حجر جديد يحرك المياه الراكدة في المشهد السياسي المصري، أفرز موجات متتابعة أثارت ضجة وجدلاً داخل الشارع بعد أن دخل مرحلة البيات الشتوي التي أفرزتها المستجدات الأخيرة منذ تراجع الفريق أحمد شفيق عن إعلانه السابق خوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
المتحدث باسم حزب “مصر العروبة الديمقراطي” سامي بلح في مفاجأة من العيار الثقيل أعلن ترشح الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق، للانتخابات القادمة، المقرر إجراؤها في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2018، ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي من المرشح نفسه بهذا الشأن غير أن الحزب الذي يتزعمه عنان أكد ذلك، متعهدًا بإعلان التفاصيل عبر مؤتمر صحفي اليوم السبت بمقر الحزب بمنطقة الدقي بمحافظة الجيزة.
إعلان خطوة الترشح – وإن كانت مفاجئة – غير أنها لم تثر اهتمام الكثير من المتابعين للمشهد، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يبدي فيها عنان رغبته في خوض هذه العملية، إلا أن الرهان الذي بات محل جدال بين القوى والأطياف السياسية وحتى رجل الشارع العادي يتعلق بمدى استمرارية رئيس أركان حرب الجيش السابق في الترشح وصموده أمام الضغوط المتوقعة من النظام الحاليّ بأجهزته وأذرعه المختلفة، فهل يصمد عنان؟
من سامي عنان؟
قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني2011 لم يكن اسم الفريق عنان مطروحًا على الساحة السياسية، رغم كونه الرجل الثاني في الجيش المصري حينها، لكن ومع بزوغ فجر الثورة وتصدر القوات المسلحة المشهد السياسي منذ جمعة الغضب 28 من يناير/كانون الثاني، بات الرجل أحد أبرز الأسماء التي تحلق في سماء الإعلام والميدان على حد سواء.
المنصب الذي كان يتقلده عنان خلال الثورة كونه المسؤول العسكري الأول عن تحريك القوات من أصغر جندي حتى مستوى الجيوش الميدانية، بعيدًا عن وزير الدفاع الذي كان منصبه سياسيًا في المقام الأول، عكس حجم وقوة الدور الذي لعبه حينها.
وعلى الرغم من أن القرارات الخاصة بالتعامل مع ثورة يناير وأحداثها وما تلاها من تطورات حتى إقالته من منصبه في 12 من أغسطس 2012، كانت قرارات جماعية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن موقفه كان فائق الأهمية بحكم صلاحياته، وكان يمكنه تغيير الكثير من الأمور، لو أنه كان قد انحاز إلى مبارك في ذلك الحين.
عنان من مواليد 2 من فبراير/شباط من العام 1948، درس في كلية أركان الحرب في فرنسا، وحصل على زمالة كلية الدفاع الوطني من أكاديمية ناصر العسكرية، وزمالة كلية الحرب العليا، وتلقى الكثير من الدورات المتخصصة في مجال الدفاع الجوي من روسيا وفرنسا، كما حصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الممتازة.
التحق عنان بدورة أركان حرب أهلته لتولي مناصب قيادية في المؤسسة العسكرية التي تحظى بثقة المصريين واحترامهم، وتولى منصب رئيس فرع العمليات في يوليو عام 1998، فرئيس أركان قوات الدفاع الجوي في يناير عام 2000، ثم قائدًا لقوات الدفاع الجوي عام 2001، بعدها أصدر الرئيس السابق حسني مبارك قرارًا بتعيينه رئيسًا للأركان عام 2005 برتبة فريق، ثم نائبًا للمجلس العسكري في أثناء حرب يناير 2011 قبل أن يقيله الرئيس السابق محمد مرسي من منصبه عام 2012.
إعلان خطوة الترشح – وإن كانت مفاجئة – غير أنها لم تثر اهتمام الكثير من المتابعين للمشهد، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يبدي فيها عنان رغبته في خوض هذه العملية
شارك في حرب الاستنزاف في الفترة من 1967 حتى 1972 وشارك في حرب أكتوبر 1973، عين قائدًا لكتيبة صواريخ في الدفاع الجوي في يوليو 1981، بعدها عين ملحقًا للدفاع بسفارة مصر في المغرب في أغسطس عام 1990 وهي الفترة الوحيدة التي قضاها خارج مصر ولمدة عامين، وفي أغسطس عام 1992 عين عنان قائد لواء عقب عودته إلى البلاد، ثم قائد للفرقة 15 في الدفاع الجوي والمتمركزة في مدينة الأقصر في يناير 1996.
