في 4 حزيران/يونيو، سيزور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو واشنطن للاجتماع بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. وتأتي هذه الزيارة في وقتٍ حسّاسٍ تمرّ به العلاقات الأمريكية- التركية، إذ تواجه العلاقات الثنائية أكبر أزمة لها منذ حرب قبرص عام 1974. وقد انتهى ذلك النزاع بحظرٍ أمريكي مؤذٍ على توريد الأسلحة إلى أنقرة – وعانت العلاقة بشدة ولم تتطبع تماماً لحوالى نصف عقدٍ، وشكّلت سابقة لأي تدهور آخر في العلاقات إذا لم يجد البلدان وسيلة لسد الفجوات المتسعة بينهما حول القضايا الحالية.
اختلافات لا يمكن تفاديها؟
في الوقت الحالي، تؤدي عدة عوامل إلى تقويض العلاقة الثنائية، ومنها:
المطالب التركية بتسليم فتح الله كولن، وهو رجل دين تركي يُقيم في الولايات المتحدة ويبدو أن أتباعه في الجيش التركي أدّوا دوراً ملحوظاً في الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2016.
التحالف التكتيكي الأمريكي مع «وحدات حماية الشعب». هذه الجماعة السورية الكردية هي فرعٌ من «حزب العمّال الكردستاني»، المعترف به كجماعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ولكن مع اعتزام الرئيس ترامب عدم إرسال المزيد من القوات البرية إلى سوريا، ستستمر واشنطن في الاعتماد على «وحدات حماية الشعب» لاحتواء تنظيم «الدولة الإسلامية».
قرار تركيا بشراء بطاريات الصواريخ الروسية “إس-400”. بعد أن خاب أمل أنقرة بسبب رفض واشنطن تزويدها بأنظمة دفاع صاروخية من نوع “باتريوت” وفق شروط مؤاتية، تلجأ تركيا إلى شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية للحصول على صفقة أفضل من واشنطن، بما فيها عمليات نقل تكنولوجية محتملة. لكن التصرف الحالي المعادي لتركيا في الكونغرس الأمريكي سيجعل من الصعب التوصل إلى مثل هذه الصفقة. وقد يهدف أردوغان أيضاً إلى ردع أي مؤامرات مستقبلية ضده. فخلال محاولة الانقلاب عام 2016، قصفت طائرات تركية من طراز “إف-16” قصره، وقد يعتقد أن المنظومة الروسية الصنع ذات الدرجة العالية من التشغيل الآلي ستحميه بشكلٍ أفضل من قواته الجوية المتوافقة مع قدرة حلف “الناتو” اون لاين.
اعتقال خمسة مواطنين أمريكيين في تركيا، وأبرزهم القس أندرو برونسون الذي دعا إلى إطلاقه الرئيس ترامب شخصياً عبر “تويتر”. وقال أردوغان إنه يعتبر هؤلاء الموقوفين بمثابة أوراق مساومة، آملاً مقايضتهم بكولن.
انتهاكات تركيا للعقوبات الأمريكية ضد إيران. ستُقرر وزارة الخزانة الأمريكية ما إذا كان هناك احتمال فرض غرامة على “بنك خلق” المملوك للدولة بسبب هذه الانتهاكات، وسيؤدي العقاب الحاد بشكلٍ مؤكَّد تقريباً إلى تفاقم التأثير المفسد الذي تُحدثه هذه المسألة على العلاقات الثنائية. وتنظر أنقرة إلى القضية المرفوعة ضد “بنك خلق” – بما فيها حُكم القاضي الأمريكي على المدير حقان أتيلا بالسجن لمدة اثنين وثلاثين شهراً – على أنها سياسية بطبيعتها. وعارضت السلطات التركية ذلك الحُكم الصادر في كانون الثاني/يناير، مدّعيةً أن المحاكم الأمريكية لم تتخذ إجراءات مماثلة ضد مصارف أخرى ومدراء آخرين بسبب انتهاك [نظام] العقوبات على إيران (على سبيل المثال، “بي إن بي باريبا” – BNP Paribas). وبناءً على ذلك، ستؤدي الغرامة الكبيرة ضد “بنك خلق” إلى ترسيخ قناعة أردوغان والعديد من النخب التركية بأن واشنطن تتربص لهم.
انعدام كبير للثقة بين النخب السياسية، لا سيما بشأن مسائل الشرق الأوسط. منذ صعود أردوغان إلى السلطة في عام 2003، تقوضت العلاقات بسبب الخلافات حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، بما فيها حرب العراق عام 2003، وأزمة “الأسطول” التركية- الإسرائيلية عام 2010، وقرار أنقرة عام 2010 بالتصويت ضد العقوبات الإيرانية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.
انقسامات بين صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة
منذ بعض الوقت، كانت عدة معسكرات في واشنطن تتناقش بشأن كيفية التعامل مع هذه الاختلافات مع تركيا. فمن غير المحتمل أن يتم حل أي من القضايا المذكورة أعلاه في أي وقتٍ قريب، ناهيك لصالح الاستفادة من العلاقات الثنائية؛ وفي الواقع لا يشير مسار هذه الأحداث حاليّاً إلا بالمزيد من التدهور. ومع ذلك، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين العمل على تخطي الخلافات الكبيرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية – وداخل السلطة التنفيذية نفسها – التي من الأفضل اعتماد مقاربة سياسية إزاءها لمعالجة هذه القضايا.
