يبدو أن البحرين تفوّقت على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في السباق على إرساء علاقات رسمية مع إسرائيل. ففي 9 كانون الأول/ديسمبر، وصل إلى إسرائيل وفدٌ مؤلف من 23 شخصاً من هذه المملكة الخليجية الصغيرة في زيارة دامت أربعة أيام وشملت القدس أيضاً. وهذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها هذا الوفد من جمعية “هذه هي البحرين” إلى اسرائيل بغية التفاخر بالتسامح الذي تدّعيه البحرين تجاه كافة الأديان، والغاية منها دعم التزام الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتعزيز الحرية الدينية والتعايش في جميع أنحاء العالم، رغم أنه لا يبدو أن الوفد يتمتع بصفة رسمية. وبالرغم من غياب علاقات رسمية بين البحرين واسرائيل، يبدو أن الملك حمد مقتنع بالتمييز بين التواصل الديني والاتصالات الدبلوماسية المفتوحة، وهو تمييز مشكوك فيه مع أنه ربما مثير للإعجاب في سياق الشرق الأوسط.
ولعل القرّاء الذين يتابعون الأخبار الدولية لاحظوا أن موعد زيارة الوفد إلى القدس صادف في أسبوع حافل. فاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لاسرائيل في 6 كانون الأول/ديسمبر أثار موجةً من السخط الرسمي في العالم العربي، بينماصرّحت وزارة الخارجية البحرينية بأن هذا القرار “يهدد عملية السلام في الشرق الأوسط ويعيق كافة المبادرات والمفاوضات للتوصل إلى الحل النهائي المأمول”. وحتى إذا افترضنا أن الاستخدام غير الموفّق للعبارة غير المشجعة “الحل النهائي” كان خطأ غير مقصود، فإن ذلك يوحي بأن وزارة الخارجية لم تكن على علم بالأمر، مع أن مصادر داخلية كشفت أن الملك حمد نفسه منح الإذن لهذه الزيارة.
ومع ذلك، تأتي هذه الزيارة أيضاً في وقتٍ تعمل فيه الدول الخليجية على تعزيز علاقاتها الأمنية والاستخبارية مع إسرائيل بسبب المصلحة المشتركة في التصدي لما تعتبره تلك الدول تهديداً إيرانياً. والواقع أن ردّ فعل الرياض وأبوظبي على زيارة الوفد يستحق المراقبة لمعرفة ما إذا كانت البحرين تسير في طليعة العملية أم أنها مجرد تحاول تخطّي قدراتها.
وقد أقدم السعوديون والإماراتيون علناً أيضاً على الانفتاح على الإسرائيليين خلال السنوات الأخيرة، وإن كان ذلك مبدئياً إلى حد كبير. فالسعودية جعلت أي علاقة مفتوحة مع اسرائيل مشروطةً باتفاقية سلام مع الفلسطينيين. ولكن مرونتها بهذا الشأن قد تكون آخذةً في التنامي. [وفي هذا الصدد]، صاغ رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل صفةً جديدة لنفسه بعد تقاعده حيث أصبح المتحاور العلني مع المسؤولين الإسرائيليين السابقين، وهذه هواية تحتاج إلى موافقة من الرياض. وقد أفادت بعض التقارير أيضاً – بشكل مؤذٍ بالتأكيد وربما على نحو غير صحيح – أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد زار إسرائيل، مع أن تغيّر الزمن والأوضاع يدل على أنه لا يمكن دحض هذه الفكرة باعتبارها منافية للمنطق. أما الإمارات فتستضيف من جهتها بعثةً دبلوماسيةً إسرائيليةً معتمَدة لدى “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” التي مقرها في أبوظبي. ولكن إذا كان المسؤولون الإماراتيون قد زاروا إسرائيل، فقد قاموا بذلك سراً.
وقد سُلّطت الأضواء على زيارة الوفد البحريني في 9 كانون الأول/ديسمبر حين التقطت عدسة محطة “القناة الثانية” في التلفزيون الإسرائيلي أفراد وفد “هذه هي البحرين” عندما كانوا يتجوّلون بين المحلات التجارية في الحي المسيحي من البلدة القديمة الذي يعتبر جزءاً من القدس الشرقية. وكان الوفد يتجول بقيادة رئيسة الجمعية بيتسي ماثيسون الاسكتلندية الأصل التي أصبحت حالياً مواطنة بحرينية. أما أفراد الوفد الآخرين فكانوا يرتدون بمعظمهم زياً دينياً تابعاً لديانة معينة، ومن ضمنهم إمام شيعي يعتبره ناشطو المعارضة موالياً للحكومة. ويشار إلى أن الوفد التقى أيضاً بوزير الاتصالات أيوب قرا، وهو الوزير الدرزي الوحيد في حكومة بنيامين نتنياهو.
