على الرغم من الأداء القوي الواضح الذي أظهره تحالف “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر في انتخابات 12 أيار/مايو في العراق، إلّا أنّ “التعليقات المتسرعة” لا تُعتبر على الإطلاق ذات جدوى بالنسبة للانتخابات العراقية، لأن الشعب بحدّ ذاته لا ينتخب مباشرة رئيس الوزراء وحكومته، ولأن العملية طويلة ومعقدة.
وعوضاً عن ذلك، يقوم النواب البالغ عددهم 329 نائباً بتعيين رئيس الوزراء من خلال تحقيق أغلبية 165 مقعداً، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والاصطفافات ما قبل الانتخابات. ويعني ذلك أن جميع الاحتمالات تبقى مطروحة في اليوم الذي يلي إقفال صناديق الاقتراع وربما طيلة أشهر قادمة. وإذا استغرق تشكيل حكومة وقتاً طويلاً كما حصل في عام 2014، فسيجري تشكيلها في 20 أيلول/سبتمبر 2018. أما إذا استغرق تشكيلها 289 يوماً كعام 2010، فستباشر الحكومة الجديدة عملها في 25 شباط/فبراير 2019. وقد تقع النتيجة الأكثر ترجيحاً هذه المرة في منزلة بين هذين السيناريوهين حيث قد تتشكل الحكومة الجديدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
ولا يملك أي ائتلاف عراقي الربح من الانترنت أُقيم قبل الانتخابات فرصة لتشكيل الحكومة بمفرده، وعادة ما يكون مزيج يضم ستة إلى ثمانية قوائم ضرورياً، مما يدل على مدى عدم انتظام فرز الأصوات. ومع ذلك، أعلنت “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق النتائج المؤقتة في 14 أيار/مايو، التي أشارت إلى الحجم النسبي للشرائح المتنوعة الأربع والعشرين التي تشكل البرلمان المؤلف من 329 مقعداً. ووفقاً لهذه النتائج المؤقتة، والتي من غير المرجح أن يتم تغييرها بشكل كبير، فإن القوائم العشرة الأولى هي:
• “سائرون” لمقتدى الصدر، التي تجمع الكوادر الشعبية الإسلامية مع الشيوعيين والمجتمع المدني، 54 مقعداً (16.4٪)
• “تحالف الفتح” برئاسة هادي العامري التي تضم قوات الميليشيا ذات الميول الإيرانية – 47 مقعداً (14.2٪)
• “ائتلاف النصر” برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي – 42 مقعداً (12.7٪)
• “الحزب الديمقراطي الكردستاني” – 26 مقعداً (7.9٪)
• “ائتلاف دولة القانون” برئاسة نوري المالكي – 25 مقعداً (7.5٪)
• “إئتلاف الوطنية” برئاسة أياد علاوي – 21 مقعداً (6.3٪).
• “تيار الحكمة الوطني” برئاسة عمار الحكيم – 19 مقعداً (5.7٪)
• “تحالف القرار العراقي” برئاسة أسامة النجيفي – 19 مقعداً (5.7٪).
• “الاتحاد الوطني الكوردستاني” – 17 مقعداً (5.1٪)
• قائمة “غوران” (من كردستان) – 7 مقاعد (2.1٪)
وقد تندرج الحكومة العراقية القادمة ضمن صيغتين أساسيتين، مما يطرح تحديات وفرصاً مختلفة أمام الولايات المتحدة:
- حكومة تنوع الأغلبية. ستتطلب الصيغة الأولى [الحاجة إلى] بعض الترتيبات التي تشمل عناصر الأغلبية والمتعددة الطوائف والأعراق. إنه مفهوم مقتدى الصدر وقد يشمل ضم بعض الفصائل (من بينها فصيله) إلى الحكومة واستبعاد أخرى منها (“تحالف الفتح” و “ائتلاف دولة القانون” – أي تلك الأقرب إلى إيران)، مما يشكل أول معارضة برلمانية رسمية في تاريخ العراق ما بعد 2003. ويجب أن تكون الحكومة بالفعل متعددة الطوائف والأعراق لتحقيق أغلبية 165 مقعداً. وقد يشجع الصدر صدور بيان عام من نوع ما لهذه التشكيلة الجديدة: حكومة تكنوقراطية، وتركيز على مكافحة الفساد، ونهج شعبوي اقتصادي، ممزوجة جميعها بكره معتدل للأجانب يحدّ من التأثيرات الخارجية في البلاد.
