من المستحيل وقوع مواجهة عسكرية بين روسيا وأمريكا على الأراضي السورية ولا اشتباك أو تماس حتى وإن نفذت واشنطن تهديدها وهاجمت سوريا ذلك أن الصدام لا يخدم مصالح الدولتين وهما لا تواجهان خطرا محدقا بأمنهما القومي وهناك اتصالات سرية بواسطة الخطوط الساخنة بين الطرفين لتفادي أي صدام ووضع هذا الإحتمال في أدنى مستوياته، أما ما يصدر من تصريحات فهو للاستهلاك الإعلامي والسياسي وكل دولة تعرف حدود نفوذها وقدراتها وفقا لتوازن القوى ومناسيبها على الأرض وذلك لا يعني التقليل من احتمالات التصعيد القادم ولكن حركته ستكون بعيدا عن القواعد الروسية وضمن حدود قواعد الإشتباك والسيطرة الصارمة لكل الأطراف..، ومع ذلك غادرت السفن الحربية الروسية للقاعدة البحرية في طرطوس لدواعي أمنية وأكد الخبر رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي( فلاديمير شامانوف) في تصريح لوكالة انترفاكس للأنباء موضحا أن مغادرة السفن جاء حرصا على سلامتها مضيفا أن هذا الإجراء (عادي) في ظل وجود تهديدات بشن هجوم على سوريا فيما أكدت شركة ( Imag satellite international) الخبر ونشرت على موقعها صورا للقاعدة البحرية في طرطوس يوم الأربعاء 11نيسان 201 وهي خالية من ( سفينة الأميرال غريغورفيش المزودة بصواريخ كاليبر المجنحة وسفينة الإنزال روبوخا وناقلة المهندس تروبين) ونرفق (صور القمر الصناعي كما هي وذلك لا يعني تبنيها ولسنا متأكدين من صحتها) ويبدو أن روسيا تعيد نشر قوتها البحرية وأسلحتها ومستشاريها تفاديا لتكرار ما جرى في دير الزور خلال شباط الماضي عندما تعرضت قوّة (فاغنر) ( ميليشيا روسية غير رسمية) الى غارة جوية أمريكية تسببت بمقتل قرابة (200 عنصر) إلا أن روسيا لاذت بالصمت في حينها وتكتمت على الموضوع إعلاميا وتحاشت إثارتَهُ تجنبا للتصعيد مع واشنطن ..!! والعالم إذ يترقب العمل العسكري الأميريكي الغربي إلا أن الفرصة لا زالت (سانحة ومتاحة) لروسيا والحكومة السورية وحلفائها للمناورة والتحرك من أجل العمل على تقليل الخسائر إذا ما تعرضت لعدوان عسكري محتمل، وستترك واشنطن لموسكو مساحة سياسية مرنة للتملص من أي استحقاق عسكري مقابل بتقمصها دور العاقل الحريص على الأمن والسلم الدوليين مع بيانات إدانة للتهور الأميريكي وسلوكه اللامسؤول على المستوى الدولي ليسدل الستار على مشهد درامي لمسرحية مثيرة لا يسمح للممثلين فيها الخروج على النص والسيناريو المرسوم من قبل المخرجين الكبار..
قوى غاشمة وترسانة عسكرية مجردة من أية نزعة قيمية وأخلاقية، متواطئة في السر مختلفة في العلن، تطحن دولا وخرائط وشعوبا وجماعات وتصب المزيد من الزيت على حرائق المنطقة المنهكة بالحروب والتردي والخراب، قوى استعمارية بقفازات مهذبة تتصارع على النفوذ والهيمنة والثروات في سوريا وعموم المنطقة المرشحة لصراع ضار جديد يبعدها حتما عن كل ما هو تقدمي ومستنير في هذا العالم ويدفعها نحو هاوية سحيقة ليس لها قرار، ولا اكتراث لدماء الضحايا من الشعب السوري الجريح وأرضه المستباحة في هذه اللعبة الدموية الظالمة ما دام ترامب يبحث عن نصر مزعوم يخرج من تحت قبعة الجنرال الأميريكي لعله يعيد جانبا من هيبة الإمبراطورية وشمس حضارتها المائلة نحو الغروب، أما العالم المتداعي عجزا وضياعا فقلبه أقسى من الحجر الأعمى وعيونه من زجاج، لا دمعة تنحدر ولا غضب يقلب الطاولة خوفا وتواطئا مع نزعة القوة والمصالح والنفاق، إنها اللاأخلاقية في سياسة القوة الأميركية والإنتهازية الغربية والنفاق الروسي…
*مستشار إعلامي وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع العراقية
( صورتان للأقمار الصناعية تظهران مغادرة قطع الأسطول الحربي الروسي قاعدة طرطوس البحرية باتجاهات مختلفة)