في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، كادت اشتباكات عنيفة تقع في محافظة كركوك العراقية الغنية بالنفط بين جهتين عسكريتين مسلحتين من قبل الولايات المتحدة، هما الجيش العراقي الاتحادي وقوات «حكومة اقليم كردستان». لم يتمكن الجيش من الوصول إلى قواعده القديمة في كركوك منذ انهياره في حزيران / يونيو 2014 على يد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومنذ ذلك الحين تسيطر قوات البيشمركة الكردية بالكامل على هذه المناطق وحقولها النفطية. وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر، قام الجيش الفدرالي الذي يستعيد قوته بأول محاولة لدخول المنطقة التي تسيطر عليها قوات البيشمركة.
وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، تقدمت مجموعة من وحدات الجيش والقوات الخاصة و«قوات الحشد الشعبي» الموالية لرجل الدين المعتدل آية الله السيد علي السيستاني نحو الخطوط الكردية الأمامية في جنوب مدينة كركوك، مجتازة الساتر الترابي لتصبح على بُعد خمسة عشر دقيقة بالسيارة عن عاصمة المحافظة وحقول النفط الرئيسية. وأوشكت قوات البيشمركة المحلية على إطلاق النار على هذه القوات إلاّ أنها توقفت في الوقت المناسب بعد تلقي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اتصالاً هاتفياً من إحدى الفصائل الكردية، «الاتحاد الوطني الكردستاني»، التي طالبت بثماني وأربعين ساعة للتشاور داخلياً مع الفصيل الكردي الرئيسي الآخر، «الحزب الديمقراطي الكردستاني». ويمضي الوقت بسرعة، وسينتهي الموعد النهائي في وقت مبكر من صباح يوم الأحد حسب التوقيت المحلي.
وعلى أرجح الإحتمالات، سيتحقق إحدى ثلاث نتائج. أولاً، قد تستأنف قوات [الحكومة المركزية في] بغداد تقدمها بعد الموعد النهائي، ثم تتوقف أو تتراجع إذا تصدّتها قوات البيشمركة ومنعتها من دخول القواعد العسكرية وحقول النفط في كركوك. ثانياً، قد تنجح القوات الفدرالية في السعي نحو أهدافها. ويمكن لأي من هذه السيناريوهات الأولية أن يولد أزمة كبرى. إذ سيثير السيناريو الأول مشكلة سياسية بالنسبة للعبادي، ومن المرجح أن يحفز ذلك فرض عقوبات مكثفة متعددة الأطراف ضدّ الأكراد، تشمل إغلاق الحدود مع تركيا والعراق وإزالة قدرة «حكومة اقليم كردستان» على توليد عائدات الجمارك والنفط. وسواء نجحت القوات الفدرالية أم فشلت، فمن المرجح أن تُسفك الدماء خلال المواجهة، الأمر الذي يلقي بظلال عميقة جداً على جهود رئيس الوزراء العبادي كموحّد في انتخابات عام 2018، ويزيد من تعطيل الحملة العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ناهيك عن تضرّر حقول النفط بشكل كبير في كركوك أيضاً.
ولحسن الحظ، هناك خيار ثالث أكثر جاذبية. منذ استفتاء استقلال «إقليم كردستان العراق» في 25 أيلول/ سبتمبر، لم تكن بغداد مستعدة للدخول في مفاوضات غير مشروطة مع «حكومة اقليم كردستان»، وطالبت أربيل بالتخلي علناً عن التصويت بطريقة ما قبل العودة إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، تعطي أزمة كركوك ذريعة واضحة لبغداد لإجراء محادثات طارئة مباشرة، ودون فقدان ماء الوجه بشأن التنحي عن طلب التخلي عن التصويت (على الأقل في المدى القصير). ويمكن أن تركز هذه المحادثات على التسوية المقترحة من قبل «الاتحاد الوطني الكردستاني» وهي: “الإدارة المشتركة المؤقتة” في كركوك. إن أجزاء كركوك التي يسيطر عليها «الاتحاد الوطني الكردستاني» – القاعدة الجوية الرئيسية، والقاعدة العسكرية K1، وبعض مرافق الطاقة- ستكون مواقع استراتيجية لتطوير آلية أمنية مشتركة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة.