وفي الكونغرس الأمريكي، يريد العديد من المشرعين اعتماد مقاربة تستخدم القوة مع أردوغان، وهم يعتقدون أنها قد تحاكي رد موسكو عندما أسقطت تركيا طائرة روسية انتهكت أجواءها في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. فبعد أن فرض الكرملين عقوبات صارمة، سافر أردوغان إلى سانت بطرسبرغ في آب/أغسطس 2016 واعتذر شخصيّاً من فلاديمير بوتين. وفي وقت لاحق، بدأت تركيا وروسيا بتهدئة التوترات بينهما حول الحرب الأهلية في سوريا في حين اتفقتا على بعض الصفقات الخاصة هناك. ويبدو أن الكونغرس الأمريكي يعتقد أن الموقف القوي المماثل للولايات المتحدة هو فقط الذي سيقنع أردوغان بتبني سياسات ودية تجاه المصالح الأمريكية.
ويشمل التشريع الذي يرعاه بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مثل توم تيليس (جمهوري من ولاية كارولاينا الشمالية) وجيمس لانكفورد (جمهوري من ولاية أوكلاهوما) وجين شاهين (ديمقراطية من ولاية نيوهامبشير) عقوباتٍ تستهدف مسؤولين أتراك كانوا السبب وراء اعتقال المواطنين الأمريكيين، وكذلك إجراءات لتأخير المشاركة التركية في مشروع “جوينت سترايك فايتر” (مشروع JSF) لطائرات “إف-35” إذا أكملت أنقرة عملية شراء بطاريات الصواريخ “إس-400” من روسيا. كما أن عملية الشراء نفسها قد تعرّض تركيا لتدابير عقابية عبر “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”. ومن الصعب بشكلٍ واضح تبرير عمليات تفريط السلطة التنفيذية في هذا القانون، وربما ستتطلب هذه العمليات إثباتاً يدل على عدم وجود أي خطر استراتيجي كبير – وهو أمرٌ يصعب تحقيقه نظراً إلى أنه سيتم نشرالمنظومة الروسية على مقربة شديدة من طائرات “إف-35” التركية والأمريكية، مما يثير مخاوف أمنية جدّية تتجاوز إمكانية التشغيل البيني مع أنظمة “الناتو”.
ومن جانبهما، لا يدعم البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على أنقرة – على الأقل ليس قبل الانتخابات التركية في 24 حزيران/يونيو. وبدلاً من ذلك، يريدان أن يقوما بمحاولة أخرى عبر إدارة المشاكل المختلفة مع أردوغان، باعتقادهما أن تركيا ما زالت أكبر من قائدها الذي طالت ولايته. وبالمثل، تُبدي وزارة الدفاع الأمريكية استياءها من سياسة العقوبات، على الرغم من أن “القيادة المركزية الأمريكية”، التي يغطي نطاق مسؤوليتها سوريا، لا تؤيد السياسات الموالية لأردوغان.
وعلى الرغم من أنه لا يجب التقليل من شأن غضب الكونغرس الأمريكي إزاء أردوغان، فإن أولئك الذين يدافعون عن نهج “بوتين” الصارم يميلون إلى إساءة فهم العلاقة بين روسيا وتركيا على صعيديْن. أولاً، على الرغم من العلاقات الحميمة في مجال الطاقة بين موسكو وأنقرة، إلّا أنهما لا تزالان على طرفيْ نقيض بشأن معظم القضايا الإقليمية تقريباً، بدءً من سوريا وإلى أوكرانيا – وليس هذا بالأمر المفاجئ نظراً إلى الخصومة التاريخية بينهما. وفي المقابل، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا مترسخة في حلف “الناتو” وفي عقودٍ من التعاون العسكري الثنائي، بغض النظر عن خلافاتهما. وبالتالي، فإن تعامل واشنطن مع هذا الحليف له تداعيات عبر النظام الأمني بأكمله الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يتجاوز العلاقة مع أنقرة.
ثانياً، لم تشمل سياسة بوتين “الصارمة” تهديدات أو أعمال عسكرية، كما أنه لم يضغط على تركيا كما فعل مع أوكرانيا عبر قطع إمدادات الغاز الطبيعي. وبدلاً من ذلك، اتخذ إجراءً ضد قطاع السياحة وصادرات الخضروات في تركيا، مما كلّف البلاد مليارات الدولارات لكنه لم يصل إلى حد الضغط الهائل المتعلق بالأمن الذي يفكّر فيه بعض المسؤولين الأمريكيين – وهو فئة من أصحاب الضغط أصبح أردوغان حساساً بشكلٍ خاص تجاهها منذ محاولة الانقلاب. وفي المقابل، طلب بوتين تقديم تنازليْن بسيطيْن نسبيّاً من أنقرة هما: الاعتذار، وكما يبدو، تسهيل مشروع خط أنابيب “السيل التركي”، وهو قناة غاز تهدف روسيا تسييرها تحت البحر الأسود إلى تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، من شأن أي عقوبات أمريكية أن تخدم الهدف الأسمى الذي يطمح إليه بوتين وهو: التسبب بخلافٍ بين تركيا والولايات المتحدة. فبعد أن عرض على أنقرة صفقات متنوعة في سوريا، بما فيها الضوء الأخضر لمطاردة «وحدات حماية الشعب»، يبدو أن بوتين استجلب الأتراك إلى المكان الذي يريده بالضبط: أي كحلفاء “للناتو” خاب أملهم ويعملون غالباً مع روسيا. ومن شأن العقوبات أن تقرّب تركيا أكثر فأكثر من موسكو – وربما بشكلٍ دائم. وبدلاً من ذلك، إذا تخلى الكونغرس الأمريكي عن محور “معاقبة تركيا”، ستحظى إدارة ترامب بالمزيد من الوقت لحل المشاكل التكنولوجية والسياسية الخاصة بعملية شراء بطاريات الصواريخ “إس-400″، وتتفادى في الوقت نفسه انهيار العلاقات الثنائية.
سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب الجديد: “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة“.