أسمع بكاء القدس وأنينها وأشمّ رائحة دموعها وهي تغسل الحزن والوجع عن قبابها وحيطانها العتيقة ، القدس ليست حزينة على نفسها فهي كالأم الثكلى تودع وتشيّع أخواتها من المدن العربية التي استباحها المتعصبون من أبنائها وأحالتها الحروب إلى وحول من الدماء والخراب والمخيمات والذكريات الأليمة.. فلا عزاء للقدس السليبة ونحن نفتح أبواب دولنا لمن تجرأ عليها وطعن كرامتها وانقض على ضعفها وتبرع بها لأحفاد بنو قريظة والنضير..!! لا عزاء للقدس ونحن نستقوي ونتحالف ونحتمي بقوى نشيطنها ونزعم مناهضتها ومعاداة سياساتها المنحازة..!! كفى دجلا وكذبا ونفاقا ..القدس التي أضاعها المتخاذلون من العرب لم تعد تصلح سلعة للتجارة والاستثمار السياسي والتجييش فهذه اليافطات تقاعدت منذ زمن وآن لها أن تستريح… علينا أولا كدول وأنظمة أن نعيد بناء وترميم جبهاتنا الداخلية المتصدعة وإصلاح سياساتنا الفاشلة والمخترقة ومعالجة خرائطنا المريضة قبل مواجهة العدو الغاصب للقدس ..علينا أن نغادر الأنفاق المعتمة ونغتسل من التعصب والطائفية والفتنة ونكفّ عن الإبحار في المياه المفخخة ومستنقعات التاريخ وكهوفه المظلمة وخلافه فأننا كمن يحرث في البحر ..!! فلا زلنا نتبادل الطعنات ونخفي الخناجر تحت عباءة الأخوّة ونشعل الخلافات والصراعات والحروب وندمّر المدن ونحفر المقابر .. لا زلنا نقف في مناطق رمادية تتآكل فيها فكرة الدولة لصالح الإنقسام والتشرذم واصطفاف المذاهب والأعراق..لا زلنا مستبدين وعاجزين عن التوحد وتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية.. فكيف السبيل الى القدس وسط هذا الإنحطاط والتردي..!!؟؟ تلك القلعة المنيعة المتحدية لقوى الإحتلال والعدوان.. الصامدة في وجه الزمن العاصف والسنوات العجاف..!! لا شكّ أنّ القدس خجلى وهي تداري إحساسها بعجز الأمة وخذلانها.. ولكن ثباتها سيرفد المخلصين والصادقين لوعدها بكل أسلحة الصمود والدفاع والنصر وهي تنتظر جيل التحرير والخلاصِ وتشدُّ للقادمين مع الفجر نياطهم وقماطهم أطفالا ليشدوا لها النطاق كبارا شهداءَ مُحررين..
وحديثُ أوطانٍ تفاخرُ أنّها*** شدّت لذيّاك الرضيعِ مُهودا
وبأنّها شدّت عليه قماطهُ طفلا*** وشدّ لها النطاق شهيدا