خلال زيارته الحالية للولايات المتحدة، من المتوقع أن يقوم ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً، بجولة تستغرق أكثر من أسبوعين، ووفقاً لما هو مخطط سيتوقف خلالها في واشنطن ونيويورك وبوسطن وسياتل ووادي السليكون ولوس أنجلوس وهيوستن. ورغم أن ارتباطاته خارج العاصمة الأمريكية ستركز على اجتذاب التكنولوجيا والاستثمارات لخطة الإصلاح الجذرية التي يقوم بها والمعروفة بـ «رؤية السعودية 2030»، إلّا أنّ احتمال قيام تبادلات حرجة حول كيفية تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ستهيمن على اجتماعه في البيت الأبيض في 20 آذار/مارس وعلى المحادثات الأخرى التي سيجريها في واشنطن. ومن وجهة نظره، [يُفضل أن يتركز] جدول أعمال هذه المحادثات على إيران وإيران وإيران.
ويرى الأمير بن سلمان أن النظام الديني في طهران يشكل تحدياً سياسياً ودينياً لدور الرياض القيادي التقليدي في العالمين العربي والإسلامي. وعلى الرغم من أن وجهة النظر هذه تتقاسم إلى حد ما، قدراً من الاتفاق الخطابي مع تصريحات إدارة ترامب، إلّا أنّ الحكومتين منقسمتان حول العديد من التفاصيل السياسية.
اليمن: ثبت أنه من المتعذر تحقيق النصر في الحملة التي تقودها السعودية لإخراج رجال القبائل الحوثيين المدعومين من إيران من العاصمة اليمنية وإعادة الحكومة المعترف بها دولياً. والأسوأ من ذلك، أن مشاركة إيران المحدودة نسبياً أصبحت لها تأثيرات عسكرية قوية على نحو متزايد مع استمرار الحرب التي دامت ثلاث سنوات. وقد تم تسهيل التدابير [العسكرية] الناجحة التي اتخذها الحوثيون مثل ضربات الصواريخ بعيدة المدى وهجمات الطائرات بدون طيار، من قبل فرق متخصصة من المستشارين الإيرانيين مما أعطى طهران ميدان اختبار لتكتيكاتها القتالية.
وفي غياب النجاح العسكري السعودي الحاسم، حاولت الولايات المتحدة إيجاد خيار دبلوماسي باستخدام الوساطة العمانية لفصل الحوثيين عن إيران، وهذه الوساطة هي قناة خلفية تم إحياءها في وقت متأخر. وفي غضون ذلك، أعرب الكونغرس الأمريكي عن قلقه المتزايد بشأن العواقب الإنسانية للحرب الدائرة في اليمن، لا سيما استخدام التحالف للذخائر الأمريكية والدعم الاستخباراتي.
قطر: منذ حزيران/يونيو 2017، فرضت السعودية والإمارات العربية المتحدة حصاراً على قطر بزعامتهما، مستشهدتان بقائمة طويلة من الشكاوى الغير قابلة للتصديق أحياناً، والتي تشمل التدخل في شؤونهما الداخلية، ودعم قطر للإرهاب، واقترابها من إيران. وفي البداية، دعم الرئيس ترامب هذه الخطوة، إلّا أنّ الإدارة الأمريكية تبنت مؤخراً موقفاً أكثر حيادية، حيث استضافت حواراً استراتيجياً مع المسؤولين القطريين وبدأت جهداً جديداً لحل النزاع. وبالإضافة إلى الاجتماع مع محمد بن سلمان، سيستضيف الرئيس الأمريكي قريباً ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. ومن المحتمل أن تنبع مثل هذه الجهود – على الأقل جزئياً – عن الحقيقة بأن قطر تستضيف قاعدة العُديد الجوية، التي تضم آلاف الجنود الأمريكيين، ويتم منها شن الغارات الجوية الأمريكية اليومية المتجهة إلى أفغانستان وسوريا.
ويبدو أن جهود واشنطن لتهدئة الخلافات الخطابية تجدي نفعاً. فلم تظهر أي تقارير أخرى حول تورّط الطائرات السعودية في انتهاكات مزعومة للحركة الجوية من قبل الدول المتنازعة مع قطر، وقد قامت الرياض مؤخراً بإعادة تعيين ضابط الاتصال المسؤول من قبلها عن التنسيق مع الولايات المتحدة والسلطات القطرية في قاعدة العُديد (على الرغم من رفض دولة الإمارات لطلب مماثل من قبل الولايات المتحدة).
