يكفي القول إنّ عطلة نهاية الأسبوع الماضي كانت متنوّعة وحافلة بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فبين اعتقال 11 من أبناء عمّه في إطار حملة لمكافحة الفساد، و تخطيطه للاستقالة المفاجئة – على ما يبدو – لرئيس الوزراء اللبناني، وقراءته (على الأرجح بسرور) تغريدة الرئيس الأمريكي ترامب التي عبّر فيها عن أمله بأن تبيع شركة النفط الوطنية “أرامكو” أسهمها في بورصة نيويورك، اتخذ محمد بن سلمان، الخلف السعودي المتوقع لوالده الملك سلمان سلسلةً من الخطوات الخاطفة للأنفاس والهادفة إلى ترسيخ سلطته. بالإضافة إلى ذلك، ضَمن الاحتجاز الجاذب لعناوين الإعلام للملياردير ورجل الأعمال الثري اللامع الأمير الوليد بن طلال تغطيةً قصوى، واضعاً بذلك المملكة على المسرح العالمي لتكون محور عددٍ من الحلقات الإخبارية.
لكن إذا كنتم تبحثون عن القصة الحقيقية وسط كل هذا، فانظروا إلى إيران. فيوم السبت، استُهدف مطار الرياض الدولي بما هو شبه مؤكّد بأنّه صاروخاً إيرانياً معدلاً آتياً من شمال اليمن. وتخضع هذه المنطقة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين الذين أَجَبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الهروب في عام 2015، مما أدى إلى نشوب حرب أهلية. ومنذ ذلك الحين، سعى التحالف الصارم الذي تقوده السعودية إلى إعادة هادي إلى السلطة. وبدورها، استُهدفت هذه الحملة بـ78 هجوماً صاروخياً من اليمن، وبالكاد استحقّ معظمها الذكر في الأخبار. وفي آذار/مارس 2015، اشتكى الملك سلمان لدى وزير الخارجية الأمريكي الزائر آنذاك جون كيري من خوفه من هجمات بصواريخ “سكود” على مكة التي تقع على بُعد 350 ميلاً شمال الحدود اليمنية. أمّا الرياض فتبعد أكثر من 700 ميل من اليمن. ويشكّل الهجوم الأخير فرقاً كبيراً ويوحي بتقدّم تقني سريع ومهمّ.
بالنسبة إلى محمد بن سلمان والقيادة السعودية، تمثّل الهجمات من اليمن خوفاً يُسرّ الحوثيون وداعموه الإيرانيون لإثارته. وكانت صحيفة “عرب نيوز” الناطقة بالانجليزية قد أعلنت يوم الإثنين أنّ الهجوم الصاروخي كان “عملاً من أعمال الحرب” من جانب إيران. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن “المملكة تحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب على الأعمال العدائية للنظام الإيراني… لن نسمح بانتهاك أمننا الوطني”. كما نقلت المقالة عن قيادة قوّات التحالف التي تقودها السعودية وصفها الهجوم “كعدوان عسكري سافر من قِبل النظام الإيراني”.
ومن الناحية التكتيكية، يتعثّر السعوديون وحلفائهم في الإمارات العربية المتحدة في مهمّتهم الرامية إلى إعادة هادي إلى السلطة. ومن الناحية الاستراتيجية، يشير الهجوم الصاروخي إلى أنّ التحالف قد يخسر – وهو منحى يتوق محمد بن سلمان إلى عكسه. ويقول أولئك الذين التقوا به أنه يريد أن يصبح أكثر حزماً حول إيران ووكلائها. كما أن الهجمات الصاروخية الأخرى مثل الهجوم الأخير، قد تدفع شركات الطيران الأجنبية إلى وقف رحلاتها إلى الرياض. إلّا أنّ خطراً كهذا لا يتوافق مع “صورة” محمد بن سلمان الجديدة لمملكة حديثة متألّقة تبنّت الإسلام المعتدل، وهي رؤية كشف عنها خلال مؤتمر مهمّ للمستثمرين الأجانب قبل أسابيع قليلة فقط.
ويعود الصراع السعودي-الإيراني إلى ما قبل عهد محمد بن سلمان، إذ تعود الجولة الأخيرة إلى الثورة الإسلامية عام 1979. وتعتبر السعودية إيران خصماً تاريخياً وعرقياً، وعدواً شيعياً يتحدّى القيادة السعودية للعالم الإسلامي السنّي، ومتحدّياً ثورياً للوضع الإقليمي الراهن. أمّا هدف إيران على المدى الطويل فهو إضعاف الوضع الراهن الذي تضمنه الولايات المتحدة بشكل فعال. ويقضي هدفها على المدى القصير الاستفادة من عواقب الحرب العراقية و”الربيع العربي” لنشر تأثيرها وبلوغ المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة. وتنتمي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت إلى الجانب الإيراني في الوقت الراهن. أمّا السعودية فتتزعم الدول العربية المحافظة على الرغم من أنّ البروز المطّرد لمحمد بن سلمان يعني أنّه يتم حالياً تقديم مستقبل حديث لهؤلاء السكّان (على الرغم من كونه غير ديمقراطي). وبالنسبة إلى محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاماً، يُعتبر التعامل مع إيران مهمّاً بقدر التحوّل في الاقتصاد السعودي وتحت غطاء حملة ضد الفساد مع تسوية مسألة المنافسات وسط العائلة المالكة.