قام عنان بدور بارز خلال أحداث مذبحة الأقصر التي راح ضحيتها عدد من السياح الأجانب عام 1997، حيث كان حينها برتبة عقيد بالقوات المسلحة المصرية، وتدخل لمساعدة عناصر الشرطة المصرية لتأمين المدينة التي شهدت أعنف حادث إرهابي، وكانت سيطرته السريعة على الموقف بداية صعوده السريع في الحياة العسكرية.
إطاحة مرسي به من رئاسة الأركان في 2012 لم تغيبه عن المشهد السياسي
ليست المرة الأولى
ليست هذه المرة الأولى التي يبدي فيها عنان رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية، فالرجل منذ ثورة يناير وحلم الرئاسة يراوده مرارًا وتكرارًا، غير أنه وفي المرة الأولى في انتخابات 2012 رفض المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الأسبق الفكرة من الأساس، وفي المرة الثانية تراجع عن قرار الترشح لانتخابات 2014 بعد تعرضه لحزمة من الضغوط حينها تم كشفها لاحقًا.
إلا أنه وفي وقت سابق من العام الماضي، ترددت بعض الأنباء التي تشير إلى أن عنان كان ينوي المشاركة في انتخابات 2018 ومنافسة الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي، حيث أجرى بعض الاتصالات في الداخل والخارج، فضلاً عن تواصله المستمر مع بعض الجهات السيادية والأجهزة الحكومية والسياسية لاستطلاع آرائهم في هذه الخطوة، وذلك قبل أن يعلن الحزب الذي يتزعمه ترشحه لخوض هذا المضمار وإن لم يأت الإعلان رسميًا على لسانه.
وبالنظر إلى دوافع إعلان ترشح عنان للانتخابات الرئاسية القادمة يلاحظ أنها نفس دوافع ترشح شفيق التي تسير جميعها في إطار ضعف موقف السيسي وفشله في إدارة المرحلة الحاليّة على النحو المأمول، وهو ما تجسده العديد من الشواهد في الداخل والخارج التي أثرت بشكل أو بآخر على شعبيته مقارنة بما كانت عليه في السابق.
فلم يعد السيسي مرشح الضرورة كما كان يصفه الراحل محمد حسنين هيكل، ولم يعد بريقه كما كان كونه الرجل الذي خلص المصريين من حكم الإخوان، فمسارات الفشل المتعددة التي تسبب نظامه فيها على الأصعدة كافة، انتزعت الكثير من الهالة التي أحيطت به منذ 2013 وحتى الآن، وهو ما كان دافعًا للعديد من الأسماء لمنافسته على كرسي الرئاسة – عكس 2014 – على أمل إحداث أي تغيير ينتشل البلاد من هذا المأزق الذي تقبع فيه منذ سنوات.
البديل الجاهز لشفيق
الظهور المفاجئ لـ”عنان” ـ أيًا كان شكله ـ في المشهد، كان علامة استفهام لدى الكثير من المحللين، إذ يبدو أن هناك ترتيبات تجري خلف الأبواب المغلقة بين الجهات السيادية في الدولة.
كما أنه لا يمكن الفصل بين ترشح عنان وانسحاب شفيق، فكلاهما – وفق البعض – يصدران من سياق “أمني وسياسي” واحد، ويعبران عن القوى المعارضة لـ”السيسي”، داخل مؤسسات الدولة المختلفة، وإن لم يتم إعلان ذلك بشكل رسمي غير أن التتابع الزمني لمسار دخولهما المشهد الانتخابي يشير إلى شيء من هذا القبيل.
نجاح الضغوط التي مورست على شفيق في إبعاده عن السباق الانتخابي ربما تحمل في مضمونها إهانة وتقليل من شأن السند الذي تقف خلف ترشحه، فليس من المعقول أن يعلن شفيق هذه الخطوة دون الاستناد إلى ظهير قوي، سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج.
