفيا التقاءهما بدحلان.
ويرى مراقبون أن قرار القضاء بتجميد ممتلكات رجل الأعمال والسياسي سليم الرياحي سيشكل ضربة قوية للوبي الإماراتي في تونس، خاصة أن الرياحي تجمعه علاقات جيدة مع أبو ظبي، كما يصنفه البعض ضمن خانة رجالها والمنفذين لأجنداتها السياسية.
ومن شأن هذا القرار القضائي ضرب مصداقية السياسي التونسي وتأليب الرأي عليه، إضافة إلى نزع الشرعية السياسية عنه خاصة أن حزبه يعتبر من أكبر الأحزاب المعارضة داخل البرلمان، كما سيؤثر هذا القرار على الموارد المالية لحزب الاتحاد الوطني الحر.
جبهة الإنقاذ تطلب دعمًا إماراتيًا
وفي يونيو الماضي كشفت تقارير إعلامية أن اجتماعًا داخل السفارة الإماراتية في تونس جمع بين دبلوماسي إماراتي كبير ورضا بلحاج أحد مؤسسي جبهة الإنقاذ والقيادي في حزب نداء تونس، أسفر عن طلب الأخير دعمًا ماليًا لمواجهة حركة النهضة.
ولفت بلحاج إلى أن جبهة الإنقاذ التي أسستها عدة أحزاب أهمها حزب مشروع تونس بقيادة محسن مرزوق والاتحاد الوطني الحر الذي يقوده سليم الرياحي، هي الجبهة السياسية الوحيدة التي من الممكن أن تخلق التوازن المنشود مع حركة النهضة في الظرف السياسي الراهن.
وأضاف “الجبهة هي أيضًا الجهة السياسية الوحيدة في تونس التي من ممكن أن تتفاعل إيجابيًا مع السياسات الإقليمية الإماراتية في المنطقة وبشكل خاص في ليبيا”.
وطالب بلحاج الدبلوماسي الإماراتي بدعم من اتجاهين الأول مالي والثاني إعلامي، مؤكدًا أن الأطراف المكونة لهذه الجبهة تعاني من صعوبات مادية.
يُذكر أن رضا بالحاج نفى صحة ما تم تداوله من أن الجبهة طلبت تمويلات من دولة الإمارات العربية المتحدة، معتبرًا أن من يروج لذلك هي الدوائر التي يزعجها وجود جبهة الإنقاذ.