في 23 حزيران/يونيو، منح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عفواً لحوالي 500 مجرم مدان، في ممارسة شائعة يعتمدها القادة العرب عشية عيد الفطر الذي يمثّل نهاية شهر رمضان المبارك. وكان هشام طلعت مصطفى من بين الذين أُفرج عنهم، وهو ملياردير وقطب عقارات وسياسي كانت تربطه علاقات وثيقة بنظام مبارك. وكان مصطفى قد أُدين في عام 2009، باللجوء إلى قاتل مأجور لقتل صديقته المغنية اللبنانية سوزان تميم في دبي. وبعد مضي ثماني سنوات واندلاع العديد من الاضطرابات السياسية في وقت لاحق، يسلّط الإفراج عن مصطفى الضوء على المدى القليل الذي تغيّرت فيه مصر فعلاً.
إن جريمة قتل سوزان تميم هي قصة مثيرة. فتميم، مغنية لبنانية فازت في “مسابقة غنائية عربية للمواهب” عام 1990، أصبحت عشيقة مصطفى حين كان عضواً في البرلمان يمثل الأمانة السياسية لـ”الحزب الوطني الديمقراطي” الحاكم في عهد حسني مبارك الذي كان رئيساً آنذاك. كما كان أحد المقربين من نجل مبارك ووارثه المحتمل جمال. وقيل إن مصطفى، الذي كان متزوجاً أساساً، رغب في أن تكون تميم زوجته الثانية لكنها رفضت وارتبطت بعدها بالرياضي العراقي رياض العزاوي بطل العالم في الكيك بوكسينغ للوزن الثقيل.
وبعد رفضها له وشعوره بالغضب، دفع مصطفى مبلغ 2 مليون دولار لضابط مصري سابق في جهاز مباحث أمن الدولة من أجل قتل عشيقته السابقة. وفي تموز/يوليو 2008، غادر ضابط الشرطة المتقاعد محسن السكري القاهرة متوجهاً إلى دولة الإمارات، حيث اغتال تميم في شقتها – قاطعاً رأسها تقريباً بواسطة سكين كبيرة. ولسوء حظه، ترك السكري أثر أقدام مليئة بالدماء أثناء فراره من مسرح الجريمة، وتمكّنت الشرطة الإماراتية في النهاية من تعقّب الحذاء الرياضي الذي أوصلها إلى متجر في دبي حيث اشتراه السكري قبل أيام فقط من تنفيذه الجريمة. ومن ثم تمّ التعرف على السكري وتسليمه إلى السلطات المصرية حيث ورّط مصطفى في المؤامرة.
وفي ربيع عام 2009، أثارت المحاكمة اهتمام المصريين. وبدا أنها قضية يسهل الفوز بها. فلم يقتصر الأمر على اعتراف السكري بالجريمة وتوجيهه أصابع الاتهام نحو مصطفى، بل شملت الأدلة محادثات هاتفية مسجلة بين مصطفى والقاتل. وتمحور السؤال حول ما إذا كان مصطفى – رغم ثروته وعلاقاته – سيلقى محاكمة عادلة في إطار نظام قضائي يشتهر بتلاعب نظام استبدادي بمجرياته.
وفي البداية أصدر نظام مبارك أمراً يمنع نشر المحاكمة [عبر وسائل الإعلام]، ولكن بعد أن نشرت صحيفتان محلّيتان تفاصيل حول عمليّة القتل، قرّرت الحكومة بدلاً من ذلك استخدام المحاكمة لإظهار “استقلالية” القضاء في البلاد. واعتبر أمين عام لجنة الإعلام في “الحزب الوطني الديمقراطي” الحاكم [برئاسة] مبارك، علي الدين هلال، أن اتهام مصطفى دليل على أن “الحزب الحاكم لا يعرف محسوبية ولا أحد في مصر فوق القانون”. لكن معظم المصريين يدركون أن الحقيقة مختلفة، وشعروا بصدمة حقاً حين وجدت المحكمة مصطفى وقاتله المأجور مذنبيْن وحكمت عليهما بالإعدام في أيار/مايو 2009.
وفي حين بقي الحكم الصادر بحق السكري قائماً – رغم تخفيف عقوبته في وقت لاحق إلى السجن مدى الحياة – سرعان ما رفضت المحكمة العليا في مصر قرار تجريم مصطفى بسبب أخطاء إجرائية مزعومة. ومجدداً، وُجد مصطفى مذنباً خلال إعادة المحاكمة عام 2010، لكن هذه المرة حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً فقط. وحين أطلق سراحه قبل عيد الفطر، كان مصطفى قد قضى أقل من نصف مدة حكمه. وفي ذلك الوقت، اعتبر الكثيرون أنه كان يلقى معاملة خاصة بسبب مكانته الاجتماعية. لكن واقع الحكم عليه أساساً كان مع ذلك جديراً بالملاحظة نظراً إلى علاقاته مع الاستبداد المتجذر على ما يبدو في مصر.
ومنذ سجنه، وقعت انتفاضتان وتغيّرت أربعة أنظمة، ولكن مع ذلك استمر اهتمام وسائل الإعلام في قضية مصطفى. وقد تردّد في عدة مناسبات أن مصطفى نادى للإفراج عنه بسبب ظروف طبية مزعومة، لكن تم رفض تلك الطلبات. وفي غضون ذلك، تم رفع دعوى ضد شركته “مجموعة طلعت مصطفى” بسبب العديد من المخالفات المتعلقة بمشروع “مدينتي” البالغة تكلفته 3 مليارات دولار. ويقال إن الشركة اشترت قطعة أرض من الدولة من أجل إنشاء مجمع سكني مُسَوّر وملعب غولف على طول الطريق الدائري في القاهرة لقاء مليار دولار تقريباً تحت القيمة السوقية، في اتفاق تفضيلي لأحد شركاء النظام. وتسببت الإجراءات القانونية في انخفاض أسهم “مجموعة طلعت مصطفى” في البورصة بنحو 10 في المائة.
غير أنه بعد إطلاق سراحه، ارتفعت قيمة أسهم المجموعة بنسبة 15 في المائة تقريباً. هل أن هذه الإشارة المؤاتية للشركة هي ما كان في بال السيسي حين أطلق سراح مصطفى؟ ربما. فمجتمع الأعمال في مصر، الذي أيّد بقوة الإطاحة بزعيم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، ودعم ترشّح السيسي للرئاسة بعد عام، لا يزال في صميم اهتمام الحكومة المصرية. أم كان العفو إشارة إلى النظام القضائي المصري الذي كان في بعض الأحيان على خلاف مع السيسي؟ أو ربما كان مجرد بادرة حسن نية في العيد تجاه شخصية عانت، إذا ما صحّت التقارير الإعلامية، طبياً في السجن.
لا أحد يعلم الإجابة، وهو أمر طبيعي في مصر. وبالفعل، كان الغموض إحدى الميزات الأكثر ثباتاً لعملية اتخاذ القرار في مصر طوال فترة الاضطرابات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. وبعد مرور سبع سنوات منذ اندلاع الثورة، يعكس الإفراج عن مصطفى أن الأمور كالمعتاد في القاهرة.
*ديفيد شينكر هو زميل “أوفزين” ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.