ومن ثم فإن سرعة إعلان تيار عنان ترشحه للانتخابات يعكس احتمالية أن يكون هو البديل الجاهز لشفيق بعد خروجه من السباق بهذا الشكل، إذ إنه لا فرق بين المرشحين في التوجهات وآليات التفكير، فكلاهما من قيادات الجيش القوية التي لا تزال تتمتع بنفوذ – وإن كان قليلاً – داخل المؤسسة العسكرية، هذا بخلاف أن كليهما ينضم إلى التيار المعارض لبعض سياسات السيسي ولعل بياناتهما بشأن ملف سد النهضة وحادثة الروضة الأخيرة في سيناء يعكسان هذا الموقف بصورة واضحة.
تقليم الأظافر مبكرًا
تحركات عنان الأخيرة لم تكن في غيبة عن أعين دائرة السيسي التي سعت إلى الرد بطرق متباينة، بعضها جاء في صورة رسائل تحذيرية له ولبعض أفراد أسرته من بعض المحسوبين على النظام الحاليّ وأبرزهم من الإعلاميين ملخصها بأنه لو فكر في الترشح سيتم فتح الملفات القديمة المتعلقة بشأن وقائع فساد مالي واتجار بأراضي الدولة وتربح من عمليات تسقيع وبيع أراض مميزة كانت خصصت له بصفته الوظيفية، هذا بخلاف ملفات أخرى متعلقة بزوجته السيدة منيرة القاضي الرئيس السابق لقطاع المناطق الضريبية بمصلحة الضرائب التابعة لوزارة المالية.
أما فيما يتعلق بمساعي تقليم أظافر عنان داخل صفوف الجيش، خاصة أنه كان أحد القيادات المحبوبة بشهادة الكثير من المقربين منه، فقام السيسي بحركة تصفية واسعة داخل صفوف سلاح الدفاع الجوي الذي ينتمي إليه الفريق، عبر إحالة عشرات الضباط إلى التقاعد، في ديسمبر/كانون الأول 2016، بسبب صلاتهم المحتملة به ثم تكللت الحركة بإحالة قائد السلاح الفريق عبد المنعم التراس، إلى التقاعد، وهو آخر قائد عسكري كانت له صلة قوية بعنان.
شبح انسحاب عنان في 2014 ما زال يطارد أنصاره
هل يمثل مصدر قلق؟
ثلاثة أمور تزيد من ثقل قوة سامي عنان في مضمار السباق الانتخابي حال الاستمرار فيه، وذاتهم دوافع قلق النظام الحاليّ من رئيس الأركان السابق رغم أنه لم يشكل قبل ذلك أي مصدر تهديد.
الأول: مكانة عنان داخل صفوف الجيش، فالرجل كان رئيسًا لأركان المؤسسة العسكرية، بما يعني أنه كان الرجل الأول الذي يحرك قطاعات القوات المسلحة كافة، وفي ظل التعتيم الذي كان قائمًا على أنشطة الجيش إبان حكم مبارك، بنى عنان، وفي هدوء، شبكة علاقات واسعة للغاية في مختلف مؤسسات القوات المسلحة وهيئاتها ووحداتها، وهو كان أمرًا طبيعيًّا بحكم منصبه، حتى لو لم يكن يطمع في أي دور سياسي له.
الثاني: دور عنان في ثورة يناير، حيث كان نائبًا لرئيس المجلس العسكري، بالتالي ومع تولي المجلس إدارة شؤون البلاد، وتحول طنطاوي إلى حاكم مؤقت للبلاد لحين انتخاب رئيس جديد لها، صار عنان في منصب يوازي نائب رئيس الجمهورية في الحالات العادية.
هذا المنصب مكنه من أن يبني قاعدة واسعة من العلاقات السياسية، نتيجة المهام التي كانت ملقاة على عاتقه في ذلك الحين، من أجل إتمام ترتيبات المرحلة الانتقالية في مصر ما بعد ثورة يناير، مما كان لذلك من أثر جيد فيما يتعلق بوضع القبول لديه لدى الكثير من القوى السياسية، بخلاف طبيعته الهادئة الصامتة التي تجعله أقرب إلى سماع الآخرين والتفاهم معهم، مقارنة بغيره وعلى رأسهم طنطاوي.