إيران: شاركت الرياض دول الخليج الأخرى وإسرائيل حول مخاوفها بشأن إيران، والتي تشمل التكتيكات الهدامة للنظام الإيراني في ساحات المعارك الجديدة المحتملة مثل البحرين، و”المنطقة الشرقية” الغنية بالنفط ذات الأغلبية الشيعية في السعودية. كما تبقى طموحات طهران النووية محط تركيز، حيث لم يخفف الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران من مخاوف السعودية.
وفي الوقت نفسه، أكدت السعودية من جديد اهتمامها الخاص ببناء مفاعلات للطاقة النووية المدنية، حيث يتنافس اتحاد بزعامة شركات أمريكية على تقديم عطاءات [بخصوص هذا المشروع]. لكن الرياض تريد الحق في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، وكلاهما يحمل مخاطر الانتشار النووي. وفي عرض نادر للخلاف مع الرياض، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد السماح للسعودية بالحصول على مثل هذه التكنولوجيا، في حين حذر محمد بن سلمان في مقابلة أجراها معه مؤخراً البرنامج الأمريكي “60 دقيقة” من أنه إذا طوّرت إيران سلاحاً نووياً، فإن المملكة “ستحذو حذوها في اسرع وقت ممكن.”
السلام في الشرق الأوسط. من المتوقع أن تعلن واشنطن قريباً عن خطة جديدة لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ويُعتبر الحصول على دعم السعودية لها أمراً حاسماً. وعلى عكس أسلافه، لا يبدو أن محمد بن سلمان يَعتبر عملية السلام عقبة رئيسية أمام تطوير العلاقات مع إسرائيل، التي يبدو أنها جزء من رؤيته لتحويل المملكة إلى دولة حديثة ذات قدرات تقنية متقدمة.
سوريا: قد يوضّح اجتماع البيت الأبيض ما إذا كانت الرياض قد وعدت فعلاً بتقديم 4 مليارات دولار للمساعدة في إعادة الإعمار في المناطق التي ينتشر فيها حالياً الجيش الأمريكي في سوريا. كما لا تتوفر تفاصيل حول كيفية إنفاق هذه الأموال.
الإسلام المتطرف: بعد عقود من إلقاء اللوم على السعودية حول نشرها الإيديولوجية الأكثر صرامةً للإسلام المتطرف في جميع أنحاء العالم، تعمد المملكة الآن إلى وقف مثل هذه الجهود في الخارج بينما تحاول العودة إلى “الإسلام المعتدل” في البلاد، كما يصف ذلك الأمير بن سلمان. ويمكن القول إن هذا هو التغيير الأكثر أهمية الذي يعتمده ولي العهد السعودي في السياسة، ويجب على الولايات المتحدة أن تشجع هذا التغيير، حتى لو كان هناك متشككون في سرعة النجاح ودرجته.
وإلى جانب الاجتماع مع الرئيس ترامب، من المقرر أن يحضر محمد بن سلمان مأدبة عشاء منفصلة مع نائب الرئيس الأمريكي بنس ومستشار الأمن القومي إيچ. آر. ماكماستر، وكذلك مع المستشار البارز جاريد كوشنر وفقاً لبعض التقارير. وبالنظر إلى احتمال حدوث تغييرات وشيكة في الدائرة المقربة من الرئيس الأمريكي، قد يكون من المفيد رؤية أولئك الذين سيتم إشراكهم في هذه الاجتماعات أو استبعادهم منها.
وهناك القليل الذين يشكّون في أن ولي العهد بن سلمان يمثل مستقبل المملكة العربية السعودية، ولكن المخاوف لا تزال مستمرة حول أسلوبه وسرعة إصلاحاته الطموحة. فعلى سبيل المثال، تم مرة أخرى تأجيل طرح الأسهم لجزء من شركة النفط العملاقة الحكومية السعودية “أرامكو”، الأمر الذي يشير إلى أن بن سلمان قد يكون قد بالغ [في تقدير هذه الخطوة]. وقد تظهر صورة كاشفة عن قيادته خلال زياراته للقطاع المالي ومجتمع التقنية المتقدمة. وعلى عكس الرئيس ترامب الذي يعمل من وراء الأبواب المغلقة في البيت الأبيض، قد لا يرغب رؤساء الشركات الأمريكية في القول لمحمد بن سلمان وجهاً لوجه بأن لديهم شكوك حول الاستثمار في المملكة العربية السعودية في كل مرة يأمر فيها باعتقال رجال أعمال وحتى زملائه الأمراء.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.