- حكومة وحدة فوضوية. من المؤكد أن الفكرة المتطرفة أعلاه تثير توتر الكتل الرئيسية وأبرز المسؤولين السياسيين القدماء. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن مقتدى الصدر مستعد لإثارة استياء شركائه في الائتلاف وقد لا يكون العمل معه سهلاً. ومن المرجح ألا تسر إيران إزاء احتمال استثناء وكيلَيْها “تحالف الفتح” و”ائتلاف دولة القانون” من الحكومة. وقد يهدد هذان التكتلان، المرتبطان بميليشيات مسلحة جيداً، بالقيام بتحركات معرقلة إذا شعرا بأنه سيتمّ إقصاؤهما. ولهذه الأسباب، قد تلجأ الكتل العراقية الأكبر إلى العادة القديمة المتمثلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية “من الجميع ولا أحد”، مما يعني أنها ستشمل كافة الجهات الفاعلة تقريباً، ولكن أي منها لا تتفق على مجموعة أهداف، باستثناء تقسيم الوزارات إلى إقطاعيات سياسية. وقد تسفر النتيجة الأكثر ترجيحاً في حكومة وحدة وطنية قيام “دائرة داخلية” شيعية تضم كافة الفصائل، باستثناء فصيل مقتدى الصدر، الذي قد ينسحب إلى صفوف المعارضة إذا تم رفض نموذجه لتنوع الأغلبية. أما “الدائرة الخارجية” فقد تشمل الأكراد والسنّة وغيرهم، مما يجعل الأغلبية تتخطى الـ 165 مقعداً، الأمر الذي يضفي شعوراً بالشمولية.
على العراق اتخاذ القرار – أو بالأحرى إن الخيار متروك للسياسيين العراقيين. ولا يجب أن يتفاجأ أحد إذا اختار هؤلاء الخيار الأخير، الذي يُعتبر مألوفاً أكثر وأقل عرضة لعرقلة شبكات المحاباة السياسية التقليدية.
ومهما كانت العناوين الرئيسية، لا يجدر بالولايات المتحدة أن تشعر بخيبة أمل إزاء النتائج المحققة حتى الآن أو بالخوف منها. فتأييد شعبي أقوى لرؤية حيدر العبادي المعتدلة والتقدمية للعراق كان من شأنه أن يُطمئن الولايات المتحدة وحلفاء العراق الغربيين الآخرين، لكن هناك بعض الحقائق يجب أن تؤخذ في الاعتبار. فلا يمكن لنتائج استطلاعات الرأي ولا لأي عملية تشكيل حكومة أن تضمن مصالح الولايات المتحدة في العراق: فحماية المصالح الأمريكية هي عملية لا تنتهي، وليست حدثاً يجري كل أربع سنوات. ويجب الحكم على العبادي – أو أي رئيس وزراء عراقي آخر – استناداً إلى أفعاله وليس إلى هويته. ومن ناحية أخرى، على الولايات المتحدة أن تُبقي تركيزها منصباً على مصالحها الرئيسية في العراق – الاستقرار والانفتاح على الشراكة – التي سيخدمها على أفضل وجه زعيم يطبق سياسة استيعابية شاملة تجاه كافة المجتمعات العراقية، ويعتمد سياسات ذكية لمكافحة الإرهاب، ويدعم إجراء إصلاحات اقتصادية، ويُبقي العراق محايداً وسط التوترات في المنطقة، ويبحث عن الإمكانات الكامنة في اتفاق “الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق” الموقع عام 2008.
مايكل نايتس، زميل أقدم في معهد واشنطن، وكان قد عمل في جميع المحافظات العراقية وقام بتغطية جميع انتخابات البلاد منذ عام 2005.