الذين اعترضوا على تولّي النائب محمد الحلبوسي رئاسة مجلس النواب الجديد فقط لأنه “صغير السنّ”، لا حقّ لهم ولا حقّ معهم في هذا، فما مِن مشكلة مع السنّ. كم كان بين عباقرة العلم والثقافة والأبطال صنّاع المآثر الوطنية مَنْ هم في عمر الشباب اليافع.
نعم، المشكلة ليست في السنّ إنّما في الرأس، والحلبوسي أعطى منذ اليوم الأول لولايته انطباعاً عن نفسه بأن ثمة مشكلة مع رأسه. بعد 12 ساعة أو أقل من “انتخابه” وقع في خطأ إرسال رسالة سيئة الى الرأي العام العراقي، ففي أول مقابلة تلفزيونية تحدّث بنبرة عسكرية حادّة محذّراً المعارضيين والاعلاميين ممّا أسماه “التعرّض للمؤسسة التشريعية” من الملاحقة!
نحن نعرف أن بين السيد الحلبوسي وصاحب محطة تلفزيونية مشكلة، ونعرف انها مشكلة تجّار متنافسين في بازار. هذه المشكلة لا تبرّر لرئيس البرلمان الجديد الذي يعرف الجميع أي ريح جاءت به الى منصبه، أن يتصرّف كما لو كان حاكماً عسكرياً مكلفاً فرض اجراءات الطوارئ.
السيد الحلبوسي.. كبّر رأسك شويّة.. خلافاتك وصراعاتك احتفظ بها لنفسك بعيداً عنًا نحن أفراد الشعب العراقي، وبعيداً عنّا نحن الإعلاميين وسائر المثقفين الوطنيين الذين لا يخشون تخويفاً أو ترهيباً من أي كان وبأي شكل.. في الماضي لم يفلح صدام حسين، الدكتاتور الطاغية المدرّع بقوة الدولة الغاشمة، أن يرهبنا ويمنعنا من معارضة نظامه.. وفي الماضي القريب أيضاً لم يحالف الحظّ رؤساء البرلمانات والحكومات وسواهم على مدى الاثنتي عشرة سنة المنصرمة، منذ انتخاب أول برلمان، في ترويعنا وكسر أقلامنا وتخريب أجهزة الكتابة الالكترونية التي نستعملها للتعبير عن آرائنا بالحرية التي كفلها لنا الدستور.
السيد الحلبوسي.. المؤسسة التشريعية التي صرتَ رئيساً لها بموجب صفقة سياسية وتحذّر من التعرّض لها، ليست مقدّسة.. بل هي غير محبوبة من الأغلبية العظمى من الشعب العراقي.. إنها في الواقع مطلوبة دم للشعب، لارتكابها في حقّه الكثير من المخالفات والتجاوزات التي يرتقي بعضها الى مستوى الجريمة العظمى. هذه المؤسسة مسؤولة أكثر من غيرها عن كلّ الكوارث والمحن التي حلّت بالعراق والشعب العرقي طوال الاثنتي عشرة سنة الماضية.. هي لم تعدّل الدستور كما أوجب الدستور نفسه… لم تشرّع القوانين اللازمة لبناء الدولة وأوجب الدستور سنّها.. مرّرت قوانين مضرّة بالمصالح الوطنية .. الكثير من أعضاء هذه المؤسسة استخدموا بطاقة عضويتها لعقد صفقات فساد كبيرة لابدّ أنك تعرف الكثير من تفاصيلها.. (بالمناسبة أنتَ تعهدّتَ في المقابلة بأن البرلمان برئاستك سيكافح الفساد ..لكي نصدّقك إبدأ بنفسك.. إكشف لنا عن ثروتك ومصادرها بالتفصيل).
السيد الحلبوسي.. المؤسسة التي أصبحتَ رئيساً لها الآن لو قامت في الدورات السابقة بواجبها كما ينبغي ما كان العراق سيشهد حرباً طائفية مُهلكة، ولا كان الفساد سيعصف بكيان الدولة والمجتمع، ولا كان للإرهاب أن يتفاقم فينجح داعش في اجتياح ثلث مساحة البلاد ويتسبّب في محن وكوارث، متواصلة حتى اليوم، لملايين العراقيين.
السيد الحلبوسي.. مرة أخرى، كبّر رأسك والزم حدود وظيفتك .. لا تغترْ ولا تأخذكَ العزّة بالإثم .. كثير من العراقيين الذين وجّهت َ اليهم تحذيرك، ونحن منهم، وطنيون ومضحّون في سبيل الشعب من قبل أن تُخلق.
*نشر في جريدة المدى العدد (4273) في 16 أيلول 2018 ( المقال يعبّر عن وجهة نظر الكاتب والموقع غير مسؤول عن ما ورد فيه)..