دانييل رايش أستاذ مشارك في السياسة المقارنة في الجامعة الأميركية في بيروت، يكتب بشكل أساسي عن الرياضة والسياسة، وله كتاب بعنوان Success and Failure of Countries at the Olympic Games (نجاحات الدول وإخفاقاتها في الألعاب الأولمبية)، صدر في العام 2016 عن منشورات راوتلدج.
أجرت “ديوان” مقابلة مع رايش في أواخر حزيران/يونيو، خلال بطولة كأس العالم، للاطلاع على وجهة نظره حول أحد أبرز الأنشطة الرياضية العالمية، وتحديداً حول انخراط الشرق الأوسط فيها.
غيدا طيّارة: هل من أمرٍ محدّد أثار انتباهكم في بطولة كاس العالم 2018؟
دانييل رايش: لم تبقَ بطولة كأس العالم في منأى عن التجاذبات السياسية. فوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان زَعَمَ بأن المهاجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أضاع ركلة الجزاء أمام منتخب آيسلندا لأن الأرجنتين ألغت آخر مباراة وديّة ضد إسرائيل قُبيل مشاركتها في نهائيات كأس العالم. فبحسب ليبرمان، كانت تلك المباراة كفيلة بتوفير المزيد من الخبرة لميسي. أشكّ في وجود رابط فعلي بين الأمرين، وأعتقد أن منتخب الأرجنتين اتّخذ قراراً صائباً بإلغاء المباراة بعد أن نقلتها إسرائيل من حيفا إلى القدس، كي تشكّل جزءاً من الاحتفال بالذكرى السبعين لقيام إسرائيل. إذن، عبثاً حاولت إسرائيل تسييس المباراة.
ثمة أمر آخر مثير للاهتمام طرأ في المباراة الافتتاحية لكأس العالم التي جمعت روسيا والسعودية. فقد ظهرت خلال المباراة إعلانات الخطوط الجوية القطرية على شريط الإعلان الجانبي للملعب، فبدا ذلك وكأنه هدف سجّلته قطر في مرمى السعودية كطريقة لإهانتها على وقع الخلافات المُستعرة بينهما. وقد شكّل حجب قناة BeIN الرياضية القطرية في كلٍّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة وإطلاق قناة بديلة مُقرصنة تحظى برعاية الدولة على الأرجح، فصلاً جديداً من فصول التصعيد مع قطر والذي مضى عليه عام من الزمن.
وقد لفتني حتى الآن في بطولة كأس العالم تشجيع النساء الإيرانيات لفريق بلادهن، ما شكّل موقفاً قويّاً ضد منع النساء الإيرانيات من حضور مباريات كرة القدم المحلية.
طيّارة: هل سنشهد من الآن فصاعداً مباريات أكثر مساواة من السابق؟
رايش: ثمة توجّه يقضي بانضمام أفضل اللاعبين في العالم إلى الأندية الأوروبية الخمسة الكبرى، وهي إنكلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، ما أتاح فرصاً متساوية بين لاعبي معظم البلدان. لكن الفرق المتحدّرة من بلدان لاتملك تاريخاً حافلاً في كرة القدم، مثل السعودية، واجهت صعوبة على مستوى بناء القدرة التنافسية.
طيّارة: كيف أثّر الفساد المستشري سابقاً في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على اللعبة في العالم، أو بالأحرى هل أثّر فعلاً؟
رايش: حدثت نقلة من الغرب إلى الشرق في ما يتعلق بتمويل كأس العالم. فعلى ضوء فضائح الفساد، انسحبت الجهات الراعية التقليدية الغربية، ليحل محلها جهات راعية من روسيا والصين وقطر. ولم يكن جلوس رئيس الفيفا، جيوفاني إنفانتينو، خلال المباراة الافتتاحية، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، سوى خطوة رمزية، حتى لو حصل ذلك لأن المباراة كانت بين روسيا والسعودية. الجدير ذكره هنا أن عدداً قليلاً من رؤساء الدول كانوا متواجدين في الملعب.
طيّارة: ستستضيف قطر كأس العالم خلال دورته المقبلة. ما المخاطر التي يمكن أن يواجهها؟
رايش: سيجري كأس العالم للعام 2022 في قطر، على الرغم من أن ذلك قد لايعجب الجميع. تستخدم قطر الرياضة بشكل استراتيجي كأداة في السياسة الخارجية تساهم في الحفاظ على أمن الدولة وتسمح للبلاد بتعزيز قوتها الناعمة. وكانت خطوة قطر المتمثّلة في نقل اللاعب البرازيلي نيمار جونيور إلى فريق باريس سان جيرمان المملوك لقطر غداة اندلاع الأزمة الدبلوماسية في الخليج ذكية، وهدفت إلى تغيير مجرى الأخبار المرتبطة بقطر في وسائل الإعلام العالمية. مع ذلك، لن تبلغ قطر أهداف سياستها الخارجية ما لم تعمل على تحقيق توقّعات الدول الغربية بإصلاح البلاد، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحسين ظروف المعيشة والعمل للعمال المهاجرين.
هنا تبرز قضية أخرى تتمثّل في أنه قد تظهر بعض التوترات في العالم العربي في حالة تأهُّل إسرائيل لكأس العالم 2022، على الرغم من أنه احتمال غير مرجّح. علاوةً على ذلك، طمأنت قطر الفيفا في عرضها لاستضافة مواقع عراقية كأس العالم، بأن إسرائيل ستكون موضع ترحيب في حال تأهّلت. وقد اعتُبر ذلك بمثابة ضمانات موثوقة نظراً إلى أن رياضيين إسرائيليين سبق أن تنافسوا في أحداث رياضية في قطر، مثل بطولة العالم للسباحة في الدوحة.
طيّارة: متى سيحصد بلد آسيوي أو شرق أوسطي أو أفريقي كأس العالم؟
رايش: حتى الآن، تتألف هذه الدول الأفريقية والشرق أوسطية التي تتمتّع بقدرة تنافسية من مهاجري الجيل الثاني أو الثالث إلى أوروبا. وكانت هذه حالة الجزائر في العام 2014، التي اقتربت من الفوز بفضل فريق من لاعبي الشتات في مواجهة ألمانيا خلال مرحلة خروج المغلوب. ففي الواقع، كان هذا فريقاً من اللاعبين الفرنسيين من أولئك الذين يتحدّر آباؤهم أو أجدادهم من الجزائر. بيد أن التحدي الذي يواجه الشرق الأوسط برمّته هو تطوير اللاعبين المحليين. وتُعتبر عملية تجنيس اللاعبين الأجانب الموهوبين أداة سياسية واسعة الانتشار، خاصة في منطقة الخليج. أما المشكوك فيه فهو إلى أي مدى يساهم هذا في تطوير اللاعبين المحليين. ويتعيّن على دول الشرق الأوسط وأفريقيا أن تبدأ الإيمان بشعبها وتشجيعه.