نجاح الضغوط التي مورست على شفيق في إبعاده عن السباق الانتخابي ربما تحمل في مضمونها إهانة وتقليل من شأن السند الذي يقف خلف ترشحه، فليس من المعقول أن يعلن شفيق هذه الخطوة دون الاستناد إلى ظهير قوي، سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج
الثالث: قدرة الفريق عنان أن يكون احتياطيًا إستراتيجيًّا كبديل للحكم في مصر، كونه الوجه الذي يوائم بين المؤسسة العسكرية والقوى الإسلامية والسياسية الداخلية من جانب، فضلاً عن علاقته القوية بالأطراف الخارجية الفاعلة في التأثير في المشهد الداخلي وعلى رأسها الولايات المتحدة من جانب آخر.
فتناقص شعبية السيسي خلال السنوات الأربعة الأخيرة، بحسب نتائج استطلاعات الرأي المختلفة، لا شك أنها تقلق الكثير من الجهات السيادية نظرًا لما يمكن أن يترتب على ذلك من تهديد لبعضها لا سيما الأجهزة المخابراتية التي تنظر لمصلحة الدولة بعين أكثر اتساعًا من النظرة الضيقة للمؤسسات الأخرى، مما يجعل من عنان البديل الجاهز الذي يحفظ لهذه الكيانات مكانتها ويستعيد بعض ما فقدته من خلال ما يتمتع به من قبول لدى شتى القطاعات السياسية والمدنية المتناحرة، لكن يبقى السؤال: هل يصمد؟
هل يصمد عنان؟
كما ذكرنا آنفًا فإن إعلان الترشح في حد ذاته ليس خبرًا، لكن الصمود والاستمرار والتمسك بهذا الإعلان حتى النهاية هو الخبر الذي يترقبه البعض وعلى أساسه من الممكن أن تتغير ملامح كثيرة في خريطة النظام المصري خلال السنوات القادمة.
التجربة السابقة لعنان في 2014 ما زالت تضاجع أحلام أنصاره وتؤرق نومهم خاصة أنه كان قاب قوسين أو أدنى من دخول السباق قبل أن يتراجع بفعل بعض الضغوط التي مورست عليه واضطر بسببها إلى إعلان انسحابه بدعوى تجنب إحداث أي شقاق داخل المؤسسة العسكرية وبما تقتضيه المصلحة الوطنية حينها.
سامي بلح المتحدث باسم حزب “مصر العروبة الديمقراطي” والذي أعلن خبر ترشح عنان، أكد في تصريحات صحفية له أن الفريق لن يتراجع عن ترشحه مهما كان الثمن، مشيرًا أن تاريخه العسكري لا يسمح له بأن يقوم بدور “الكومبارس” في الانتخابات القادمة.
وعن الضغوط التي من الممكن أن يتعرض لها عنان، كشف بلح أنه حتى الآن لم يتعرض الفريق لأي انتقادات بشأن خبر الترشح حتى إن لم يعلن على لسانه رسميًا خبر خوض الانتخابات القادمة.
وبحسب مصادر خاصة بـ”نون بوست” مقربة من الفريق عنان، فإن هناك اتصالات تجرى معه منذ أول أمس بشأن إعلان ترشحه، بعضها من إعلاميين مقربين من السيسي وأخرى من بعض الجهات السياسية الأخرى، في محاولة للوصول إلى نقطة اتفاق، ومع ذلك لم تسفر تلك المباحثات عن جديد يغير ما تم إعلانه بشأن قرار المشاركة في الانتخابات.
كل ما سبق يدور في إطار التكهنات السياسية التي صاحبت إعلان الترشح لكن يبقى الأمر الفصل في صمود عنان ذي الـ69 عامًا أمام الضغوط المتوقع أن يتعرض لها، وإن كان وبحسب مصادر خاصة أعد لها عدتها بالكامل، مستفيدًا من التجربة السابقة، ومن ثم فإن الحديث عن تحالفات وفرص عنان في الانتخابات القادمة حديث سابق لأوانه، فإن صمد وواصل وقتها يكون لكل حدث حديث، وإلا وفي حال تكرار سيناريو 2014 فسيكتب رئيس أركان حرب الجيش المصري السابق شهادة وفاته السياسية كما كتبها شفيق، لتمهد الساحة بعدها نحو ولاية ثانية للسيسي على طبق من ذهب دون منافسة حقيقية في ظل تراجع فرص المرشح خالد علي، الوحيد الذي أعلن ترشحه حتى الآن.