بيد أن اللافت كان افتقار الوفد إلى شخص من الجالية اليهودية الصغيرة في البحرين، التي تقدَّر عادةً بأقل من أربعين شخصاً وغالباً ما يستخدمها الملك حمد كمثالٍ عن تسامح بلاده. فالبحرين تتميز عن الدول الخليجية العربية الأخرى بمعبد يهودي أعيد بناؤه بعد تدميره عام 1947 خلال أعمال شغب معادية للسامية. وقد اصطُحبتُ لرؤيته خلال زيارة قمت بها إلى البحرين في كانون الثاني/يناير الماضي، ووجدته عبارة عن مبنى صغير مجهول يقع عند تقاطع طرق في منطقة السوق القديم، وهو اليوم محاطٌ بمباني شاهقة. وقد رمقني السكان المتواجدون في الأزقة بنظرات غريبة، إنما غير عدائية، بينما كنا نحاول إيجاد هذا الكنيس. وبما أن الطقوس الدينية تقام حالياً في المنازل الخاصة لأبناء المجتمع اليهودي، لم يحتوِ الكنيس على الكثير إنما اقتصر على بضع طاولات وكراسٍ وشمعدان كبير ذي تسع تشعبات ومغلّف بالبلاستيك.
وكان هذا الشمعدان هديةّ من مجموعة زوار من الحاخامات الأوروبيين عُرض لهم فيديو جدلي يرقصون فيه مع مسلمين بحرينيين احتفالاً بعيد الأنوار (حانوكا) قبل ذلك بشهر، حيث شهد هذا الفيديو المصوّر عبر الهاتف انتشاراً ساحقاً فاستحث من المتطرفين السُّنة في البحرين طقوس تنظيفٍ لمدخل سوق المنامة بهدف تطهيره من أي أثر لزيارة الحاخامات. وقد نُشرت صورٌ عن هذا العمل الاحتجاجي على المواقع الإلكترونية المناهضة للحكومة.
إنّ غياب العضو اليهودي عن وفد القدس مثيرٌ للفضول – وليس معروفاً ما إذا كانت الجالية اليهودية البحرينية على علمٍ بخطة الزيارة إلى إسرائيل. ويشار إلى أن أشهر أعضاء هذه الطائفة هي هدى نونو التي شغلت منصب سفير البحرين في واشنطن لمدة خمس سنوات حتى عام 2013، وتحتفظ بعلاقات مع الجماعات اليهودية (وليس الإسرائيلية). كما أن وفداً من اللجنة اليهودية الأمريكية يزور البحرين سنوياً، وكانت آخر زيارة له في شهر تشرين الأول/أكتوبر، عندما التقى بوزير الداخلية.
غير أن اليهود الأمريكيين كانوا يشاركون على ما يبدو في التخطيط لهذه الزيارة، وأبرزهم الحاخام مارفين هاير من “مركز سايمون فيزنتال” في لوس أنجلوس، الذي ألقى دعاء بركة خلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير. وقد استضاف الحاخام هاير نجل الملك حمد الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة البالغ من العمر الثلاثين عاماً خلال حفلٍ أقيم في “متحف التسامح” Museum of Tolerance في لوس أنجلوس في أيلول/سبتمبر. وألقى الشيخ ناصر كلمةً في ذلك الاحتفال، الذي كان جديراً بالملاحظة حيث أنه تضمّن، ليس فقط عزف النشيدين الوطنيين البحريني والأمريكي من قبل فرقة الشرطة البحرينية، بل أيضاً غناءً مؤثراً بالعبرية للنشيد الوطني الإسرائيلي المعروف بنشيد الأمل (“هاتيكفا”).
هذا وقد أفاد موقع “إيجيبت توداي” (مصر اليوم) في 10 كانون الأول/ديسمبر أن وكالات الأنباء الفلسطينية تتناقل خبر منع الوفد البحريني من الدخول إلى المسجد الأقصى وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام، علماً أن صحة الحادثة لا تزال محط خلاف. ومن شأن هذه الزيارة أن تثير رد فعل عنيف في البحرين نفسها، حيث أصدرت السفارة الأمريكية رسالةً أمنيةً في 6 كانون الأول/ديسمبر تحذّر فيها المواطنين الأمريكيين من إمكانية “أن يسبب” إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل “احتجاجات، مع احتمال أن يتحول بعضها إلى احتجاجات عنيفة”.
ومنذ انتشار خبر زيارة الوفد، ظهرت تقارير من اسرائيل تزعم أن قرا ينوي زيارة البحرين في الأشهر المقبلة، حيث صرّح في مقابلة قائلاً: “ستظهر مفاجآت جديدة في العام المقبل، إذ نشهد اهتماماً كبيراً من الدول الخليجية في تطوير علاقات مع إسرائيل”.
وعلى الرغم من أن قرا مقرّب من نتنياهو، إلّا أنّه لا يمثّل بالضرورة المؤشر الأكثر موثوقية لوضع العلاقات الخليجية – الإسرائيلية، التي هي من اختصاص القوات المسلحة والاستخبارات والسلك الدبلوماسي في إسرائيل. ولربما أيضاً ثمة توتر بين رغبة هذه الأطراف في الحفاظ على العلاقات القائمة وتعزيزها سراً من جهة، ورغبة السياسيين في تحقيق إنجاز علني من جهة أخرى. وقد تتحقق أمنية هذه المجموعة الأخيرة. فملك البحرين حمد لا يُعتبر عادةً النظير السياسي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أو صديقه الإماراتي الحميم ولي العهد الأمير محمد بن زايد، غير أن الزيارة إلى القدس تشير إلى أن علاقة إسرائيل مع دول الخليج لا يمكن أن تبقى سريةً إلى الأبد.
*سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.