حققت القوات السورية وحلفائها منجزا عسكريا ذات بعد استراتيجي وتعبوي بسيطرتها على مدينة البو كمال الحدودية في حين سبقتها القوات العراقية بتحرير القائم واحكام القبضة على الحدود المشتركة مع سوريا، وقد يثير هذا المنجز سؤالا مهما وهو الصمت الامريكي ازاء انفتاح السيطرة السورية المدعومة ايرانيا وروسيا وفصائل عراقية مع حزب الله في اتجاه الشرق عبر مناطق يفترض انها ساحة نشاط للتحالف الغربي بقيادة امريكية، فهل نحن أمام اتفاق امريكي روسي سري بتقاسم جديد للنفوذ؟ أم أن للأمريكان أجندة تستدرج الوضع الميداني والسياسي نحو تحقيق أهداف امريكية استراتيجية بعيدة المدى في المنطقة؟
في اعتقادي أن التحركات العسكرية في الأراضي السورية تجري بعلم وتفاهم وتوافق وتنسيق بين واشنطن وموسكو وتوجد اتفاقية ثنائية تنظم العلاقة بين الطرفين .. بمعنى أن أمريكا موافقة على انفتاح القوات السورية وحلفائها باتجاه الحدود العراقية على الرغم من أن ذلك يتناقض مع الموقف الأمريكي المعلن تجاه النظام في دمشق وايران وحزب الله.. وهذا الموقف يثير الكثير من الريبة والشكوك تجاه النوايا الأمريكية المبيّتة للمنطقة؟؟ فماذا يدور في أدمغة صنّاع القرار الأمني والعسكري (جيمس ماتيس،هربرت ماكمستر،مايكل بومبايو، ريك تيلرسون) من صقور الأمن القومي في البيت الأبيض؟ وهم يشكلون خلية أمنية متجانسة ومتحدة بالشعور العميق في العداء لإيران بالتفاعل والاستجابة مع سياسة الرئيس ترامب..!! الذي يجري هو الآتي:
أن الولايات المتحدة تعتمد استراتيجية ( استنفاذ الطاقة واستنزاف القوة ) بمعنى أنها لا تعترض على انفتاح القوات السورية وحلفائها نحو المناطق الشرقية لأن المخطط الأمريكي يعتقد أن ذلك الإنفتاح ينهك القوات المعنية ويستنفذ طاقتها ويضعف زخمها العسكري ويستنزف مواردها البشرية والمادية عبر انتشار صعب على آلاف الكيلومترات بعضها صحراوي ومعقد مثل بادية الشام في ظل عدم حسم نهائي لملف داعش الذين فروا باتجاهات مختلفة يعلمها الأمريكان الذين يراقبون الأجواء على مدار الساعة دون تدخل وهذا يحعل هذه القوات وخطوط امدادها الطويلة عرضة لحرب العصابات والكمائن والعبوات إضافة إلى تحديد مواقع السيطرة على اساس خطوط طول وعرض وليس شوارع ومناطق وبالتالي تصنيف تواجد القوات على الأرض بتوصيف (عدو أو محايد أو صديق) لتحديد قواعد الاشتباك في أية مواجهة مقبلة..!! وفي اعتقادي أن ذلك استدراج للوضع نحو كماشة سياسية وعسكرية تحقق العديد من الأهداف الأمريكة وبضمنها أن أي انتصار للقوات السورية وحلفائها وتأمين الطريق البري ما بين طهران ودمشق وبيروت يثير خوف وهلع وقلق المحور العربي المضاد وهذا يدفعهم للهرولة تجاه واشنطن لطلب النجدة والحماية والسلاح والدعم والتأييد السياسي وهنا تبدأ مرحلة الاستثمار السياسي والاقتصادي للأزمة وتوظيفها لخدمة الأجندات الأمريكية ولكن بعقلية التاجر والمقايضة والاستثمار والصفقات وإن كانت بدماء البشر …الأمريكان يديرون ملف الأزمات في المنطقة وليسوا بوارد البحث في الحلول… وستبقى المنطقة مشتعلة بانتظار مؤتمر يالطا جديد يعيد رسم الخرائط ويقسّم مناطق النفوذ بين اللاعبين الأساسيين وحتى ذلك الحين تبقى الشعوب تسدد فاتورة الصراع من دماء أبناءها واستقرارها وحرياتها المفقودة..
كلمة أخيرة : ( عندما تتصارع الفيلة فأنّ العشب هو الضحيّة ) مثل أفريقي