وقد يؤدي هذا التوجّه إلى تهدئة الأزمة بعض الشئ، بالإضافة إلى المخاوف التركية والإيرانية من تنامي القومية الكردية، ويخفّف حدّة التوترات العسكرية في كركوك. ويقيناً سيتطلّب الأمر المزيد من المفاوضات حول المنطقة التي يسيطر عليها «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، والتي تضم حقلين كبيرين للنفط هما باي حسن وأفانا، ولكن على الأقل تكون العملية قد بدأت.
وقد أعربت الولايات المتحدة بحق عن أنها لن تسمح لأي طرف باتخاذ خطوات عسكرية ضد الأكراد في محافظاتهم الثلاث الأساسية – أربيل ودهوك والسليمانية. كما أشارت بهدوء ولكن بإصرار إلى أن أي محاولة تقوم بها بغداد لاستعادة الوصول إلى المناطق المتنازع عليها مثل كركوك لا ينبغي أن تنطوي على العنف، كما يجب ألاّ تقودها الميليشيات المدعومة من إيران، وينبغي أن تترك مجالاً واسعاً للتفاوض. وحتى الآن، يبدو أن رئيس الوزراء العبادي يراعي هذه المخاوف. وفي الإطار نفسه، تم حث الأكراد على الامتناع عن استخدام القوة.
يتعيّن على واشنطن الآن الضغط لإجراء مفاوضات خلال الفترة المتبقية من الهدنة التي تستمر ثماني وأربعين ساعة، ودعم تمديدات الموعد النهائي حسب الاقتضاء. ولبلوغ هذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تحافظ على وجودها الاستشاري العسكري الضئيل في كركوك، مما يساعد على التوعية حول الأوضاع والتواصل في الأزمات بين الجانبين.
وعلى وجه الخصوص، يتعيّن على الوسطاء الأمريكيين أن يدْعوا إلى اتخاذ تدابير لتخفيف حدة التصعيد، مثل إيقاف إرسال تعزيزات إلى المنطقة، ونقل الأسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات إلى مسافة متبادلة، وفرض حظر على التحرّكات الليلية، وقيام اتصالات متبادلة لإعلام كل جانب بالتحركات الجديدة للقوات. كما ينبغي أن يمنحوا الأولوية لحل جزئي وتدريجي للأزمة على المدى القريب مثل عودة البعثات العسكرية الفدرالية المحدودة إلى المواقع التي يسيطر عليها «الاتحاد الوطني الكردستاني» في كركوك بدلاً من القيام بـ”صفقة ضخمة” تتطلب العودة الفورية للقوات الاتحادية الكبيرة إلى جميع المناطق التي استسلمت في عام 2014. وعلى أي حال، إن هذه القوات ضرورية للقيام بعمليات في أماكن أخرى من البلاد، كما أن كركوك غير مجهزة بعد لتزويدهم بالمساكن اللازمة والدعم اللوجستي.
وقد يكون الدعم الأمريكي للبعثات العسكرية العراقية الصغيرة في كركوك بداية آلية أمنية مشتركة ثلاثية الأطراف للمدينة، والتي قد توسّعها بعد ذلك القوات الاتحادية و«حكومة اقليم كردستان» والقوات الأمريكية إلى مناطق أخرى متنازَع عليها. وفي هذا الصدد، هناك العديد من الطرق لإعادة إدخال قوات الأمن الفدرالية من دون أن يُطلب من الأكراد الترحيب بالوحدات العسكرية المدججة بالسلاح؛ فعلى سبيل المثال، ثمّة حاجة ماسة إلى شرطة فدرالية مجهّزة بأسلحة خفيفة تقوم بدوريات في حقول النفط لمنع هجمات المتمردين من تنظيم «الدولة الإسلامية» على الموارد الهيدروكربونية الرئيسية. وقبل كل شيء، تحتاج واشنطن إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع حلفائها من القتال مع بعضهم البعض في الأيام المقبلة، مع التركيز على التدابير التي تشجّع التقدم التدريجي وبناء الثقة.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.