أما بالنسبة لإيران، فشكّلت اليمن تحت حكم علي عبد الله صالح هدفاً بمحض الصدفة. وكان دعم القبائل الحوثية من خلال تزويدها بالمساعدة التنظيمية والأموال مجرّد خدعة. وقد انهار حكم صالح لكنّه شكّل تحالفاً مع الحوثيين ضدّ الرئيس هادي، الذي هو قيد الإقامة الجبرية في السعودية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها سلاح الجو السعودي، إلا أنها فشلت في طرد الحوثيين. وكانت القوّات الإماراتية أكثر نجاحاً في جنوب البلاد، حول مدينة عدن الساحلية. إلّا أنّها تواجه مصاعب هناك من قِبل جماعات على غرار تنظيم «القاعدة» التي حوّلت المناطق الداخلية اليمنية إلى ملاذ لها.
ويبدو أنّ نجاح إيران في دعم حلفائها الحوثيين في اليمن عاقبة لتدخّل ملائم، وهو رهان صغير كان له النتيجة المرجوّة. وقبل عدة أشهر، سألتُ جنرالاً سعودياً يزور واشنطن كم هو عدد الإيرانيين في اليمن. توقّعت تخمين الآلاف أو ربّما المئات. فاجأني جوابه على ما قدّرت أنّه سؤال بديهي، إذ قال: “لا أعرف”. ويسود اعتقادٌ، استناداً إلى الأجوبة التي حصلتُ عليها بمضايقتي مسؤولين في واشنطن، أنّ الرقم هو في العشرات. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، تأتي فرق صغيرة من إيران للتدريب على أنظمة أسلحة معيّنة أو تشغيلها، ثمّ ترحل. ومن هنا تُفسّر الصواريخ التي أطلقت من الساحل على سفن حربية أمريكية في البحر الأحمر في العام الماضيوهجوم القارب من دون ربّان على فرقاطة سعودية في كانون الثاني/ يناير.
ويُرجع خبراء في الصواريخ الفضل إلى إيران على المدى الطويل لترسانة اليمن المتبقية المؤلفة من صواريخ “سكود”. وقد قال لي مسؤولون إن إيران ربما أرسلت خزّانات وقود أكبر وأجزاء هياكل إلى اليمن. وكان سيتمّ ملاحظة محاولات تهريب صواريخ كاملة وهو ما كان يأمل المرء أن يكون محظوراً من قبل الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، يشكّل تعقّب شاحنات محمّلة بالحاويات يتمّ تفريغها في المباني أو الأنفاق أمراً عسيراً على مسؤولي الاستخبارات. كما يُعتبر نقل أجزاء صواريخ بصورة سرّية أسهل بكثير. (وعلى الرغم من الحصار ونقص الغذاء والمساعدات الإنسانية في المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون، ذكرت مجلّة “ذي إكونومست” في تمّوز/ يوليو أنّ بوظة “باسكن روبنز” لا تزال تصل إلى صنعاء عبر شاحنات مبرّدة تعبر البرّ من سلطنة عُمان). ويتمثّل التحدّي في لحم الامتدادات في الصواريخ الموجودة أصلاً. ومن الأرجح أن تكون إيران قد توصّلت إلى حلّ الصعوبات الفنية المتعلقة بالاستقرار في الطيران خلال تجاربها الصاروخية الأخيرة التي قامت بها على أراضيها.
وكان ردّ السعودية سريعاً على الصاروخ الذي أُطلق يوم السبت. لا بل جذري، إذ أعلنت في اليوم التالي أنها ستغلق جميع الحدود البرّية والبحرية والجوّية مع اليمن. كما نشرت الرياض لائحة بصور وأسماء 40 حوثياً مطلوبين بتهم “جرائم إرهابية”. وتمّ تقديم مكافآت أيضاً على النحو التالي: 30 مليون دولار مقابل قائد الحوثيين، عبد الملك بدر الحوثي، و 20 مليون دولار مقابل ملازميه العشرة المهمّين، و10 ملايين دولار للدرجة التالية من المنفّذين، وهكذا دواليك. وهنا يتساءل المرء لماذا استغرقت الرياض كل هذا الوقت لتقديم مثل هذه الحوافز، إذ تُعرف اليمن بكونها مكاناً يوجد فيه ثمن حتّى للولاء.
وبدلاً من النظر إلى اليمن كدولة ثانوية فقيرة لا أهمّية تُذكر لها، يبدو أنّ أمراء آل سعود يعتبرونها خنجراً يستهدف قلبهم، إذ أن ابن سعود، جدّ محمد بن سلمان، قد حذّر كما يُقال من تهديد اليمن من على فراش موته. وطالما استمرت الحرب الإقليمية بالوكالة مع إيران، ستبقى اليمن مسرحاً رئيسياً لهذه الحرب وجزءاً حيوياً من الطموحات الإقليمية لمحمد بن سلمان.
*سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.