معظم الذين احتجّوا أو اعترضوا على مشروع القانون المطروح على مجلس النواب العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ منذ العام 1959، طرحوا سؤالاً منطقياً للغاية: ما الفرق بين الإسلاميين الذين يحكموننا وبين داعش؟
في هذا السؤال إحالة إلى الفكر السلفي المتطرف للتنظيم الإرهابي الذي جسّدته التطبيقات المشينة المناهضة حتى لأبسط حقوق الإنسان في “دولة الخلافة” المقامة في غرب العراق وشرق سوريا في السنوات الماضية، وهو فكر يسعى إسلاميّو الحكم عندنا لتطبيقه بنسخة معدّلة بعض الشيء فقط. مشروع القانون المقدّم إلى البرلمان أحد الأمثلة وأحدثها.
في جوهره، حدّد الدستور العراقي الذي صوّتت لصالحه الأغلبية من الشعب العراقي منذ اثنتي عشرة سنة، طبيعة دولة العراق الحالية بوصفها دولة مدنية، بنصّه في مادته الأولى ،على أنّ “نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي”. كما أنه حظر في المادة الثانية سنّ أي قانون “يتعارض مع مبادئ الديمقراطية”، وأي “قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور”.
التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية يتعارض كلّياً مع مدنيّة الدولة لأنه يقضي بعلوية الأحكام الشرعية على الحكم الدستوري، وهو يتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي تكفل حقوق الإنسان، لأنّ القانون المقترح من شأنه إرغام البنات الصغيرات (من عمر تسع سنوات) على الزواج بإرادة آبائهنّ وسائر القيّمين عليهن وليس بإرادتهنّ، ولا يمكن لطفلة أن تكون صاحبة إرادة وهي في عمر 9 سنوات أو حتى أربع عشرة سنة، ولهذا بالذات حدّد الدستور سِنّ الأهليّة (الاقتراع في الانتخابات وتولّي الوظيقة العامة) بـ 18 سنة. والقانون المقترح ينتهك الشرائع الدولية الملزمة لدولة العراق الخاصة بالحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي تحظر انتهاك حقوق الأطفال.
فضلاً عن هذا فإن القانون المقترح يبدو متعارضاً مع أحد الأحكام الأساسية للدستور التي ساوت بين العراقيين وحظرت كلّ تمييز في ما بينهم على أساس الدين والمذهب والقومية والجنس، فغاية هذا القانون التمييز بين الشيعة والسنّة والمسلمين والمسيحيين وأتباع سائر الديانات العراقية.
هذا القانون ،إذا ما شُرِّع، سيُقيم دولة داخل الدولة العراقية، تشبه “دولة الخلافة” الداعشية التي أشاعت ممارسات السبي والاغتصاب وانتهاك الحرمات، فشرعنة الزواج من البنات الأطفال في عمر 9 سنوات هو عملية سبي واغتصاب شنيعة تُرتكب في حقّ أكثر فئات المجتمع ضعفاً ورقّة وبراءة: الأطفال.
هذا القانون معيب، بل مخزٍ، يتعيّن على ذوي الضمير والوطنية والإنسانية الوقوف بقوة في وجه الساعين إلى تشريعه وإلحاق الإهانة بالشعب العراقي وتحويل العراق إلى دولة داعشية أخرى.
شاهد أيضاً
جنرالات وأشقاء.. بقلم سمير عطا الله*
لم يتعلم الإنسان أنه في الإمكان الوصول إلى اتفاق من دون إشعال حرب في سبيل الوصول إلى السلام، يسخر هواة الدماء والجثث من غاندي ومانديلا. آلة الحرب تدرّ مالاً وأوسمة وجاهاً. ويذهب الملايين إلى النسيان، كما هي عادة البشر منذ الأزل...